لماذا اختار السيسي مشيرة خطاب وأنور السادات لاستجداء الأمريكان؟

- ‎فيتقارير

وقع اختيار نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي على مشيرة خطاب، التي عينها الانقلاب مؤخرا رئيسا للمجلس القومي لحقوق الإنسان من أجل أن ترأس وفدا مصريا إلى واشنطن ضم  أيضا عضو القومي لحقوق الإنسان محمد أنور السادات الذي يرأس أيضا ما يسمى بمبادرة الحوار الدولي وعدد من أعضاء المبادرة؛ وذلك بهدف تحسين صورة النظام أمام الدوائر الأمريكية من جهة واستجداء  الأمريكان من أجل تسليم المساعدات إلى نظام السيسي كاملة دون اقتطاع بسبب انتهاكات النظام الجسيمة في ملف حقوق الإنسان.

تم اختيار خطاب لرئاسة الوفد المصري لاستغلال صلاتها الواسعة في الولايات المتحدة والتي استخدمها النظام من قبل للترويج لأفكاره عقب الانقلاب العسكري الذي استشهد خلال إحدى المحاكمات الشكلية في يونيو 2019م. حيث قامت وقتها بجولات أجرتها على مرحلتين عامي 2013 و2015، لكن الإشكالية هذه المرة أن أعضاء الوفد وخطابهم لم يكونوا يستهدفون إقناع النخبة الأمريكية بضرورة استمرار النظام الحالي، ولكن باستمرار التغاضي عن النقاط الخلافية وتصدير صورة مغايرة للسائدة عن سياسات النظام الداخلية.

أما عن الاستعانة بالسادات ودعمه بعدد من نواب الانقلاب المقربين للسلطة في مبادرة الحوار الدولي، فهذا يهدف إلى ترويج صورة متوازنة عن كيفية إدارة النظام لملفاته الداخلية، والادعاء بمنح المساحة لشخصيات غير محسوبة على السلطة، كالسادات وعضو مجلس حقوق الإنسان الآخر جورج إسحق، على الرغم من أنهما الوحيدان في التشكيل الجديد للمجلس اللذان لا ينتميان لمعسكر الموالاة المطلقة للسيسي. ويأتي ذلك فضلاً عن استغلال العلاقات التي تمكن السادات من إقامتها مع عدد من السياسيين الأمريكيين في السنوات الماضية وتواجده المتقطع في واشنطن لمباشرة أعماله الخاصة، وتواصله المستمر مع سفارات الدول الغربية في مصر إبان عضويته في مجلس النواب.

وقد أجرت خطاب والوفد المرافق لها  الخميس 7 أكتوبر 2021م، لقاءات مكثفة مع نواب في الحزبين الديمقراطي والجمهوري وعدد من المعاهد السياسية ومراكز الفكر وبيوت الخبرة وصنع القرار السياسي، إلى جانب اللقاء بعدد محدود من المعارضين المقيمين في الولايات المتحدة، وبعضهم حضروا من خارج واشنطن، للاستماع إلى رؤاهم، وسط تطمينات من السادات تحديداً بإمكانية البناء على أفكارهم التي يمكن قبولها لتقريب وجهات النظر بين النظام والمعارضة.

 

فشل في تحسين صورة النظام

الوفد فشل في مهمته الأولى وهي تحسين صورة النظام؛ فقد أخفق الوفد في تبديد صورة النظام باعتباره نظاما سلطويا قمعيا يمارس أبشع صور انتهاكات حقوق الإنسان. والدليل على ذلك أن فريقا من الخارجية الأمريكية التقى بأعضاء الوفد المصري جدد التأكيد على أهمية تلبية شروط محددة للإفراج عن باقي مبلغ المعونة الأمريكية المعلق بقيمة 130 مليون دولار، وإعطاء الضوء الأخضر للجهات الأميركية المانحة لزيادة ضخّ مساعداتها للحكومة والمجتمع المدني في مصر، وتقديم مساعدات مالية ولوجستية مباشرة للنظام الحاكم، لتمكينه من تنفيذ مشاريع اقتصادية واجتماعية جديدة نصّت عليها ما أطلق عليه "الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" التي أطلقها السيسي في شهر سبتمبر2021م.

ويبرهن على ذلك أيضا أن فريق الخارجية الأمريكية وضع شروطا لتلبية المطالب المصرية، ومن أبرز هذه الشروط  الإغلاق النهائي لقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني 173 لسنة 2011 والمضي قدماً وبخطى أسرع، في رفع القيود المفروضة على الحقوقيين المتهمين في هذه القضية، مثل المنع من السفر وتجميد الأموال. كما تضم الفئة ذاتها التعامل الإيجابي السريع مع 16 مواطناً مصرياً يحملون الجنسية الأميركية، وهم حالياً ما بين معتقلين وممنوعين من السفر.  ولم تشر واشنطن إلى عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين في سجون السيسي والذين يتعرضون لانتهاكات جسيمة وبعضهم كانوا وزراء ونواب منتخبون من الشعب في أعقاب ثورة 25 يناير 2011م.

وبحسب صحيفة "العربي الجديد" فإلى جانب الهدفين الأساسيين من الجولة، وهما الترويج لحدوث انفراجة وتحسين صورة النظام، فإن هناك هدفاً ثالثاً حاول الوفد تحقيقه، وهو محو بعض الانطباعات السلبية التي ترتبت على زيارة مدير الاستخبارات العامة المصرية اللواء عباس كامل إلى واشنطن في يونيو2021، وتكشّفت بنشر عدد من التقارير الصحافية الأميركية التي حملت تصريحات متهكمة على بعض أطروحات كامل خلال لقاءاته بالمسؤولين الأميركيين، والتي كان أبرزها بشأن محمد سلطان، المعارض المقيم حالياً في أميركا، بالمطالبة باستكمال حبسه.

 

نفاق أمريكي

ولم تحظ خطوة إدارة الرئيس الأمريكي جوبايدن بتجميد تسليم 130 مليون دولار من أموال المعونة الأمريكية للنظام المصري بتقدير من جانب المنظمات الحقوقية التي رأت في الخطوة ردا ضعيفا على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر. ويرجح مراقبون أن يتم تسليم باقي المساعدات الأمريكية لنظام السيسي خلال الأسابيع والشهور المقبلة فلم يحدث أن جمدت واشنطن تسليم المساعدات للنظام في مصر لاعتبارات تتعلق بالدور الوظيفي الحيوي الذي يقوم به النظام في مصر لخدمة وحماية المصالح الأمريكية في مصر.

وبحسب مراقبين ومحللين فإن ضغوط الإدارات الأمريكية على النظام العسكري في مصر بشأن الملف الحقوقي والتهديد باقتطاع جزء من المساعدات ما هي إلا مسرحية؛ لأن الواقع يؤكد أن حقوق الإنسان في مصر تزداد بوسا في الوقت الذي تصل فيه المساعدات الأمريكية  كل سنة بانتظام للنظام المصري ودون انتقاص! هي إذا مسرحية بمعناها الحقيقي لا المجازي. لكنها مملة ومكررة ولا إبداع فيها.

ولعل أكبر تجرية يمكن أن تبرهن على أن المواقف  الأمريكية من الملف الحقوقي في مصر مجرد أكذوبة كبرى، هو موقف إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما من انقلاب 3 يوليو 2013م، فأحاديث واشنطن عن حقوق الإنسان هي مجرد شعارات ترفعها واشنطن لتحقيق هدفين، الأول هو الحفاظ على صورتها أمام العالم باعتبارها ـ وفق التصورات الأمريكية والغربية ـ راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم. والثاني هو ابتزاز النظم المستبده لتقديم تنازلات ترغب فيها واشنطن، وهي عادة ما تكون مطروحة في مباحثات سرية داخل الغرف المغلقة مع هذه النظم.

فواشنطن تتعامل بازدواجية مع حقوق الإنسان؛ حيث تولي اهتماما كبيرا بالانتهاكات التي تمارسها الصين ضد أقلية الأويجور المسلمين، والإعلام الأمريكي حريص على إبراز وتناول هذه الانتهاكات باستمرار؛ ليس إيمانا بأهمية حقوق الإنسان بقدر ما هو سلوك كيدي ضد الصين التي باتت المنافس الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية والتي تسعى إلى إزاحة واشنطن عن صدارة النظام العالمي لتحل مكانها. والبرهان على ذلك أن  المسلمين في فلسطين يتعرضون لأبشع الانتهاكات على يد الاحتلال الإسرائيلي تحت رعاية وحماية من واشنطن التي تمد تل أبيب بأحدث ترسانة السلاح الأمريكي. وترخي مظلة حمايتها على إسرائيل وتحول دون إدانتها في مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة باستخدام حق الفيتو.

وبحسب الكاتب الصحفي فهمي هويدي فإن الإستراتيجية الأمريكية تنطوي على خطين أحمرين يحكمان علاقات واشنطن بالقاهرة:

  • أولهما التعاون العسكرى الذى يعد حجر الأساس للتصورات الأمنية الأمريكية فى علاقاتها بأحد أهم إقاليم العالم. وفى ظل التعاون تتمتع الولايات المتحدة بوضع خاص على مستويات ثلاثة، هى: المرور فى قناة السويس ــ استخدام المجال الجوى المصرى ــ التعاون الاستخبارى. والمعونات التى تقدمها الولايات المتحدة لمصر هى بمثابة إسهام من جانبها فى استقرار أوضاعها بما يسمح بالحفاظ على استمرار المصالح سابقة الذكر.
  • الخط الأحمر الثانى يتمثل التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل. فأى اهتزاز لمعاهدة السلام يضع أمن إسرائيل بل أمن الولايات المتحدة على المحك بحسب أولويات السياسة  الأمريكية في مصر والمنطقة وتصريحات كل الرؤساء الأمريكيين.

معنى ذلك أن التعاون والتسهيلات العسكرية ومعاهدة السلام تعد من الأصول التى لا تحتمل الاختلاف أو الاجتهاد فى علاقات البلدين فى ظل موازين القوة الراهنة، وكل ما عدا ذلك يعد فروعا قابلة الاختلاف والاجتهاد بما فى ذلك من يحكم مصر أو السياسات الداخلية التى يتبعها الطرف الحاكم. بكلام آخر فإن استحقاقات الأصول فى علاقات البلدين تعد من التكاليف الضرورية، أما ما عدا ذلك فهى أمور تحتمل التناصح فضلا عنها تظل من الأمور التحسينية إذا استخدمنا لغة الأصوليين.

فى الأمور الفرعية والتحسينية تلتزم الولايات المتحدة بقوانينها وحساباتها السياسية ويهمها استقرار الأوضاع فى مصر، بصرف النظر عمن يحكمها، وليس ذلك حبا فى سواد عيون المصريين بطبيعة الحال، ولكن لأنها تعتبر أن ذلك الاستقرار يؤمن مصالحها المتمثلة فى التعاون العسكرى وأمن إسرائىل.