ما اشبه الليلة بالبارحة؛ فبعد سقوط رجل الأعمال المقرب من سلطات الانقلاب حسن راتب؛ سقط عمود آخر من أعمدة الانقلاب الإعلامية، حيث تم إلقاء القبض على رجل الأعمال محمد الأمين مالك قنوات "cbc" لينضم إلى سلسلة الفاسدين الذين فاحت رائحتهم مؤخرا، بعد "راتب" وهالة زايد وعلاء حسانين.. والبقية تأتي.
إلا أن الكثير من الجدل صاحب تلك العملية الأمنية الجديدة، حيث تساءل متابعون: لماذا تم السكوت عن تلك الجرائم المشينة التي قبض على محمد الأمين بسببها؟ وهل الأجهزة الأمنية والمعلوماتية، التي تم منحها كافة الصلاحيات في عهد الانقلاب، لم تكن تدري بنشاط "الأمين" سواء في الاتجار بالبشر أو التحرش بنزيلات دار الأيتام التي يملكها؟ ولماذا القبض عليه الآن قبل أيام من ذكرى ثورة يناير التي حاربت الفساد بشكل واسع وحبست الفاسدين الذين أفرج عنهم السيسي لاحقا؟
الاتجار بالبشر!
الأجهزة الأمنية وفق مزاعمها تلقت بلاغا بقيام محمد الأمين بارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون مع عدد من الفتيات داخل دار الإيتام، بعد تقنين الإجراءات والتحريات وسماع أقوال المجني عليهن، صدر قرار من الجهات المختصة بالقبض على المتهم وتحرير محضر بالواقعة وإحالته إلى النيابة العام لمباشرة التحقيقات.
وبعرض المتهم على النيابة العامة قررت، مساء الجمعة حبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات، بتهمة الاتجار في البشر والتعدي على بعض الفتيات داخل دار الأيتام ملكا له وذلك في القضية رقم 188 لسنة 2022 كما طالبت تحريات مكافحة إدارة الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية لكشف تفاصيل الواقعة.
رجل الإعلام والمال
محمد الأمين أول من قام بتأسيس مجموعة للقنوات الفضائية تحت عنوان "سي بي سي"، قبلها شبكة قنوات "مودرن دراما وسينما ورياضة"، بالإضافة إلي تأسيس قناة النهار، بالإضافة إلى أنه كان شريكا في مجموعة عامر شركات جروب.
ويشير مراقبون إلى أن القبض على الأمين ربما جاء استمرارا لسياسة "الدفع أو الحبس" اليتبعها السيسي لجمع المزيد من الأموال لتمويل مشروعاته؛ حيث سبق أن تم تنفيذ تلك السياسة مع صلاح دياب وسيد السويركي وصفوان ثابت وحسن راتب وغيرهم.
فقبل ثلاثة اشهر، طالعتنا صحف ومواقع الانقلاب بتفاصيل القبض على رجل الأعمال حسن راتب، بتهم منها قضية الآثار الكبرى والمتهم فيها بالاشتراك في عصابة يديرها البرلماني السابق علاء حسانين المعروف بـ"نائب الجن والعفاريت" لتهريب الآثار إلى خارج البلاد وتمويل أعمال حفر للحصول على الآثار بدون ترخيص للاتجار فيها.
راتب كغيره تركه العسكر يعبث فى الأرض كما يشاء،شرط أن يدفع" إتاوة البقاء"، وهو مالك قناة المحور الفضائية، ورئيس جامعة سيناء، وصاحب مصنع سيناء للإسمنت الأبيض ومجموعة "سما" سيناء للاستثمار.
الدفع أو الحبس
نفس السيناريو تكرر مع مشاهير ورجال أعمال، فقد سبق اعتقال مالك ورئيس مجل إدارة شركة جهينة صفوان ثابت وابنه "سيف"، بتهم مختلفة هذه المرة؛ فقد وجهت النيابة له اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية وإمدادها بالأموال لتحقيق أغراضها بتغيير نظام الحكم بالقوة، والاعتداء على رجال القوات المسلحة والشرطة ومنشآتهما والمنشآت العامة والإضرار بالاقتصاد القومي للبلاد.
صلاح دياب
وسبقه رجل الأعمال صلاح دياب، مالك ومؤسس صحيفة "المصري اليوم" ونجله، وذلك لاتهامهما بعدد من قضايا الفساد المالي وإهدار المال العام، فى مارس 2020.
وقتها زعمت سلطة الانقلاب بأن التحريات كشفت عن حصول رجل الأعمال صلاح دياب ومحمود الجمال صهر المخلوع الراحل حسني مبارك و15 آخرين من شركائهم في شركتي "صن ست" و"نيو جيزة" بالتربح والإضرار بالمال العام، وارتكابهم مخالفات قانونية في تخصيص مشروع أرض نيو جيزة بطريق الإسكندرية الصحراوي.
ما دعا النيابة لإرسال توجيهات لنيابة الأموال العامة للموافقة على إصدار قرار بالتحفظ على أموال رجال الأعمال المتهمين، وذلك إثر اتهامهم بالتربح غير المشروع، والإخلال بعقود أرض مدينة "نيو جيزة" بمدينة 6 أكتوبر، وشرائهم أرض المشروع بأقل من السعر المقرر، واستغلالها في بناء مشروع سكني مخالف للعقود.
لم يستوعب الدرس
فى الخامس من سبتمبر من العام المنصرم، خرج السيسى متجهما خلال لقاء من إحدى حفلاته المتعددة غاضبا، مطالبا بدفع تبرعات لصندوق تحيا مصر، مؤكدا أن المجتمع المصرى يقدر هذا الأمر.
وأضاف السيسى، ضاحكا: “الـ 100 مليار جنيه اللى كنا بنحلم بيها مجتش لحد دلوقتى، علشان كده كنت بقول لدكتور مدبولى لازم نشوف وسيلة أخرى تضيف الصندوق أكتر من كده، سواء من تبرعات الناس أو من موارد يمكن حشدها،وتابع: نحتاج إلى تطوير فى الممارسة أكثر من ذلك.
وقتها وبعد عدم استجابة رجال الأعمال للتبرع لصندوق "تحيا مصر"، أو ضخ استثمارات كما أراد النظام، كان سببا في ظهور ماعرف وقتها باسم "القوائم السوداء لرجال الأعمال الممتنعين عن التبرع للصندوق"،وذلك لفضحهم على الملأ وتوبيخهم أمام الرأى العام بانهم ضد مصلحة مصر الكبرى فى البناء والتشييد.
بين الدفع والامتناع
يقول الدكتور وائل النحاس، الخبير والمحلل الاقتصادي، إن هناك حالة من الضغط المتبادل بين رجال الأعمال وبين الدولة فى مصر..فرجال الأعمال "يضغطون" بشكل مستمر على الدولة، لمعاودة فتح مصانعهم وشركاتهم، بينما تضغط الدولة عليهم لدفع جزء من الأموال التى ربحوها بفضل عملهم فى مصر لصالح مؤسسات الدولة ومساعدتها فى تطوير الاقتصاد والحالة العامة فى مصر.
فى حين يقول الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، إنه من الخطأ الهجوم على رجال الأعمال بسبب قصة التبرعات لصندوق "تحيا مصر"، حيث يتبرعون "عندما تكون الأمور ماشية"!
بينما يرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية في القاهرة، أن الاقتصاد المصري يعتمد بشكل كبير على القطاع الخاص، ويلعب رجال الأعمال دورا مهما، وهم "متحالفون" مع النظام، ولكن في الوقت نفسه تحدث أزمات بين هؤلاء "المليارديرات" والسلطة، بسبب التبرعات.