موجة غلاء مقبلة.. هل يضرب “القمح” حكم السيسي ويدفع الشعب للثورة؟

- ‎فيتقارير

رغم معاناة المصريين المستمرة من ارتفاع الأسعار والخدمات بفعل خطة السلطة للجباية منهم، لاستكمال بناء المنطقة الخضراء في العاصمة الإدارية التي يخطط النظام الانقلابي للاحتفال بها، يدق إعلام السلطة ناقوس الخطر من موجة غلاء مقبلة.

بجانب ارتفاع أسعار مواد البناء والعقارات والغذاء، في أعقاب الارتفاع المتصاعد في أسعار النفط، ومخاوف الغضب الشعبي، يبدو القمح أخطر الأسلحة التي يمكن أن تهز استقرار نظام حكم السيسي، في ظل ارتفاع فاتورة استيراده مليار دولار سنويا، وقرب رفع سعر خبر الفقراء.

تسبب نقص المخزون المعروض وزيادة الطلب العالمي في ارتفاع أسعار القمح إلى أعلى مستوياتها بالأسواق العالمية منذ عام 2012 في تضرر مصر بشدة، بحسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني 7 نوفمبر 2021.

ما زاد الطين بِلّة معاناة مصر أكبر دولة بالشرق الأوسط من حيث تعداد السكان من آثار التغييرات المناخية على إنتاج القمح العالمي، وضعف موسم حصاد العام الجاري، وفرض روسيا وهي أكبر مورد لمصر، ضرائب جديدة على صادرات القمح.

في الوقت الذي يسابق في نظام عبد الفتاح السيسي الزمن للانتقال إلى المنطقة الخضراء في العاصمة الإدارية، وبدأ بروفات الانتقال نهاية العام الجاري، تحذر مصادر أمنية وسياسية من أن ارتفاع فاتورة استيراد القمح بنحو مليار دولار سيفاقم الأضرار المالية ويدفع أسعار الغذاء للارتفاع بشراسة، ما يزيد الغضب الشعبي.

مع ترقب المصريين قرارات من عبد الفتاح السيسي برفع سعر الخبز المدعم، كما قال وزير التموين بحكومة الانقلاب يحذر خبراء وسياسيون مصريون من رد فعل شعبي عنيف.

إعلاميو السلطة، مثل عمرو أديب مهدوا للغلاء المقبل بتحذير المصريين من موجة غلاء لكنهم بدل من تحميل السلطة المسئولية حملوها للشعب لأنه مُسرف، وأسعار بعض السلع في السوق المحلي قفزت بالفعل بنسبة تجاوزت 50%.

 

الفقراء يزيدون

بإعطاء المنقلب عبد الفتاح السيسي، الضوء الأخضر لرفع سعر رغيف الخبز المدعم، والحديث المسرب عن رفعه بنسبة 300% من 5 قروش إلى 20 قرشا، سوف يترفع عدد من يلقي بهم النظام تحت خط الفقر بنسبة 5% بحسب خبراء الاقتصاد.

نسبة المصريين تحت خط الفقر بلغت وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يوليو 2018 إلى 32.5% مقارنة بـ 27.5% في 2015.

ورغم حديث وزارة التخطيط بحكومة الانقلاب عن تقلص النسبة إلى قرابة 30% (29,7%) في عام 2020، ينتظر أن تقفز النسبة إلى ما بين 35 و37%.

زرعت مصر نحو 3.63 مليون فدان بالقمح في عام 2020، بينما بلغ حجم إنتاج القمح المحلي 8.9 مليون طن العام الماضي لكن هذا الإنتاج لا يُغطي سوى أقل من 50% من الاستهلاك السنوي في البلاد، مما يُجبر مصر على الاعتماد بشدة على الواردات.

ويرجع هذا الاعتماد إلى الطلب المحلي الكبير على الخبز، الذي يُعتبر جزءا لا يتجزأ من غذاء المصريين لمئات السنين.

بحسب موقع ميدل إيست أي حجزت الهيئة العامة للسلع التموينية 180 ألف طن من القمح الروسي المطحون مقابل 332.55 دولارا للطن وفي الأول من نوفمبر.

وهو سعر أغلى بخمسة دولارات مما كانت تدفعه الهيئة لموردي القمح الرئيسيين، روسيا ورومانيا وأوكرانيا، قبل أسبوع واحد فقط كما أن أحدث سعر للطن يُعتبر أغلى بنحو 80 دولارا مما توقعته الحكومة في موازنتها للسنة المالية 2020-2021.

ويقول محللون إن "هذه الفجوة الكبيرة بين المتوقع والواقع تعكس التحديات التي يفرضها تغيّر المناخ على قدرة البلدان على تأمين احتياجاتها الغذائية".

وقال محمد القرش، المتحدث باسم وزارة الزراعة بحكومة الانقلاب لـ"ميدل إيست آي": "تسبب تغيّر المناخ في خسائر فادحة للإنتاج الزراعي، ليس هنا فقط، بل في جميع أنحاء العالم، ويجب أن يتحرك العالم؛ من أجل الحيلولة دون أن تلقي ظاهرة التغيّر المناخي بظلال أكبر على مستقبلنا".

 

من سيء لأسوأ

إذا استوردت مصر هذا العام كمية القمح نفسها التي استوردتها العام الماضي، فسترتفع قيمة فاتورة استيراد القمح بنحو مليار دولار كما ستتفاقم الأضرار المالية على البلاد في حال ارتفع سعر القمح أكثر خلال الأسابيع المقبلة، خاصة مع التوقعات المتشائمة حول الإنتاج العالمي وزيادة الطلب.

حيث تسببت ظاهرة الاحترار العالمي في دمار هائل للإنتاج الزراعي الخاص بالمحاصيل المهمة، مثل المانجو والزيتون كذلك يُهدّد ارتفاع درجات حرارة الأرض بإغراق بعض الأراضي المنخفضة في مصر بالقرب من ساحل البحر المتوسط الشمالي.

وهذا السيناريو قد يعني فقدان مصر أكثر أراضيها الزراعية خصوبة، خاصة في دلتا النيل، وربما يتسبّب في نزوح عدد كبير من سكان الدلتا وقد استشهد بعض الحاضرين في مؤتمر غلاسكو بمصر وهم يدقون نواقيس الخطر بشأن أضرار تغيّر المناخ على المناطق الساحلية.

 

الخبز فيه هلاك السيسي

تدرس حكومة الانقلاب خفض الدعم على الخبز بزيادة سعره على المشتركين في منظومة التموين الوطنية، حيث خصصت الحكومة 3.3 مليار دولار من موازنة 2021-2022 لدعم الخبز، بزيادة نحو 300 مليون دولار عن العام الماضي.

ويتوقع خبراء أن تكون خطوة مثل هذه قد تُؤجج الغضب في الشارع المصري، خاصة مع ارتفاع أسعار السلع الأخرى وبالتحديد المواد الغذائية في مختلف الأسواق المحلية.

ويقول محمود العسقلاني، رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء" غير الحكومية، للموقع البريطاني "ستواجه الحكومة خطرا كبيرا في حال قررت رفع أسعار الخبز ومن المحتمل أن يتسبب الغضب العام حينها في تهديد أمن الدولة".

وقد حذر أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، في حوار مع موقع "عربي بوست" من أن زيادة سعر رغيف الخبز سيتسبب في انفجار اجتماعي، لأنه يمس مصالح الشريحة الأكثر فقرا في المجتمع، وهي شريحة عريضة لم تعُد تحتمل المزيد من الأعباء.

وتضم منظومة التموين أكثر من 88% من سكان مصر، البالغ تعدادهم 102 مليون نسمة وفي حال خفض الدعم، ستكون هذه أول زيادة رسمية على أسعار الخبز منذ عام 1977.

وهناك مخاوف من أن يُؤدي استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية المتوقع، إلى جانب بعض تدابير حكومة الانقلاب أعلاه وانخفاض العرض وارتفاع الطلب، إلى فتح الباب على مصراعيه أمام موجة تضخم جديدة.

إذ كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية هو السبب الرئيسي وراء ارتفاع معدلات التضخم في البلاد خلال الأشهر الماضية، حيث ارتفع معدل التضخم الرئيسي إلى 6.6% خلال شهر سبتمبر/أيلول، وهو أعلى معدل منذ 20 شهرا، مقارنة بـ 5.7% في أغسطس/آب، وفقا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

 

الخبز وخط الفقر

بإعطاء عبد الفتاح السيسي، الضوء الأخضر لرفع سعر رغيف الخبز المدعم، والحديث المسرب عن رفعه بنسبة 300% من 5 قروش إلى 20 قرشا، سوف يرتفع عدد من يلقي بهم النظام تحت خط الفقر بنسبة 5% بحسب خبراء الاقتصاد.

نسبة المصريين تحت خط الفقر بلغت وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يوليو 2018 إلى 32.5% مقارنة بـ 27.5% في 2015.

ورغم حديث وزارة تخطيط الانقلاب عن تقلص النسبة إلى قرابة 30% (29,7%) في عام 2020، يُنتظر أن تقفز النسبة إلى ما بين 35 و37%.

مقابل هذا سيظل المنقلب السيسي ينعم باللعب بعجلته التي يصل سعرها إلى 40 ألف جنيه بما يعادل 200 ألف رغيف، ويستمر بناء القصور الرئاسية الجيدة في العاصمة الإدارية والعلمين دون أن يسأله أحد كم فرن عيش يمكن بناؤه بأموال هذه القصور والمنتجعات الفاخرة؟.

 

تهديد بالفقر

وقد حذرت مستشارة رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء هبة الليثي، من أن رفع أسعار الخبز يهدد ما بين 4-5% من المصريين بالسقوط تحت خط الفقر، بعد أن كان يحميهم دعم الخبز فقط، والذي يُشكل جزءا من الاحتياجات الأساسية وعلى رأسها الطعام، وهي النسبة نفسها التي ذكر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أنها حُميت من الفقر بفضل الدعم الغذائي.

وقالت في تصريحات لموقع مدي مصر إن "بند الطعام يبتلع نصف إجمالي نفقات الأسرة المصرية الواقعة في الشريحة العشرية الأقل في الدخل 30 ألف جنيه سنويا للأسرة وذلك بحسب بيانات بحث الدخل والإنفاق لعام 2017-2018.

وبافتراض أن الحكومة ستُزيد سعر الخبز خمسة قروش فقط، ليصبح سعر الرغيف عشرة قروش، فإن الإنفاق على بند الطعام سيرتفع بنسبة 2.5% عند الـ 10% اﻷقل دخلا من المصريين، والتي يبلغ نصيب الفرد من الدخل فيها 595 جنيها شهريا، يُنفق نصفها على الطعام، أي ما قيمته 45.8 جنيه، ستصبح 53.3 جنيه كتكلفة على الفرد بعد الزيادة المُفترضة، وتزيد للضعف لو ارتفع إلى 20 قرشا لما يروجه اتحاد الغرف التجارية الموالي للسيسي.

وتنتج مصر، المستهلك الأكبر للقمح عالميا، حوالي 121 مليار رغيف مدعوم سنويا، يستفيد منها 67 مليون مواطن يحصل كل منهم على خمسة أرغفة يوميا، بإجمالي مخصصات دعم للخبز تبلغ حوالي 45 مليار جنيه، وفقا للبيان المالي لموازنة العام الحالي 2020/2021.

ولم يستطع رؤساء مصر على مر العقود مجرد الاقتراب من ملف زيادة أسعار الخبز. ويرجع السبب في ذلك إلى مدى حيوية سلعة الخبز للشعب المصري الذي يُطلِق عليه "عيش" ككلمة مشتقة من العيش أو المعيشة، وهي تعكس أن الخبز يمثل "الحياة" للمصريين.

وانتفض المصريون عام 1977 ضد رفع سعر الخبز في ما يُعرف بـ"انتفاضة الخبز"، إذ اندلعت اشتباكات عنيفة بين المواطنين وقوات الشرطة، وأضرم المحتجون وقتها النيران في عديد من المرافق ومراكز الشرطة، وراح ضحية الأحداث عشرات القتلى، وآلاف من المصابين والمعتقلين.

وتجنبا لـ"انتفاضة خبز" جديدة، أقدم نظام الانقلاب في أغسطس من العام الماضي على خطوة تخفيض وزن رغيف الخبز بدلا من رفع سعره، إذ خُفِّض وزن الرغيف الواحد من 110 جرامات ليصل إلى 90 جراما، وكان هذا القرار وقتها كفيلا بإثارة جدل واسع في الشارع المصري.