استخلصت دراسة بعنوان "المخابرات العامة المصرية، حدود الدور وإستراتيجيات العمل" نشرها موقع "المعهد المصري للدراسات" 11 سببا يؤكد تراجع دور المخابرات العامة وراء التسريبات المتتالية التي كشف عنها موقع ديكسكلوز والعملية سيرلي وتسريبات مستشاري السيسي التي أذاعها عبدالله الشريف .
وقالت إنه "وفي إطار التطورات التاريخية والمراحل التي مر بها الجهاز، وطبيعة المهام والأدوار التي يقوم بها، يمكن الوقوف على عدد من الخلاصات الأساسية".
ضباط مناوئين
وقالت الورقة إنه "بعد التفكيك الذي فعله السيسي بجهاز المخابرات العامة، اعتمد بعض المنكَّل بهم من داخل الجهاز إستراتيجية في مواجهة السيسي ونظامه، وهي إستراتيجية تتناسب مع قوتهم وقدراتهم “إستراتيجية كشف الفساد” عن طريق إخراج تسريبات لأعمدة النظام، بهدف إحداث حالة من الضجر الشعبي، لأنهم لا يملكون قوة صلبة تُمكنهم من تحقيق أهدافهم والمشاركة في الحكم بشكل ما".
مساندة الديكتاتور
وقالت الدراسة في خلاصاتها إن "الحكم العسكري الاستبدادي الذي يحكم مصر منذ عام 1954م وإلى الآن، استطاع أن يجعل ذلك الجهاز أحد أذرعه لحماية تلك النظم خلال المراحل المختلفة، فانحرفت بوصلة الجهاز عن القيام بمهامه الرئيسة التي تأسس من أجلها في الحفاظ على الأمن القومي للبلاد على مدار عدة أنظمة متعاقبة، و من ثم أصبح أداة من أدوات الأنظمة الديكتاتورية للحفاظ على استقرارها وبقاء حكمها.
وتنطر الدراسة قيام جهاز المخابرات العامة بأدوار إيجابية منذ نشأته لحماية الأمن القومي بمفهومة الصحيح، وتحديدا أثناء الصراع المصري الصهيوني.
وحذرت من الخلط بين الأمن القومي للبلاد وأمن النظام، إلى حد تماهي الأمن القومي للدولة (كيان، مؤسسات) مع شخص الحاكم.
وأوضحت أن هذا من شأنه إبقاء الحاكم في السلطة، وحماية سلطته في حكم البلاد، حتى لو أدى ذلك إلى انهيار الدولة أو تهديد عوامل بقائها أو مجرد التصرف بما ليس في صالح المصلحة العليا للبلاد".
تكميم الأفواه
وأضافت أنه بدعوى حماية الأمن القومي، انكبت الأجهزة الأمنية والاستخبارية على الداخل لتكميم أفواه المعارضين والمنتقدين للنظام العسكري الاستبدادي منذ عام 1954 وإلى الآن.
وأوضحت أنه "على مدار سبعة عقود أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن جهاز المخابرات العامة قد أصابه من الفساد ما أصاب المؤسسات الأمنية في مصر، وأن من تولوا قيادة هذا الجهاز منذ نشأته لم تسلم مصر على أيديهم من نكبات متلاحقة".
وأكدت أن إمكانات الجهاز وطاقاته للعمل سُخرت لمصلحة النظام الحاكم، وبث الشائعات بين طوائفه، وإشاعة روح العداء والكراهية بين أطيافه، بما يحفظ بقاء واستمرار المنظومة العسكرية في الاستيلاء على السلطة في مصر.
المخابرات الحربية
وقالت الدراسة إن "اليد العليا الآن أصبحت للمخابرات الحربية، حيث اعتمد السيسي على هيئة الاستخبارات الحربية أكثر من المخابرات العامة في الحصول على المعلومات لعدم ثقته في ولاء الكثير من رجال المخابرات العامة، لذلك عمد إلى تفكيك الجهاز وإعادة هيكلته لإحكام السيطرة عليه، وتم إعادة هيكلة الجهاز بشكل كامل وتم تغيير كافة القيادات به، ووضع عباس كامل ذراع السيسي الأيمن مديرا للجهاز للسيطرة الكاملة عليه".
رجال عمر سليمان
وقالت الدراسة إن "خطة السيسي في تفكيك وإعادة هيكلة الجهاز ربما قد نجحت بشكل كبير، ولكن نتج عنها صراع خفي على المصالح بين رجال عمر سليمان ورجال السيسي الجدد بالجهاز، وربما ذلك يفسر كثرة التسريبات التي ما زالت تخرج لوسائل الإعلام لإحداث حالة من الضجر الشعبي على نظام السيسي.
وأوضحت خامسا أن تفكيك الجهاز أضعف الأداء الفني له نسبيا وقلص من صلاحياته مما أدى إلى تعثر الجهاز في بعض الملفات الداخلية، مما دفعه للاستعانة بأجهزة مخابرات أجنبية.
العملية سيرلي
ورأت الورقة سادسا أن ضعف المخابرات كشفه تقرير سيرلي، حيث الاستعانة بالمخابرات الفرنسية لضبط الحدود في الاتجاه الغربي الإستراتيجي.
ورأت أن سبب ذلك التراجع هو "اهتمامه بالشأن الداخلي للسيطرة على الخصوم السياسيين لحكم السيسي، فأجهزة مخابرات السيسي لم تستطع حتى الآن أن تؤدي دورها في القضاء على المسلحين في شمال سيناء في النطاق الإستراتيجي الشرقي لمصر، وذلك رغم إطلاق العديد من العمليات العسكرية من وقت لآخر منذ عام 2013، ناهيك عن وقوع عشرات العمليات المسلحة ضد الجيش، ما يؤكد أن هناك فشلا استخباراتيا كبيرا، وهذا الفشل أدى إلى لجوء المخابرات للاستعانة بمخابرات الكيان الصهيوني، لكي تدعمها بمعلومات عن النشاط المسلح المتواجد في محافظة شمال سيناء".
فشل تراكمي
ولفتت الورقة في النقطة السابعة إلى اعتماد الجيش على الكيان الصهيوني لتزويده بالمعلومات عن الأوضاع في شمال سيناء، وفي المنطقة الغربية تنشط المخابرات الفرنسية على الأراضي المصرية كما كشفت وثائق سيرلي، إلى جانب وجود فشل استخباراتي في الجنوب مع الحدود المصرية السودانية، ومن المفترض أن مصر في منطقة صراعات ويجب أن تمتلك كافة أدوات القوة الشاملة، وعلى رأسها جهاز استخباراتي قوي، لكن السيسي فككه.
الصراعات السياسية
وأرجعت الدراسة التراجع لأسباب أخرى فإلى جانب اتفاقية كامب ديفيد وتحييد دور الجيش المصري منذ عام 1979م، انخرط جهازا المخابرات العامة والحربية بشكل موسع في الصراعات السياسية وتأمين السلطة للحاكم العسكري منذ عام 2013، كما حدث في عهد عبد الناصر، الذي صب كل اهتمامه على السيطرة على البلاد ما أدى إلى خسارته جميع الحروب على أرضه وفي الخارج، وهذا هو ما يجري الآن، فالمخابرات المصرية عامة وحربية، هي أذرع السيسي من أجل السيطرة الداخلية والسيطرة على خصومه، وبعدت تماما عن الأدوار المنوطة بها.
ديكتاتورية تاريخية
وألمحت إلى أن جمال عبد الناصر هيمن داخليا وتخلص من خصومه وتغافل عن المخاطر التي تهدد أمن مصر القومي، ولم يعمل على تعزيز قوة مصر الشاملة ففطن الأعداء هذا إلى أن اُحتلت الأراضي المصرية ووقعت النكسة عام 1967م، وسياسة السيسي لا تختلف عن سياسة ناصر، فالسيطرة الداخلية أولى لديه من ملفات مهمة كملف سد النهضة الذي يهدد وجود مصر والمصريين، وغيره العديد من الملفات التي تهدد الأمن القومي المصري، وتغافل هذا النظام عن امتلاك مصر لكافة عناصر القوة الشاملة التي تستطيع من خلالها حماية الأمن القومي المصري حتى لا تصبح البلاد مرتعا لكافة القوى الإقليمية والدولية.
تخوف من انقلاب
ورأت أن التراجع في دور المخابرات يمكن أن يفهم على أن القوة العسكرية والمعلوماتية هي الوسيلة الأمضى لقمع أي انتفاضه شعبية ضد الحكم ، فيسعى الحاكم للسيطرة على القوات المسلحة والأمنية والمعلوماتية لاستخدامها في قمع الانتفاضات ولكي يضمن ألا تنقلب عليه، كما هو الحال في النظام المصري بعد 2013".