تحصن بالجيش في أزمة تسمم مئات التلاميذ.. قراءة في ردود “شوقي” على برلمان الانقلاب

- ‎فيتقارير

الملاحظة الأهم في ردود وزير التعليم بحكومة الانقلاب طارق شوقي خلال جلسة مجلس نواب العسكر الثلاثاء 28 ديسمبر 2021م، أنه تجاهل تماما أهم المشاكل التي تعاني منها منظومة التعليم المصري، وهي أزمة المعلمين من حيث ضعف الأجور والمرتبات. وأزمة تفشي الدروس الخصوصية التي تستنزف ملايين الأسر التي تنفق عشرات المليارات سنويا من أجل تعليم أولادهم في ظل التدهور الحاد في مستوى الخدمات التعليمية بالمدارس الحكومية. وأزمة الكوادر غير المدربة للمناهج الجديدة التي يتباهى بها شوقي. وكذلك فشل تجربة التابلت بعدما حملة دعائية ضخمة ثبت أنها أكذوبة كبرى بلا مردود حقيقي.

الملاحظة الثانية، كانت تتعلق بمسئولية  الوزارة عن تسمم مئات التلاميذ بسبب الوجبات  المدرسية الفاسدة، حيث تبرأ  الوزير من كل هذه التهم محتميا بالجيش. لكنه في ذات الوقت وضع البرلمان في ورطة كبرى؛ عندما ذكرهم بأن "جهاز مشروعات الخدمة الوطنية (تابع للجيش)، هو المسؤول عن توريد الوجبات المدرسية. يقول الوزير: «وقائع تسمم التلاميذ في المدارس انتشرت عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن أتلقى تقارير رسمية عنها"، مستطرداً بأن "وزارة التعليم راضية عن أداء جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بوصفه مسؤولاً عن تسليم 12 مليون وجبة لتلاميذ المدارس يومياً».

أرد الوزير بهذه الإجابة ضرب عدة عصافير بحجر واحد؛ فهو أولا ينفي مسئولية الوزارة عن أي حالات تسمم إن وجدت من قبل أو تلك التي يمكن أن تحدث مستقبلا، وفي ذات الوقت تحصن بالمؤسسة العسكرية واحتمى بها؛ وإذا أراد المجلس أن يوجه المسئولية لأحد فعليه ــ إذا كان جادا ــ أن يوجه المسئولية للمؤسسة العسكرية شركاتها التي تقوم بتوريد الوجبات الغذائية للمدارس؛ ذلك أن الوزارة بحسب ردود الوزير هي جهة تلقي الخدمة وليست مقدمة الخدمة وبالتالي فالمسئولية لا تقع عليها. لكنه نفى من الأساس وجود أي حالات تسمم بين التلاميذ ليبرئ أيضا المؤسسة العسكرية من هذه التهمة بعدما تبرأ هو منها ونفى مسئولية الوزارة عنها.

الملاحظة الثالثة أن الوزير استمر في إهانة المجلس، حيث أهانه من قبل بتجاهل استدعائه مرات عدة خلال الشهور الماضية في ظل الحماية التي يسبغها الجنرال عبدالفتاح السيسي، رئيس الانقلاب، للوزير الذي يحظى بمكانة رفيعه عند الجنرال. وفي ردوده أهان الوزير المجلس من جديد؛ حيث اتهم المجلس ونوابه الغاضبين بسبب أزمة تسمم التلاميذ بأنهم يروجون الشائعات التي تتنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نافيا أنه تسلم أي تقرير من الوزارة عن هذه الحالات. يضيف الوزير مخاطبا المجلس: «إذا كانت لديكم معلومات موثقة عن تسمم التلاميذ فقدموها إلى الوزارة، ونحن بدورنا سوف نسأل الأجهزة المعنية عن مدى صحتها، وفي مقدمتها جهاز الأمن الوطني بوزارة الداخلية، وهيئة الرقابة الإدارية. وزارة التعليم هي الزبون الذي يحصل على الخدمة، وليست مقدم الخدمة، وبالتالي هي غير مسؤولة عنها.

وتمادى الوزير في إهانة البرلمان عندما قاطعه بعض نواب الانقلاب؛ حيث وبخهم بقوله :«لن أقبل بهذه المقاطعات، أو أدخل في هذه اللعبة"، ليتدخل رئيس برلمان العسكر حنفي جبالي للمطالبة بحذف كلمة "لعبة"، ودعوة الأعضاء إلى التزام الهدوء، وعدم مقاطعة الوزير أثناء حديثه.

الملاحظة الرابعة، أنه رغم الأزمات الكبرى التي يعاني منها قطاع التعليم لكن البرلمان كان هشا وضعيفا أمام الوزير الذي راح يتباهي أمام المجلس بأن «مصر كانت تحتل المركز قبل الأخير عالمياً في مؤشر جودة التعليم عام 2016، وارتفع ترتيبها خلال السنوات الماضية رغم العجز عن بناء ما يزيد على 94 ألف فصل، كما أن عدد التلاميذ في مراحل التعليم الأساسي ارتفع بمقدار 5 ملايين، ولدينا مشكلات أخرى غير نقص المخصصات المالية، ومنها أن الوزارة لا تجد أراضي لبناء المدارس الجديدة، ما يضطرها إلى الدخول في نزاع حول الملكية، ونصرف على الطالب نحو 4 آلاف جنيه سنوياً (255 دولاراً)، مقابل 20 ألف يورو في فنلندا، التي تأتي ضمن المراكز الخمسة الأولى في جودة التعليم».

لكن الوزير يتجاهل حقيقة أن هذا التقدم في ترتيب مصر إن وجد إنما حدث لأسباب شكلية أرضت المؤسسات الدولية التي تقوم على هذه التصنيفات دون معالجة جوهر المشاكل والأزمات التي يعاني منها التعليم المصري وعلى رأسها وضع المعلم ومرتبه الضعيف الذي يكفيه ما يضطره إلى فرض الدورس الخصوصية على التلاميذ ما يستنزف الأسرة المصرية؛ حيث ينفق المصريون عشرات المليارات سنويا على هذه الدروس الخصوصية في ظل تردي الخدمة التعليمية في المدارس.

الملاحظة الخامسة، كانت حول أزمة تعيين المعلمين الذين تحتاج إليهم الوزارة بدلا من سد العجز بنظام التطوع أو التعاقد بالحصة، أشار الوزير إلى عدم قدرة الوزارة على تعيين 36 ألف معلم بدعوى عدم وجود مخصصات مالية وعدم وجود تعيينات من الأساس في الجهاز الإداري للدولة في الوقت الراهن موضحا أن العجز في وزارة التعليم يصل إلى 323 ألف معلم، ولذلك فإن تعديل القانون هو الحل، لأن الوزارة بحاجة إلى معلمين بدلاً من اتباعها نظام التعاقد لمدة ثلاثة أشهر".

الملاحظة السادسة، كانت حول صعوبة المناهج، يرى شوقي أن المناهج القديمة كانت جريمة في حق الأجيال السابقة، حيث كان يتم تسهيل عمليات نجاحهم دون أن يتعلموا بشكل حقيقي حسب تصريحات الوزير. مدعيا أن الوزارة تحاول حاليا تقديم المنهج نفسه الذي يحصل عليه أقرانهم في مختلف دول العالم، موضحا أن مناهج الصف الرابع الابتدائي أكاديمياً هي أفضل ما أنتجته الوزارة بشهادة المؤسسات الدولية، وليس صحيحاً أن الوزارة بدأت التطوير من الصف الرابع، والذي تكمن مشكلته في مادتين فقط، هما العلوم والرياضيات، كونهما أطول مقارنة ببقية المواد الأخرى. حسب تصريحات الوزير.

وشنّ أعضاء في مجلس نواب العسكر هجوماً حاداً على الوزير، خلال استعراض طلبات إحاطة وأسئلة عن تردّي المنظومة التعليمية، متّهمين الوزير بمخالفة مواد الدستور المتعلقة بمجانية التعليم، جراء ربطه تسليم الكتاب المدرسي للتلاميذ بدفع المصروفات، فضلاً عن إهدار المال العام إثر فشل منظومة "التابلت" في الثانوية العامة، والتعامل مع التعليم كـ"سلعة" تجلب الأموال لخزانة الوزارة. مؤكدين أن "طريقة تعامل الوزير مع منظومة التعليم يشوبها الفشل في التخطيط، والعجز الحقيقي في أعداد المعلمين، وأن "تطوير منظومة التعليم هي مسألة داخل عقل الوزير فقط، ولا أحد من مساعديه يعلم شيئاً عن تفاصيلها". كما اتهموا الوزارة بإهدار 9.4 مليارات دولار على منظومة التابلت وتطوير الشبكات من دون أي مردود، وفي الوقت نفسه ترفض الوزارة تعيين 36 ألف معلم بحجة أنهم يحتاجون إلى مليار جنيه كرواتب في العام". وتساءل نواب: كيف يمكن الحديث عن تطوير التعليم والتكدس في الفصول يصل إلى 90 تلميذا والبنية التحتية منهارة تماما؟ بينما أشار آخرون إلى أن المناهج الجديدة من الصف الأول الابتدائي حتى الصف الرابع تخلو تماما من أي حديث أو أية قرآنية في برهان على أن عمليات التطوير ما هي إلا لافتة للتغطية على أكبر عملية تلاعب بالهوية الإسلامية لمصر وأجيالها القادمة.