اللواء والقاضي والوزير الذين تتجاوز رواتبهم الملايين.. هل تشغلهم هموم المصريين؟

- ‎فيتقارير

القضاء والجيش والشرطة ثلاث فئات، تسببت ثورة يناير في رفع دخولهم إلى حد فاق أكثر الأحلام وردية، في حين ظل باقي فئات الشعب على حالها، بل زادها الانقلاب العسكري في 30 يونيو فقرا على فقرها.

وكان انقلاب 30 يونيو 2013 سببا في حصول الجيش والشرطة والقضاء على الكثير من الامتيازات، وارتفاع وتيرة الامتيازات والمكاسب كثيرة للمؤسسة العسكرية بشكل خاص، خلال سنوات السفاح السيسي، حيث تنوعت هذه الامتيازات ما بين زيادة رواتب ضباط الجيش، وتوسيع نطاق النفوذ الاقتصادية لهذه المؤسسة وغيرها من الامتيازات.

وبحسب مراقبين، فإن امتيازات السفاح السيسي المتكررة لفئات معينة من الشعب دون أخرى، تتناقض بشكل كبير مع تصريحاته المتكررة بشأن ضرورة أن يتقشف الشعب من أجل بناء مصر.

 

الحلف بالكذب 

"دي مصيبة سودة، الراجل مش حاسس بينا خالص، عمال يزود الجيش والشرطة والقضاة والرجالة بتوعه، وإحنا بيزود علينا أسعار السكر والزيت"، هكذا تمتم رجل خمسيني بمفرده يتصفّح حسابه على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، متوجها بالقول لأحد مرتادي المقهى الذي يرتاده بالقاهرة.

وأحدثت تسريبات كشف عنها اليوتيوبر والإعلامي عبد الله الشريف، زلزالا عنيفا في أوساط المصريين حول رشاوى ضخمة يتلقاها عدد من مستشاري السفاح السيسي. ورغم أن داخلية الانقلاب سارعت إلى الزعم بأن التسريبات مفبركة، وأن تشكيلا عصابيا كان السبب في بث تلك التسريبات؛ إلا أن محتوى التسريبات يعرفه المصريون جيدا ويتمثل في فساد النخبة وحصولهم على رشاوى لـ"التخليص" في كافة المجالات داخل مصر. 

وخلال افتتاحه مشروع محطات كهرباء في عام 2018، حث السفاح السيسي الشعب على تناول وجبة واحدة يوميا، قائلا إن "قيادة دولة تضم مئة مليون مواطن أمر لا يُحل بالأكل والشرب".

وكعادته، أضاف حالفا "قسما بالله لو كان الموضوع وجبة واحدة في اليوم لبناء أمة، لأقعد بقية عمري كله آكل وجبة واحدة"؛ كما طالب المصريين بالصبر قائلا "وسترون عجب العجاب".

وفسر المتحدث باسم عصابة الانقلاب بسام راضي ما قاله السفاح السيسي بشأن الوجبة الواحدة، بأن "ذلك يأتي في إطار تصريحات الرئيس الدائمة عن أهمية التضحية من أجل الوطن، ما فيش حاجة ببلاش".

وفي أكتوبر 2016 أقسم السفاح السيسي أيضا، على هامش المؤتمر الوطني الأول للشباب بشرم الشيخ، بأنه قضى عشرة أعوام ليس في ثلاجته سوى الماء دون شكوى، فقال "والله العظيم قعدت عشر سنين ثلاجتي كان فيها ميه بس، ومحدش سمع صوتي".

ومقابل دعوات السفاح السيسي للتقشف، أظهرت نتائج المسح القومي للأمراض غير السارية، أن 90% من المصريين لا يحصلون على الوجبة الغذائية السليمة.

وبحسب ما أوضحت مؤشرات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي)، فإن نسبة الأسر التي تعيش تحت خط الفقر تبلغ 27.8% من إجمالي عدد سكان مصر، وينفق المصريون نحو 40% من دخولهم السنوية على الطعام والشراب.

ولكن هذه النسبة زادت حيث صرّح وزير التنمية المحلية في حكومة الانقلاب هشام الشرف أن عدد المصريين الذين هبطوا إلى ما تحت خط الفقر المدقع تخطوا حاجز 40%، نتيجة تحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر 2016.

 

الصبر شوية

وتتواصل ازدواجية السفاح السيسي في تعامله مع شعب مصر وشعبه من العسكريين والوزراء والقضاة وأعضاء البرلمان، ففي الوقت الذي يخدع فيه الفقراء بأقوال مثل: "الصبر شوية"، و"منين أجيبلكم"، و"إحنا فقرا أوي"، يقوم بإغداق الأموال على معاونيه ومسئوليه.

وتتوالى المؤشرات التي تؤكد أن الفترة القادمة في مصر ستكون أكثر فقرا وقمعا واستبدادا من سابقتها؛ حيث ستواصل الديكتاتورية العسكرية نهجها القمعي وسياساتها الفاشلة بكل المجالات دون هوادة.

ففي الوقت الذي تم فيه التضييق على الفقراء، قرر برلمان الانقلاب رفع الراتب الأساسي لوزراء حكومة الانقلاب إلى 42 ألف جنيه بدلا من 32، ورفع رواتب السفراء دون إعلان حجم الزيادة، تلك الزيادة التي اعتبرها إعلام العسكر بسيطة بالنسبة لجهودهم.

من جانبه كشف الدكتور عماد مهنا، رئيس اللجنة المركزية لمجلس علماء مصر، الذي تقدم باستقالته في وقت سابق، عن أن رواتب بعض الوزراء في مصر فعليا تصل إلى 3 ملايين جنيه، وفقا لتصريحات محافظ البنك المركزي، موزعة ما بين الراتب والمكافآت الخاصة وبدلات السفر والإقامة، بالإضافة إلى أطقم الحراسة ومواكب الوزراء وقوة الحراسة والسيارات التي تخصص لأسرهم بزعم حمايتهم من الإرهاب.

وأيضا تشهد المؤسسة العسكرية منذ الانقلاب العسكري، وفرة في الامتيازات لا حصر لها، وتأتي الامتيازات المادية في الرواتب في مقدمتها، من أجل كسب رضا ضباط الجيش والصف لتنفيذ أوامر الجنرالات وقادة الانقلاب العسكري.

وتظل رواتب الجيش في مصر أشبه بالسر الحربي، والميزانية العسكرية للجيش سرية تحت ذريعة كونها تهديدا للأمن القومي، ولكن مع مطالبة الجيش الشعب بالتقشف، فسيكون من الإنصاف أن يتسم الجيش بالشفافية حول أموال أفراده.

تأتي زيادة رواتب مسئولي الانقلاب، في ظل فرض مزيد من الضرائب على المصريين، ورفع الدعم عن الخبز والوقود، ويواصل فيه اقتراض مليارات الدولارات والجنيهات من الداخل والخارج، بدعوى وجود عجز في الموازنة العامة للدولة.

من جهته، قال الباحث السياسي محمد عز، في تصريحات صحفية، إن "هناك خطابا مزدوجا لدى النظام الحالي وعلى رأسه السيسي، فالخطاب الأول يتوجه به إلى الشعب المصري، وهو تصدير الأزمات وضرورة تحمل الصعاب والمرحلة الصعبة، مع إطلاق وعود بتحسن الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات المقبلة، أما الخطاب الثاني فعبارة عن أفعال من خلال زيادة رواتب وأجور فئات معينة في الدولة، وهو ما يتنافى تماما مع أحاديث الفقر وسوء الأوضاع في الدولة".