تعاني الزراعة المصرية، كغيرها من المجالات الأخرى، من مشكلات كبيرة منذ سنوات؛ فمن ناحية تواجه الزراعة عجزا في المخصصات المائية، بسبب سد النهضة الإثيوبي ومنعه كميات كبيرة من الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل، ومن ناحية أخرى تواجه ارتفاع أسعار تكلفة الإنتاج خاصة الأسمدة التي زادت أسعارها بنسبة تتجاوز أكثر من 500% في الفترة الآخيرة، بالإضافة إلى بلطجة الجمعيات الزراعية وفساد المحليات واتجاه حكومة الانقلاب لاستنزاف الفلاحين ومص دمائهم، من خلال إلزامهم بتوريد المحاصيل بأسعار لا تغطي تكلفة الإنتاج، وفرض رسوم وضرائب لا تنتهي، والتحالف مع شركات الأسمدة ضد المزارعين.
في هذا السياق يبدو أن السفاح السيسي يريد حرمان الفقراء حتى من بدائل اللحوم من البروتين النباتي مثل العدس، وهي الأكلة المفضلة لدى المصريين في فصل الشتاء، حيث انهارت زراعة المحصول وتراجعت المساحات المزروعة به، بسبب وجود مشكلات تسويقية تواجه مزارعي العدس، وانخفاض العائد من المحصول مقابل تكلفة الإنتاج والاستيراد العشوائي من الخارج، مما دفع الفلاحين إلى العزوف عن زراعته.
تكلفة الإنتاج
حول هذه الأزمة قال الدكتور علاء خليل مدير معهد المحاصيل الحقلية إن "هناك معوقات أدت إلى تراجع المساحة المنزرعة بمحصول العدس منها محدودية المساحة في الوادي والدلتا، وهذا يؤدي إلى المنافسة الشديدة مع المحاصيل الشتوية الأخرى، مثل القمح والبرسيم والبنجر ومحاصيل الخضر والمحاصيل الطبية العطرية والفول البلدي، مشيرا إلى أن للعدس أهمية كبيرة كباقي المحاصيل البقولية في زيادة خصوبة التربة واستفادة المحصول اللاحق من الأزوت الموجود في التربة، ومن مميزات العدس بالنسبة للمزارع أن احتياجاته المائية والسمادية قليلة".
وأضاف خليل في تصريحات صحفية أن التراجع في مساحات زراعة العدس يعود أيضا إلى ضعف مقاومة العدس للحشائش، وعدم توفر المبيدات الأمنة والفعالة المتخصصة التي يمكن استخدامها لمكافحة الحشائش، مما أدى إلى زيادة العمالة اليدوية لنقاوة الحشائش، ومع ارتفاع أجور العمال زادت تكاليف إنتاج العدس مما جعل المزارعيين يعزفون عن زراعته.
وأشار إلى وجود مشكلات تسويقية تواجه مزارعي العدس، مما يستدعي وجود منظومة وآليات خاصة تشجع على زراعة المحصول، ومن ضمن هذه الآليات وجود سعر مناسب وثابت، مع تقنين استيراد العدس من الخارج.
وكشف خليل عن عدم وجود مصانع حديثة لجرش العدس مما يؤدي إلى زيادة نسبة الفاقد عند الجرش بجانب تغير النمط الاستهلاكي حيث بدأ يقل استهلاك العدس على المائدة المصرية.
وحول آليات زيادة المساحة والنهوض بإنتاجية المحصول، أكد أن ذلك يتم من خلال التوسع الأفقي عن طريق زيادة المساحة المنزرعة بدون استقطاع مساحات من المحاصيل الشتوية الأخرى، مشددا على أن زيادة المساحة المنزرعة بمحصول العدس في مصر أصبحت ضرورة ملحة لإيقاف الاستيراد من الخارج .
وطالب خليل بضرورة التوسع في زراعة العدس في الأراضي الجديدة والأراضي المطرية بالساحل الشمالي، لما له من دور كبير في تثبيت الأزوت الجوي كمحصول بقولي وبالتالي يزيد من إنتاجية وخصوبة التربة، وكذلك أهمية التوسع في زراعة العدس بين أشجار الفاكهة حديثة النمو، خاصة في الأراضي الجديدة بالنوبارية.
سياسات تسويقية
وكشف الدكتور أشرف كمال أستاذ الاقتصاد الزراعي، أن أهم المعوقات التي تقابل هذا المحصول، تتمثل في عدم وجود سياسات تسويقية بالنسبة له ، موضحا أن اعتماد مصر على استيراد أكثر من 98 ٪ من العدس يجعله أقل المحاصيل الحقلية .
وقال كمال في تصريحات صحفية إن "تشجيع زراعة العدس والعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي منه يتطلب اتباع سياسات تسويقية فعالة، بحيث يتم التعامل من خلال آليات الزراعة التعاقدية والتعاقد المسبق مع المزارع وإعلان سعر ضمان مجز للفلاح قبل موسم الزراعة بفترة مناسبة، وبذلك تستطيع توفير العملة الصعبة التي تضيع في استيراد العدس من الخارج".
وطالب بضرورة التوسع في زراعة العدس في الأراضي الجديدة والتوصل لحلول لجذب المزارع لزراعته، مع العمل على إنتاج تقاوي مضمونة من خلال إلزام الشركات المتخصصة بإنتاجها قبل موسم الزراعة وتفعيل دور الإرشاد الزراعي لتوعية الفلاح بأهمية هذا المحصول.
تقاوي معتمدة
وقال الدكتور علاء عزمي رئيس قسم بحوث البقوليات والفول البلدي بمعهد بحوث المحاصيل، إن برنامج التربية لمحصول العدس يعتمد بنسبة كبيرة على إستجلاب الأصناف والطرز الوراثية من الخارج (خاصة إيكاردا) حيث يتم تقييمها واختيار أفضلها تأقلما مع الظروف البيئية المصرية المختلفة من الوجه البحري إلى الوجه القبلي، ثم الانتخاب داخلها وإكثارها وتوزيعها كأصناف جديدة".
وأشار عزمي في تصريحات صحفية إلى أنه تم استنباط أصناف عالية الإنتاجية (جيزة 51، جيزة 4) وأصناف مقاومة لمرض الذبول وعفن الجذور (جيزة 51، جيزة 4، سيناء)، فضلا عن استنباط أصناف مبكرة النضج (سيناء 1) ويصلح للزراعة في الأراضي المطرية في شمال سيناء والساحل الشمالي وكذلك بالأراضي الجديدة بمنطقة النوبارية وكذلك في التكثيف المحصولي وإدخاله في الزراعة في دورة القطن.
وطالب عند رسم السياسة الصنفية تنفيذ برنامج إرشادي في الأراضي القديمة والجديدة، لتعريف المزارعين بالأصناف الجديدة المقاومة للأمراض والحشرات وذات المحصول العالي، مشددا على ضرورة تنفيذ خطة جيدة لإنتاج التقاوي المعتمدة للأصناف الجديدة بالتنسيق مع الإدارة المركزية لإنتاج التقاوي، تحسبا لأي زيادة في المساحة وعمل حقل سلالات لجميع الأصناف المسجلة للانتخاب منها وتحسين الصنف والمحافظة عليه داخل حقل إنتاج تقاوي الأساس.
ندوات إرشادية
وشددت الدكتورة ليلى حماد الشناوي رئيس بحوث متفرغ بمعهد بحوث الإرشاد، على ضرورة عمل ندوات إرشادية للمزارعين، لتوعيتهم وتعريفهم بالمستجدات في طريق الزراعة الحديثة لمحصول العدس، منذ الزراعة حتى الحصاد.
وقالت د. ليلى حماد في تصريحات صحفية "يمكن توزيع بعض النشرات الإرشادية التي تتضمن شرحا مفصلا لأهمية المحصول، وكيفية الزراعة وكل ما هو حديث له، حتى يتم جذب المزارعين وتشجيعهم على زراعة محصول العدس".