يتجه الدكتاتور عبدالفتاح السيسي نحو تصفية شركة «النصر لصناعة الكوك والكيماويات» بحلوان، بدعوى أن الشركة تحقق خسائر كبيرة وأن عوائد التصفية سيدفع منها أجور ومرتبات العمال المتآخرة وفقا لتصريحات وزير قطاع الأعمال بحكومة الانقلاب هشام توفيق. ويصر نظام السيسي على خصخصة الشركة رغم أنها ــ وفقا لنقابيين بالشركة ــ حققت أرباحا رغم محاولات "تخسيرها" من جانب أجنحة وجهات حكومية.
وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، إيهاب منصور، قال إنه تقدم بطلب إحاطة لوزير قطاع الأعمال للوقوف على أسباب قرار التصفية والبدائل المتاحة للقرار الذي وصفه بـ«غير المدروس»، لافتًا إلى أنه لم يتحدد بعد موعد لمناقشة الطلب، نافيًا ما جاء على لسان الوزير حول خسائر الشركة. أيضًا، النائب إيهاب رمزي قال إنه تقدم قبل أيام بطلب إحاطة بشأن قرار التصفية الذي وصفه بـ«العشوائي» وأن «وزير قطاع الأعمال يستسهل»، موضحًا أنه بفرض صحة تصريحات الوزير حول تسجيل الشركة لخسائر، فإن التصفية نفسها خسارة لكيانات اقتصادية تاريخية ينبغي التعامل معها بالتطوير والإصلاح لا بالتصفية. كذلك، كان النائب مصطفى بكري قد تقدم هو الآخر بطلب إحاطة ثالث، بشأن نفس القرار.
مؤامرة على الشركة
وبحسب تقرير نشره موقع "مدى مصر" فقد أكد نقابي بالشركة تحقيق القوائم المالية أرباحًا صافية بقيمة 34 مليون جنيه خلال العام المالي 2020-2021، وأن الشركة ليست عليها مديونيات متراكمة، مضيفًا أنها تعرضت لتخسير متعمد بوقف استيراد الفحم من الخارج لتصنيعه، موضحًا أن خطة التخسير المتعمدة لم تكن فقط بسبب قرار البيئة بعدم السماح باستيراد الفحم، وإنما بدأت بتقاعس الشركة القابضة ووزارة قطاع الأعمال عن تطوير البطاريات لتتواءم واشتراطات البيئة، موضحًا أن القابضة تعاقدت في 2018 مع شركة فاش ماش الأوكرانية لتطوير البطارية (1) وبناء بطارية جديدة بإجمالي تكلفة استثمارية بلغت نحو 100 مليون دولار، ثم قامت بإلغاء خطة التطوير، وهو ما يُعرض الشركة حاليًا لغرامة مالية قيمة الشرط الجزائي البالغ تسعة ملايين دولار، مؤكدًا أن هذه ليست خطة التطوير الأولى التي يتم التراجع عنها، بل سبقتها أكثر من أربع خطط في الفترة من 2013 إلى 2018 لشركات ألمانية وروسية وصينية، وكلها لم تكتمل دون إبداء أسباب.
أحد المهندسين بالشركة، طلب عدم ذكر اسمه، قال إن سياسات التخسير ظهرت بقوة في تحميل الشركة بمصروفات غير ضرورية، مثل تعيين عدد كبير من المستشارين وكذلك الاستعانة بمقاولين من خارجها، بالإضافة إلى خفض الإنتاج تدريجيًا خلال السنوات الخمس الماضية من متوسط ألفي طن يوميًا من الكوك لمتوسط 30 طنًا يوميًا، وهو بطبيعة الحال يرفع التكلفة ويعمق الخسائر تمهيدًا للتصفية دون وضع أي اعتبار لنحو ألفي عامل بالشركة.
النقابي السابق بالشركة، صبحي بدير، قال إن قرار التصفية لم تُدرس عواقبه بشكل علمي، مشيرًا إلى اعتماد جميع مصانع السكر في الجمهورية وبعض مصانع المسبوكات وعدد من الصناعات الأخرى على الكوك المنتج من النصر للكوك، لافتًا إلى أن وقف تصنيع الكوك يُهدد هذه الصناعات بقوة، وقد يدفعها للاستيراد من الخارج مما يكلف ميزانيتها أعباء توفير العملة الصعبة، مؤكدًا أن «النصر للكوك» قدمت للشركة القابضة عقودًا مستقبلية بتوريدات لشركات السكر حتى تتدخل القابضة لتوفير الخام بالوساطة لدى «البيئة» لحين إتمام التطوير، ولكن آل الأمر لما هو عليه حاليًا رغم تدخل «القابضة الغذائية» (التابعة لها شركات السكر) لدى وزارة البيئة أيضًا.
ومن المتوقع أن يؤثر قرار التصفية المرتقب على إنتاج منجم السباعي للحديد، وهو أكبر منجم حديد بمصر، بحسب أحد مهندسي «النصر للكوك»، الذي أوضح أن خامي الهيماتيود والميجناتيود اللذين يُستخرجا من المنجم يحتاجان إلى الكوك لتحويلهما إلى أكسيد الحديد (الشكل الأولي للحديد) وبالتالي وقف إنتاج الكوك يُعرض إنتاج الحديد من منجم السباعي للتوقف بالتبعية.
وحول الحلول المطروحة من العمال لوقف قرار التصفية، قال نقابيون بالشركة إن هناك أكثر من سيناريو لوقف التصفية: الأول، نقل الشركة مع استكمال تطويرها خارج الكتلة السكنية حتى يتسنى للدولة الحصول على الأرض -إذا كان الهدف من التصفية هو الأرض- وضمها لمقترح التطوير العقاري للمنطقة، والذي يشمل أرضي شركتي الحديد والصلب والقومية للأسمنت، اللتين تمت تصفيتهما. أما السيناريو الثاني فيتمثل في تحويل الشركة لمصنع سماد ضخم من خلال توسيع المصنع القائم بالفعل داخلها، وهو ما يكلف نحو 100 مليار جنيه فقط بحسب أحد العاملين.
وأُنشئت «النصر للكوك» عام 1960 لتوفير الكوك لمصنع الحديد والصلب، ثم توسعت الشركة على مدار عقود لتكتسب أهمية اقتصادية بالغة، ولم يعد إنتاجها يقتصر على إنتاج فحم الكوك لمصنع الحديد والصلب فقط، بل امتد للقطران الذي يدخل في صناعة البطاريات، والبنزول الذي يدخل في إنتاج الأوكتين الذي يُضاف للبنزين، وكذلك النترات التي تدخل في صناعة السماد، ليصبح لـ«النصر» 22 منتجًا بخلاف الكوك.
لماذا الإصرار على الخصخصة؟!
قرار تصفية شركة الكوك يتسق مع توجهات نظام السيسي الرامية لخصخصة الشركات المملوكة للشعب حتى تكون ملكا للأجانب أو لرجال أعمال مقربين من النظام، وسبقها تصفية عملاق الحديد والصلب بحلوان ثم شركة أبو قير للأسمدة. فالسياسات الاقتصادية الحكومية تتميز بالإغراق في الاستثمارات على مشاريع خدمية مثل الطرق والكباري على حساب الاستثمارات في الإنتاج الزراعي والصناعي، وعلى حساب الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، مع تبديد الكثير من الفائض في أشكال من الترف، بجانب نواحي الفساد المختلفة.
وعادة ما تلجأ حكومة الدكتاتور السيسي لحل مشاكلها تصديرها للطبقات الشعبية عن طريق فرض الضرائب غير المباشرة على الفقراء، ورفع أسعار الوقود والكهرباء والرسوم الحكومية، ولكنها تخفضها على المستثمرين، مسببة ما لدينا من عجز مزمن في كل من الموازنة العامة للدولة. كما تعاني مصر من عجز ضخم مزمن في ميزان المدفوعات مع الخارج، وتعاني أيضا من فجوة استثمارية بين مدخراتنا المتواضعة واستثماراتها. تحل الحكومة تلك المشكلة باستمرار بالاستدانة من الخارج والداخل حتى وصلت ديوننا الخارجية إلى 137.9 مليار دولار، وقاربت قيمة إجمالي الديون الخارجية والداخلية كل قيمة الناتج المحلي الإجمالي".
وفي ثمانينات القرن الماضي، شاع مصطلح الخصخصة «Privatization»، والعجيب أن حكومات العالم الثالث المتخلف صناعيا واقتصاديا والتي تبنت فلسفة الخصخصة كعقيدة وأيديولوجيا، بررت ذلك بالخسائر التي تتعرض لها الشركات الحكومية؛ وهو عذر أقبح من ذنب؛ فإذا كان الخلل في الإدارة فلماذا يتم بيع الأصول التي هي ملك للشعب ولا يتم تغيير هذه الإدارة الفاسدة معدومة الكفاءة؟ ولماذا يتم انتزاع ملكية الشعب لثرواته وأصوله ويبقى اللصوص كما هم يتولون المزيد من المناصب ويعززون منظومة الفساد؟! وهل تحويل ملكية أصول الدولة من الشعب إلى رجال أعمال أو شركات عملاقة متعددة الجنسيات لها أجندات قد تهدد الأمن القومي للبلاد يمثل مصلحة قومية في شيء؟! الحق أن الخصخصة كالتأميم كلاهما إجراء شاذ ويخالف أبجديات الأمن القومي؛ لأن الخصخصة هي انتزاع ملكية الشعب لأصوله وثرواته لتكون ملكا لحفنة من الفاسدين أو الأجانب. أما التأميم فقد تجاوز حدود تأميم الشركات التي اغتصبها الاحتلال ليصل إلى اغتصاب شركات يملكها مصريون أنشأوها بطرق شرعية، كما جرى مع آلاف المصريين في أعقاب حركة 23 يوليو 1952م.