على الرغم من التقارير التي تُصدرها جهات رسمية بنظام المنقلب السيسي عن الفقر والفقراء بمصر، والتي في أغلب أرقامها تلطيفا للواقع المزري الذي تتناوله التقارير الدولية، التي تتضح فيها الفجوة الكبيرة في الأرقام، إذ أن تقارير البنك الدولي والمؤسسات العالمية تذهب إلى أن الفقراء بمصر يتجاوز عددهم 80 مليون مصري، فيما تقارير الجهاز التعبئة والإحصاء المصري تقول إن "عددهم 32 مليون فقير بمصر".
الفقر المدقع
ورغم تأكد الداخل والخارج أن سياسات السيسي زادت نسب الفقر وحولت الفقراء إلى وضع أشد فقرا، وصل إلى الفقر المدقع، وبات أغلب المصريين يأكلون من أكوام القمامة، وانتشرت أسواق بواقي أطعمة المطاعم والفنادق وهياكل الطيور التي باتت السبيل الوحيد للحصول على طعام لملايين المصريين.
وفي سياق اهتمام السيسي ونظامه بسياسات التلميع للقائد الملهم الذي يسعى لخدمة الفقراء، وفي إطار سياسات المنع والقمع والتعمية عن الحقائق، تفاجأ ملايين المصريين، الأحد الماضي، بحذف المواقع التابعة للمخابرات العامة كل الأخبار عن الفيلم المصري "ريش" ومخرجه عمر الزهيري، الذي فاز بجائزتي "أسبوع النقاد" و"الفبريسي" في مهرجان كان السينمائي الدولي، وفاز أيضا بجائزة أفضل فيلم روائي عربي في مهرجان الجونة.
المشخصاتي شريف منير وتوابعه
وجاء الحذف بعد موقف الممثل شريف منير، الأحد الماضي، عندما انسحب من عرض الفيلم في مهرجان الجونة السينمائي، ومعه الممثلان أحمد رزق وأشرف عبد الباقي، بزعم أن الفيلم يسيء إلى سمعة وصورة مصر.
وكان فيلم "ريش" أول تتويج للسينما المصرية في تاريخها بجائزة من مهرجان "كان" السينمائي الدولي.
وعرض مهرجان الجونة فيلم "ريش" للمرة الأولى في الشرق الأوسط الأحد، وبعد نحو ساعة من عرض الفيلم، بدأ البعض في المغادرة، وهم شريف منير ويسرا وإيناس الدغيدي وأشرف عبد الباقي وأحمد رزق وتامر حبيب، بحجة أن الفيلم يحوي مشاهد تسيء لسمعة مصر.
مزاعم الإساءة لمصر
وحاول محمد حفظي، منتج الفيلم ورئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، إثناء الفنانين عن مغادرة عرض الفيلم، نافيا أن تكون مشاهد الفقر في الفيلم مسيئة لمصر.
موقف بعض الفنانين بالجونة، عبر عن انصياع وإتجار بالمواقف مع الأجهزة الأمنية، التي تمنح وتمنع الأعمال والأدوار والبرامج للفنانيين.
وهو ما كان مثارا لغضب النقاد والمبدعين، حيث ، كتبت الناقدة ماجدة خير الله تعليقا على الواقعة في صفحتها على فيسبوك تقول "فيلم ريش لعمر الزهيري قطعة فنية من الإبداع الخالص من حيث أسلوب السرد، وتكوينات الصورة، والتعامل مع مجموعة من الممثلين لم يسبق لأي منهم الوقوف أمام الكاميرا".
وتابعت "الفنان الحقيقي في كل المجتمعات المتحضرة دائما ما يسبق حركة العامة بخطوة أو اثنتين، لينير الطريق ويضع خطوطا تحت ما يريد التأكيد عليه، ولكن للأسف، حفنة من نجومنا اعتادوا على البقاء في الخلف ومحاولة إقناع الجميع بأنه المكان المناسب، متناسين أن حركة تيار النهر دائما للأمام، وهؤلاء سوف تعتبرهم الأجيال القادمة مثل الديناصورات المنقرضة".
فيلم دولي
وعُرض الفيلم (ريش) عالميا لأول مرة ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي، ولقي حفاوة كبيرة من الجمهور، وشارك في المسابقة الرسمية لأسبوع النقاد الدولي المقامة ضمن فعاليات مهرجان كان في نسخته الـ74.
وأُنتج الفيلم تعاونيا بين فرنسا ومصر وهولندا واليونان، ونال دعما من جهات دولية عديدة خلال مراحل إنتاجه.
قصة الفيلم
ويقدم الفيلم قصة أم تعيش في كنف زوجها وأبنائها حياة لا تتغير وأياما تتكرر بين جدران المنزل، الذي لا تغادره ولا تعرف ما يدور خارجه، وذات يوم يحدث التغير المفاجئ ويتحول زوجها إلى دجاجة، فأثناء الاحتفال بيوم ميلاد الابن الأصغر، يخطئ الساحر ويفقد السيطرة ويفشل في إعادة الزوج، الذي كان يدير كل تفاصيل حياة هذه الأسرة، هذا التحول العنيف، يجبر هذه الزوجة الخاملة على تحمل المسؤولية، بحثا عن حلول للأزمة واستعادة الزوج، وتحاول النجاة بما تبقى من أسرتها الصغيرة، وخلال هذه الأيام الصعبة، تمر الزوجة بتغير قاسٍ وعبثي.
ومن شدة الفقر والحاجة، تقوم بذبح الفرخة أي زوجها، لإطعام أبنائها الذين يواجهون الموت جوعا وهي قمة المأساة.
وعلى الرغم من تكريم وزيرة الثقافة بحكومة الانقلاب إيناس عبد الدايم للفيلم وصُنّاعه، بعد حصولهم على جائزة كان لأول مرة في تارخ الفن المصري، شن إعلام النظام هجوما حادا على الوزيرة ومهرجان الجونة، الذي سمح بعرض الفيلم، إلا أن المهرجان رد ببيان رسمي، أكد أن اختيار الفيلم جاء متسقا مع معايير اختيار الأفلام في المهرجان، وذلك بناء على ما حققه من نجاحات في بعض المحافل الدولية، سواء حصوله على الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد الدولي في أكبر المهرجانات العالمية مهرجان كان، وهو أول فيلم مصري يحصل على مثل تلك الجائزة المرموقة.
وأضاف البيان، كما حصل بالأمس القريب على الجائزة الكبرى لمهرجان "بينجياو" في الصين، كما تم اختياره ليُعرض في أيام قرطاج السينمائية في دورتها القادمة، كما قامت وزارة الثقافة المصرية بتكريم الفيلم وفريق عمله في فعالية أُقيمت قبل بدء مهرجان الجونة السينمائي.
وتابع، ولذا كان اختياره للعرض في مهرجان الجونة جزءا من الاهتمام بالشأن المصري، في المجالين الفني والثقافي عالميا، خصوصا أن السينما المصرية على مدار 125 سنة لم يحصل فيلم مصري على جائزة بهذه الأهمية.
وأشار إلى أنه، وفقا لآراء العديد من النقاد المصريين والعالميين، فإن الفيلم تدور أحداثه في زمان ومكان غير محددين، وبالتالي لا يمكن تحميل الفيلم أكثر من ما جاء به.
إسقاط على الأوضاع الحالية
وهنا تبرز النقطة الأساسية وهي خشية نظام السيسي وأذرعه الفنية والإعلامية من أن يكون الفيلم إسقاطا على حياة الناس في زمن العسكر والسيسي، الذي أفقر الشعب المصري.
وهو ما برز في تبرير الفنان المقرب من العسكر شريف منير الذي يقدم على شاشات المخابرات برنامج هو وابنته، ويطمح للمشاركة في مسلسل الاختيار 3، بحسب متابعين له يقول "حتى الحياة في العشوائيات التي نقضي عليها ليست بهذه الصورة، هناك ناس تعيش في أماكن نظيفة وحلوة بديلة العشوائيات على أعلى مستوى، الصورة اللي من أيام فيلم حين ميسرة، العين لازم تبعد عنها، نحن نعيش في جمهورية جديدة وشكل جديد".
ولكن الواقع أسوأ مما تناوله الفيلم، وفق ما يعايشه المصريون من فقر مدقع تدفع الأسر نحو بيع أبنائها أو الإتجار بأعضائها البشرية، من أجل إطعام أطفالها، وهو ما كشفته المنظمات الدولية باحتلال مصر قمة الدول التي تنتشر بها تجارة الأعضاء البشرية.
Facebook Comments