جيش السيسي.. من مص أموال المصريين إلى مص دمائهم والاتجار في البلازما!!

- ‎فيتقارير

يوم وراء يوم، يتوسع الجيش المصري في السيطرة على خارطة المال والأعمال في البلاد المنكوبة بحكم العسكر، بتشريعات فاسدة وانصياع مخزٍ من السلطة اللتشريعية دون مراعاة مصالح الشعب، فمن التغذية المدرسية والصناعات الغذائية ونهب الأراضي والاتجار في أقوات الشعب، إلى بناء المدن الترفيهية والسياحية والميديا والإعلام وصولا إلى الاتجار في دماء المصريين وبلازمتهم، بعدما غطى الجشع عين العسكر، الذين كشفوا عجزا كبيرا في صناعة الأدوية المرتبطة ببلازما الدم، خلال جائحة كورونا، وإثر سياسات الإفشال لكل ما هوغير عسكري، من قبل السيسي الذي عرقل التشريعات الميسرة لوزارات الصحة والتعليم العالي إنشاء مراكز تصنيع واستخلاص البلازما والأدوية المرتبطة بها، من أجل الدخو ل السهل واليسير للجيش في المجال المضمون أرباحه قبل أن يبدأ.

وفي ظروف غامضة بعيدة عن الإجراءات الدستورية والقانونية الاعتيادية، أعلن الجيش منذ أيام افتتاح أول مركز متكامل في أفريقيا والشرق الأوسط لتجميع البلازما بمدينة السادس من أكتوبر، لتحقيق الاكتفاء الذاتي للأدوية المشتقة من البلازما، بالتعاون بين جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة وشركة غريفولز الإسبانية، وكرّس الجيش بذلك إدارته وسيطرته المطلقة على ما يسمى المشروع القومي لإنتاج أدوية مشتقات بلازما الدم، والذي وضعت الدولة نواته بعدما اكتشفت خلال تفشي وباء كورونا وجود قصور ونقص في المخصصات والمنجزات الحكومية في هذا المجال العلاجي الحيوي.

منظومة الجيش الطبية

وكان الوسط الطبي والعلمي سيرحب بتدشين مشروع حكومي كبير مثل هذا لتلبية الاحتياجات الصحية للمواطنين، إذا كان المشروع مرتبطا بالفعل بتلك الاحتياجات والمراكز الحكومية العاملة في هذا المجال بالفعل منذ سنوات على نطاق واسع، والتابعة لكل من وزارتي الصحة والتعليم العالي، لكن ما حدث هو صدور قرار شفهي من عبد الفتاح السيسي بإسناد هذا المشروع القومي إلى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، والذي أنشأ بدوره شركة استثمارية سيتبعها هذا المركز، خارجة عن نطاق سيطرة الأجهزة المعنية، وتابعة لوزارة الدفاع فقط، هي “غريفولز إيجيبت” بالشراكة مع شركة إسبانية تحمل الاسم نفسه.

وتُعتبر الشركة الجديدة امتدادا للمنظومة الطبية للجيش، من دون أي تغيير أو دمج لمراكز أو شخصيات حكومية أو مستقلة، ويرأس مجلس إدارتها اللواء طبيب مجدي أمين مبارك، الذي كان يشغل منصب مدير إدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة حتى الشهر الماضي.
وكان وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي  سيبقي على مبارك في المنصبين، لكن السيسي تدخل وأمر برئاسته للشركة فقط باعتبارها كيانا سيعمل تحت إشراف مباشر من رئاسة الجمهورية، فتم اختيار اللواء هشام الششتاوي الذي كان رئيسا لأركان إدارة الخدمات الطبية مديرا جديدا لها.

وحتى الآن تحاول رئاسة الانقلاب ومجلس وزرائه ووزارة الدفاع التعتيم على هوية مبارك كرئيس للشركة الجديدة، حتى يظهر الأمر للرأي العام ودوائر الصحة والبحث العلمي والأعمال أن الشركة الجديدة مجرد فرع للشركة الإسبانية تحت إدارة وزارة الدفاع، وهو أمر مختلف عن الواقع وهيكلية الشركة التابعة تماما للجيش، وتستخدم فقط اسم وتكنولوجيا الشركة الإسبانية.

وينوي الجيش إنشاء 20 مركزا للتبرع بالبلازما تابعا للشركة الجديدة، وإنشاء مصانع ومخزن مركزي للبلازما، ومختبر معملي لاختبار عينات البلازما، بالإضافة إلى مركز تدريب وتطوير تابع لأكاديمية الشركة الإسبانية، أما الهدف النهائي للمشروع فهو أن تكون هذه الشركة هي المركز الرئيس لعمليات الدم والبلازما في مصر، بدلا من منشآت وزارة الصحة والجامعات التي كانت مؤهلة للقيام بهذا الدور بالفعل، في حال توفير الإمكانات المالية والتسهيلات التشريعية المطلوبة منذ عقود، لتمكينها من التعاقد مع الشركات الأجنبية النشطة في هذا المجال، ثم ستتجه الشركة العسكرية إلى تصدير المنتجات في مرحلة لاحقة.

وستصب ممارسة هذه الأنشطة بصورة احتكارية في مصلحة جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزير الدفاع مباشرة، شأنه شأن المشروعات الأخرى التابعة للجهاز ذاته، في مجالات الوقود والإنتاج الزراعي والحيواني والغذائي، وكل الأرباح ستصب لصالح الجيش الذي يحصل على الأراضي والتسهيلات المختلفة من الدولة بموجب إجراءات استثنائية وغير شفافة، وتحول دون حرية المنافسة.

تشريعات تخدم العسكر

ولم تكن صدفة أن سبق افتتاح المركز بأيام إصدار رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي اللائحة التنفيذية لقانون عمليات الدم والبلازما، والذي صدر في فبراير الماضي. وذكرت الحكومة آنذاك أنها تهدف به إلى تشجيع الجهات الرسمية والمستثمرين في المجال الطبي على خوض هذا النشاط، ثم العمل في مرحلة لاحقة على تصدير تلك المنتجات للخارج. 

 ولا يتعامل القانون الجديد مع هذا المجال باعتباره خدميا من الدرجة الأولى، رغم أنه ينص على فكرة تدشين المشروع القومي، لأنه يربط التجميع والإنتاج بإمكانية البيع والتصدير للخارج، على الرغم من أن الحصول على البلازما من المواطنين سيكون عن طريق التبرع فحسب.

وهنا يمهد القانون ولائحته الطريق لسيطرة الجيش على هذا المجال بالكامل، فبداية ستتشكل لجنة برئاسة رئيس الوزراء، وعضوية وزيري الصحة هالة زايد والتعليم العالي خالد عبد الغفار ورئيس هيئة الدواء تامر عصام، ورئيس هيئة الشراء الموحد التابعة للجيش بهاء زيدان، وممثل آخر لوزارة الدفاع، وتختص اللجنة بوضع خطة لإنشاء المصانع ومراكز تجميع البلازما وأماكنها ووضع المعادلة السعرية للتصرف في البلازما بصورة دورية، وربط سعر التصرف بالسوق المحلي بالأسعار العالمية، وإصدار التوصيات اللازمة لموجبات تحقيق توطين الصناعة، وتعني هذه الخطوات تأمين سيطرة فعلية للجيش على أعمال اللجنة من خلال ممثلين اثنين، وغياب تمثيل المجتمع الطبي والعلمي والاستثماري، إلا بوجود الوزراء الخاضعين لتوجيهات السيسي.

وبينما وضعت اللائحة أسعارا عالية للرسوم المطلوب سدادها من المستثمرين في مجال الخدمات الطبية للحصول على ترخيص تشغيل مراكز خدمات الدم والبلازما، من أول فحص الطلب ثم المعاينات ثم الترخيص النهائي، تعفي اللائحة الجهات الحكومية والتي من بينها جهاز مشروعات الخدمة الوطنية من أي رسوم، كما أن تزامن افتتاح مركز بهذا الحجم مع صدور اللائحة قبل استعداد باقي المستثمرين الذين ينوون الدخول في هذه السوق الجديدة، سيعطي جهاز الخدمة الوطنية أفضلية كبيرة، إلى جانب التسهيلات الأخرى المضمونة في عمليات الفحص والتراخيص واستيراد الأجهزة والمواد ثم تصدير المنتجات.

وللأسباب نفسها، أصبح الجهاز يمتلك أفضلية كبيرة على حساب الجهات الحكومية والعلمية الأخرى والشركات الخاصة التي تساهم فيها الدولة وأي من الوزارات بحصة حاكمة، التي يمنحها القانون حق العمل في هذا المجال، لأن هناك شرطا لذلك هو أن يكون العمل تحت إشراف فني لشركة عالمية متخصصة في مجال تصنيع مشتقات البلازما، ويعني هذا الأمر أن باقي الجهات الراغبة في المنافسة سيكون عليها البحث عن شركة مثل “غريفولز” الإسبانية لإجراء التعاقد معها.

المواطن العادي درجة ثانية

كما أن دخول الجيش كمستثمر أكبر في هذا المجال سيصعّب استفادة المستشفيات التابعة لوزارة الصحة والجامعات مباشرة من الفوائد المتوقعة لهذا المشروع، تماما كما حدث عندما استورد الجيش لحسابه كميات من لقاح فيروس كورونا وعقاقير وأدوية ووجهها فقط للمستشفيات والمراكز التابعة له، وكما حدث سابقا عندما فتحت الدولة الباب لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية لاستيراد الأجهزة الطبية فجعل الأولوية لنفس المستشفيات، وفي المرتبة التالية جاءت المستشفيات الحكومية التي يرتادها السواد الأعظم من المصريين.
وبذلك يعمق السيسي فكرة الشعبين، شعب فقير لا يجد علاجه ولا طعامه، وشعب ينعم بكل الإمكانات ومقومات الحياة والمكاسب المالية أيضا.
وكما يمثل الإتجار بالدم والبلازما بابا للكسب السريع المضمون للجيش يجري إعفاؤه وشركاته من أية التزامات أو ضرائب ورسوم للدولة والخزانة العامة، ما يفاقم العجز المالي في الدولة ككل، وبدلا من أخذ جزء من الأرباح لصالح الدولة، يتم تحميل المواطن الفقير عواقب سياسات السيسي الاستثنائية، بالخصم من موازنات الصحة والتعليم وغيرها وتحميل المواطن المزيد من الضرائب والرسوم بحجج مختلفة ، وهو ما يعني دمار الشعب المصري اقتصاديا وصحيا فيما شعب السيسي من العسكر يرفلون في النعم والمكاسب.