لا يختلف أحد على خطورة تعاطي المخدرات وتأثيراتها السلبية على المجتمع، وهي محرمة شرعا وقانونا ، إلا أن ما تشهده مصر في ظل حملة سلطة الانقلاب المزيفة على متعاطي المخدرات من الموظفين والعاملين في دولاب العمل الحكومي، يكشف نوايا السيسي الخبيثة، وإلا كان وسّع حملته على التجار وجميع المتعاطين في خارج الوظائف الحكومية.
ووفق شهادات للعديد من الموظفين، نشطت مؤخرا لجان الكشف والتحليل لمتعاطي المخدرات بين الموظفين تطبيقا للقانون رقم 73 لسنة 2021 والذي ينص على إنهاء وظيفة متعاطي المخدرات، وهو القانون الذي بدأ تطبيقه منتصف ديسمبر الجاري.
وتلاحق اللجان التابعة لوزارة الصحة بحكومة الانقلاب الموظفين في أثناء أخذ عينة البول، في دورات المياه لضمان التاكد من أخذ العينة من الموظف ذاته، وهو ما يسبب حرجا للبعض ، فيما تُظهر العينات إيجابية التعاطي لبعض الموظفين رغم تاكيداتهم عدم التدخين أو التعاطي من الأساس، إذ أن المسكنات وأدوية العظام تظهر في التحاليل كأنها مواد مخدرة، وهو ما يُدخل الموظف في متاهات الطب الشرعي والتحاليل الأخرى بوزارة الصحة، وفي حال عدم القدرة على إثبات عكس النتيحة الأولية، يجري الخصم من الموظف وينذر بالفصل، وهو مايثير التوترات بين الموظفين في الدواوين الحكومية حاليا.
ويحق للموظف اللجوء إلى مصلحة الطب الشرعي طلبا لفحص العينة محل الخلاف على نفقته الخاصة، أو يمكن طلب توقيع الكشف الطبي عليه بذات اليوم الحاصل فيه التحليل.
وتلتزم الجهات المختصة أو مصلحة الطب الشرعي بإخطار جهة العمل بالنتيجة النهائية للتحليل، فإذا تأكدت إيجابية العينة، يتم إنهاء خدمة العامل، وتحدد اللائحة التنفيذية القواعد والإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه المادة، وحقوق العامل خلال فترة الإيقاف، وبعد إنهاء خدمته.
وتتشكل اللجنة من ممثل لصندوق مكافحة الإدمان، وممثل للأمانة العامة للصحة النفسية، وممثل لمصلحة الطب الشرعي، وممثل للجهة التي يتم فيها إجراء التحليل.
وتحفظ اللجنة خصوصية الموظف، مع ضمان التأكد من نسبة العينة إليه، ثم تقوم بإجراء التحليل المبدئي والكشف الاستدلالي أمام الشخص بنفسه عبر شرائط الكشف السريع خلال ربع ساعة.
إيجابية العينة
وحال ثبوت إيجابية النتيجة، يتم تحرير محضر إثبات حالة، وتُؤخذ العينة إلى المستشفى التابع له فريق التحليل، ليجري إجراء تحليل تأكيدي يستغرق بين 3 إلى 7 أيام عن طريق أجهزة طبية متخصصة.
وعقب التيقن من النتيجة، يتم إبلاغ صندوق مكافحة الإدمان بنتيجة التحليل، والذي بدوره يبلغ الجهات التابع لها الموظف، لاتخاذ اللازم.
وأثار القانون الجدل منذ البدء في مناقشته عام 2019، واعتبر مراقبون القانون قاسيا بحق أسر الموظفين الذين سيتضررون بوقف مصدر رزق عائلة المتعاطي، ما يمكن أن يفاقم الأزمة ولا يحلها.
إملاءات صندوق النقد الدولي
وربط متابعون بين هذه الإجراءات وتصريحات رسمية سابقة، تعلن استهداف خفض أعداد الموظفين بمصر إلى مليوني موظف فقط، نزولا من 7 ملايين عند استيلاء السيسي على السلطة عام 2014، استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي، باعتبار أن هذه الإجراءات تستهدف تصيد الموظفين المتعاطين لفصلهم، تحقيقا لخطة التخلص من ملايين الموظفين.
ويعزو مراقبون أيضا الإسراع في تطبيق القانون أنه ليس للسلامة المجتمعية والأخلاق، بقدر ارتباطه باشتراطات صندوق النقد الدولي، الذي يطالب مصر بتقليص الإنفاق الحكومي وتقليص أعداد الموظفين العموميين، إذ أن الكثير من ضباط الداخلية والجيش متهمون بتسهيل عمل عصابات المخدرات، كما أثبتته وثائق نشرها "عربي 21" عن دولاب مخدرات الأميرية، الذي يديره تشكيل عصابي، يقوم بإعطاء رواتب شهرية ومكافآت مالية لأكثر من 40 ضابطا وأمين شرطة بقسمي شرطة الأميرية والمطرية بالقاهرة.
كما التقى المنقلب السفيه السيسي ونجله محمود بقصر الاتحادية بعناصر سيناوية متهمة بأنها من أكبر مُهرّبي الهيرويين والمخدرات لمصر.
بل إن رفض مجلس النواب الانقلابي مقترحا من أحد أعضائه بإضافة الخمور في قانون شغل الوظائف العامة الذي تنص المادة الثانية منه على أنه "يشترط للتعيين أو الاستمرار في وظائف الدولة ثبوت عدم تعاطي المخدرات"، وهو ما يمثل قمة اللا أخلاقية وعدم اعتماد منهج أخلاقي يحافظ على سلامة المجتمع المصري، بقدر تصفية الموظفين وتقليص أعدادهم، وفق وسائل عديدة منها الأخونة ومنها المخدرات وغيرها من وسائل النظام العسكري، الذي لا يراعي ظروف الغلابة وصغار الموظفين وهمومهم الاقتصادية والاجتماعية التي أوصلتهم لتعاطي المخدرات، هربا من كم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والحياتية.
ويفاقم تطبيق القانون معدلات الفقر بالمجتمع ، لما يضيفه من أعداد العاطلين عن العمل إلى صفوف البطالة، ما يحولهم إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة في وجه المجتمع.
أرقام التعاطي
ونشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء تقريرا عن جهود الدولة في مكافحة الإدمان خلال الفترة من 2014 إلى 2021، وذلك بالتزامن مع إصدار قانون فصل الموظف المتعاطي.
وأوضح التقرير دوافع الإدمان وأضراره، لافتا إلى إطلاق مبادرة "قرارك" الرامية إلى توعية العاملين بالمؤسسات والمصالح الحكومية بأضرار المخدرات، والتي شملت 500 ألف موظف منذ إطلاقها حتى الآن.
وأكد التقرير انخفاض نسبة تعاطي المواد المخدرة إلى 5.9% عام 2021 مقارنة بنحو 10.2% عام 2014، كما انخفضت نسبة الإدمان لـ 2.4% عام 2021 مقارنة بنحو 3.4% عام 2014.
وذكر التقرير أن المتوسط السنوي لعدد مرضى الإدمان الذين تم تقديم العلاج لهم بلغ 101 ألف مريض، مع زيادة عدد مراكز علاج وتأهيل مرضى الإدمان بنسبة 133.3%، في حين وصل عدد المرضى المترددين على المراكز العلاجية لطلب العلاج والمتابعة من خلال الخط الساخن لعلاج الإدمان، إلى 116.517 مريضا خلال 10 أشهر بين عامي 2020 -2021.
ورصد التقرير المحافظات الأعلى من حيث عدد المتصلين بالخط الساخن لمكافحة الإدمان، وهي القاهرة بنسبة 33.68%، والجيزة بنسبة 12.33%، والإسكندرية بنسبة 9.22%.
وأوضح التقرير أن 45% من الحالات بدأت التعاطي في سن (15 – 20) سنة، و34% بدأت في سن (20 – 30) سنة، و14% من الحالات بدأت وعمر أفرادها أقل من 15 سنة، بينما أشار إلى أن 56% منهم لا يعملون، و نسبة 44% الباقية يعملون بالقطاعين الخاص والحكومي.
وأوضح التقرير أنه تم الكشف عن 448 ألف عامل بالمحافظات، بينما تلقى الخط الساخن 9329 اتصالا هاتفيا من الموظفين للعلاج من الإدمان، وذلك تزامنا مع إصدار قانون فصل الموظف المتعاطي، لافتا إلى أن نسبة التعاطي بين الموظفين انخفضت لـ1.7% عام 2021 بدلا من 8% عام 2014.