هل فشل السيسي في إخضاع المخابرات بعد عودة التسريبات لذلك لجأ لإسرائيل؟

- ‎فيتقارير

كان ملفتا في فضيحة التنصت التي قامت بها عدة أجهزة أمنية مصرية على المعارضين والصحفيين، والتي كشفتها مجموعة أبحاث مراقبة أمن الإنترنت الكندية "سيتزن لاب" 16 ديسمبر 2021، استخدام "برنامجي تجسس منفصلين".

البرنامجان اللذان تصنتا على هاتف أيمن نور، وآخرين، في وقت واحد اشتراهما أكثر من جهاز أمن مصري، ومن شركات فرنسية وإسرائيلية.

هذا التضارب في قيام أكثر من جهاز أمن بالتجسس على المعارضين، فسره مصدر قريب من نظام السيسي لموقع "الاستقلال" الذي يهتم برصد الربيع العربي، على أنه مؤشر على رغبة كل جهاز في العمل منفردا، وعدم كشف أسراره للآخرين.

أوضح أنه بعد أن كانت المخابرات العامة هي المخولة فقط بشراء أجهزة تجسس بحكم طبيعة عملها، خوّل نظام عبد الفتاح السيسي ثلاثة أجهزة أخرى وهي المخابرات الحربية وأمن الدولة والرقابة الإدارية مهمة التجسس على المصريين.

فعل هذا، لضمان السيطرة، وعدم ثقته في المخابرات العامة، التي سربت بعض محادثات هاتفية من مكتبه خلال توليه وزارة الدفاع.

ذكر أن كل جهاز أصبح يشتري الآن أجهزة تجسس خاصة به بعيدا عن الأجهزة الأخرى، بدعوى السرية، بيد أن الهدف هو التصنت على غيره من الأجهزة أيضا، ضمن صراعهم الدائر منذ انقلاب 2013 بغية تقسيم النفوذ والامتيازات.

وقبل كشف فضيحة "سيتيزن لاب" بأسبوع تم كشف فضيحة تسريب مستشاري السيسي، وقبلها 21 نوفمبر 2021 كشف موقع "ديسكلوز" الاستقصائي الفرنسي، شراء أربعة أجهزة أمنية ورقابية مصرية أجهزة تنصت بشكل منفرد.

"ديسكلوز" نشر وثائق تؤكد أن أربعة أجهزة أمنية مصرية هي المخابرات العامة والحربية والأمن الوطني والرقابة الإدارية، قد اشترت بموازنات منفصلة أجهزة تنصت، تتجسس بها على المصريين وعلى بعضها البعض.

وجاء تسريب مستشاري السيسي ليكشف جانبا من تجسس الأجهزة على بعضها، وتسريب أحداها بعض معلومات هذا التنصت على غيرها للإعلام، ما أظهر استمرار أو عودة التسريبات التي تستهدف السيسي ومستشاريه منذ الانقلاب.

وترجح المصادر أن يكون ما كشفه معمل سيتزن لاب بشأن برامج تجسس اشتراها السيسي ومخابراته الحربية والأمن الوطني، تم تسريبه عبر أجهزة أخرى، يرجح أنها المخابرات العامة للمعمل الكندي، وأكده موقع ديسكلوز ضمنا.

وتشير لأن أهم ما كشف معمل سيتيزن لاب، أن أجهزة أمن السيسي مارست التجسس بواسطة برامج إسرائيلية أيضا، بجانب الفرنسية، عبر برنامجي شركتي "بيجاسوس" و"سيتروكس".

 

تفاصيل الصراع

المصدر الذي كشف جانبا من صراع الأجهزة، أوضح لـموقع "الاستقلال" أن السيسي تخلص، عبر خمسة قرارات متتالية، من 66 من وكلاء جهاز المخابرات الذين عملوا مع رئيس الجهاز السابق عمر سليمان.

والأخير كان في صراع دائم مع عبد الفتاح السيسي خلال توليه رئاسة المخابرات الحربية، بحكم التنافس بين المخابرات العامة، والحربية، ممثلة للجيش، خلال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك.

أوضح أن البعض في جهاز المخابرات العامة ردد معلومات غير مؤكدة أن السيسي هو من حاول قتل عمر سليمان يوم 29 يناير 2011 حين عينه مبارك نائبا له، وجرى إطلاق النار عليه قرب مستشفى كوبري القبة العسكري، بسبب التنافس.

وأن البعض يردد أيضا مقولات أن عمر سليمان قُتل في سوريا بفعل مدبر غير معروف تفاصيله، لا في أمريكا وهو يعاني المرض، كما قالت وسائل الإعلام، وأن قتله كان استكمالا لمحاولة اغتياله السابقة.

وأكد اللواء محمود زاهر، زميل عمر سليمان عبر قناة "ltc"9 يونيو 2018 أن اللواء عمر سليمان استُشهد، ولم يتوفَ بمرض نادر كما هو متداول.

https://youtu.be/ulcscgUZGQs

المصدر فسر التسريبات بأن تلامذة هؤلاء اللواءات والعقداء المقالين من الجهاز مستمرون في السير على طريقة عمر سليمان القائمة على تسريب موضوعات معينة للإعلام المصري، بدأت بتسريبات من مكتب السيسي حين كان وزيرا للدفاع.

وأن هذا يفسر التسريبات الأخيرة مثل "ترسيب مستشاري السيسي"، الذي أعاد إلى الواجهة الحديث عن صراع الأجهزة، والذي يبدو أن وتيرته قد عادت أشد مما كانت عليه.

والسبب ليس فقط الانتقام لإبعادهم، وإنما أيضا تضارب المصالح، وتصاعد الغضب من هيمنة المخابرات الحربية على المخابرات العامة، وتدخل نجل السيسي في أغلب شئونها، وترك عباس كامل له إدارة أمور كثيرة.

وكانت موجة التسريبات الأولى عامي 2013 و2014، والثانية في صورة تسريبات سبتمبر 2019 عن تخلي الجيش والشرطة عن السيسي وهو في أمريكا، ما تلاها دفع مصريون للنزول للتحرير للتظاهر قبل أن يتم قمعهم وشن حملة اعتقالات.

وواكب ذلك تسريبات "محمد علي" عن قصور وفيلات أسرة السيسي، ثم حملات ضد السيسي استغلالا لأزمة قانون البناء وحديثه عن رفع أسعار الخبز، ثم مستشاري السيسي، وأخير ما كشفه موقعي "ديسكلوز" و"سيتيزن لاب".

وكان الأسلوب الذي اتبعه بعض المنكل بهم بجهاز المخابرات العامة ضد السيسي، في المرحلة الثانية من التسريبات، يستهدف إحراجه، عبر كشف فساد منتسبيه وأعوانه، والطرق على الغضب الشعبي بسبب قرارات رفع الأسعار والغلاء.

وقد أشار لهذا الناشط "تقادم الخطيب" المقيم في ألمانيا، والذي اعتبر تسريب مستشاري السيسي بداية لحقبة جديدة من صراع الأجهزة، بسبب تضارب المصالح وتقسيم الغنائم".

وأرجع عودة التسريبات إلى أن السيطرة التي كان يراد بسطها على جهاز المخابرات العامة وضح أنها لم تتم بصورة نهائية، بحسب مقاله في جريدة العربي الجديد 12 ديسمبر 2021.

وتساءل عن الدوافع والأسباب الكاملة خلف هذا التسريب، وما مدى سيطرة رجال السيسي داخل جهاز المخابرات العامة على الجهاز؟ وكيف سيرد السيسي والذين معه على هذا الأمر؟

وأشار الخبير التقني "رامي رؤوف" لهذا الصراع بين الأجهزة من زاوية تكنولوجية، عبر حسابه على تويتر.

أوضح أن مصر بها أربعة جهات تمارس أعمال المراقبة هي المخابرات العامة، والمخابرات الحربية، وجهاز مباحث الأمن الوطني، وهيئة الرقابة الإدارية، وكل جهة لديها صلاحية النفاذ للبنية التحتية للشركات المحمول والإنترنت الخاصة.

ولكن هذه الجهات، قررت أن تشتري ألعابا أجنبية ، يقصد أجهزة تنصت، كي يبقى كل جهاز لديه سرية أكثر عن غيره من الأجهزة، وكي يستخدم كل جهاز ألعابه ليراقب الجهاز الثاني والثالث وغيره، بخلاف مراقبة المدنيين واستهدافهم، حسب قوله.

https://twitter.com/RamyRaoof/status/1463581882478645248

وحاولت وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب، في بيان رسمي نفي ما أذاعه صانع المحتوى عبد الله الشريف بوصفه تسريب مكالمة بين مستشارين في رئاسة الجمهورية، وقالت إنه "محتوى مفبرك، يتضمن حوارا بين مسجل خطر نصب، وسيدة تمارس النصب بدورها".

وأضاف بيان الداخلية أن شخصا ثالثا حاول بيع تلك المكالمة للشريف مقابل مبلغ مالي، لم يدفعه الشريف في نهاية اﻷمر، كما أفاد بأن الثلاثة مقبوض عليهم حاليا.

ورد عبد الله الشريف 17 ديسمبر 2021 مفندا بيان الداخلية ومقدما بلاغا للنائب العام في فبركة البيان ضده بلسان أشخاص استخدمتهم الداخلية.

https://youtu.be/E1-Tiw9ASYI

ودفع هذا نشطاء للتساؤل بعد رد عبد الله الشريف علي فبركة بيان الداخلية، من هي الجهة التي سجلت هذه المحادثة الهاتفية وأرسلتها لعبد الله؟ ولماذا اختارت هذا التوقيت؟

https://twitter.com/HossamAlGhamry/status/1471552398699245571

 

برامج إسرائيلية وفرنسية

ما كشفه موقع "ديسكلوز" حول شراء مصر برامج تجسس فرنسية، سبق لمجلة تيليراما أن أكدته 5 يوليو 2017، حين كشفت أن الإمارات أهدت نظام تجسس فرنسي لمصر، لكن الجديد الذي كشفه هو شراء 4 أجهزة مصرية للبرامج الفرنسية.

وما كشفه تقرير معمل سيتيزن لاب الأخير حول استعمال نظام عبد الفتاح السيسي برامج تجسس إسرائيلية، أظهر أن أجهزة السيسي لم تكتفِ بالبرامج الفرنسية، وإنما اشترت أيضا أكثر من برنامج تجسس إسرائيلي.

وسبق لمعمل "سيتزن لاب" 18 أغسطس 2018 رصده استخدام مصر برنامج تجسس تابع لشركة NSO الإسرائيلية (بيجاسوس) يعمل على اختراق الهواتف.

وبعدها بأسبوعين، أكدت صحيفة "نيويورك تايمز"، 31 أغسطس 2018، شراء مصر برنامج التجسس الإسرائيلي هذا عبر الإمارات أيضا، ما يؤكد اعتماد مصر أيضا على البرامج الإسرائيلية.

وجاء كشف مجموعة "سيتيزن لاب" الأخير أن برنامجي تجسس منفصلين، تشغلهما حكومة مصر، اخترقا هاتف أيمن نور، يشغلهما جهازي أمن مختلفين، ليؤكد رسميا استعانة نظام السيسي بالشركات الإسرائيلية للتجسس على المصريين.

لذا قالت وكالة "رويترز" 16 ديسمبر 2021 إن "السيسي استعان بإسرائيل للتجسس على هاتف أيمن نور والمعارضين في الخارج".

 

طريقة التجسس

بحسب تقرير "سيتيزن لاب" تم التجسس على أيمن نور عبر إرسال روابط أخبار عادية له من صحف على واتس آب، لكنها فخ روابط لبرنامج التجسس، وبمجرد الضغط عليها لفتح الخبر المزعوم، عبر الموبيل يبدأ التجسس عليه.

أيضا أرسلت له أرقام مصرية أخبارا عبر واتس آب تقول "تركيا تطلب من قنوات المعارضة المصرية وقف انتقاداتها لمصر أو لحظة سقوط سيارة من كوبري رمسيس وغيرها، وحين فتحها تم اختراق هاتفه".

https://twitter.com/AymanNour/status/1471872884494770180

وتكرر الأمر مع إعلامي مصري معارض أخر رفض ذكر اسمه لمعمل سيتيزن لاب، عبر إرسال رابط إلكتروني له علي واتس آب ممن وصفت نفسها بأنها مساعدة محرر في المصري اليوم، يبدو كأنه للصحيفة، بينما هو رابط برنامجي اختراق لهاتفه.

أيضا من تواصلت مع المذيع المعارض لتسريب برنامج التجسس لهاتفه، كانت تسمي نفسها مساعدة محرر في المصري اليوم، ما يشير لجهة التجسس ضمنا.

https://citizenlab.ca/wp-content/uploads/2021/12/image6-ar.png

وكان ملفتا أن كل ما وصل للمُخترق هواتفهم كانت روابط مزيفة باسم صحيفة المصري اليوم، التي استولت عليها المخابرات الحربية.