في زمن الجباية.. غرامات على محاولات الانتحار وإرهاب منتقدي تردي الأوضاع

- ‎فيتقارير

على عكس كل دول العالم التي تواجه بظواهر سلبية ومشكلات اجتماعية، فتفكر في حلول شاملة تجمع بين مراعاة الظروف النفسية والاجتماعية والاقتصادية وراء تلك الظواهر السلبية، ومحاولة قطع الطرق المؤدية لهذه الظواهر السلبية.

إلا أنه وفي ظل نظام انقلابى عسكري مستبد لا يؤمن إلا بالقمع، وتحصيل الرسوم حتى من الأموات أو الأطفال أو الضحايا أنفسهم، وفي محاولة من نواب برلمان العسكر ، الذين يدركون من أين تُؤكل الكتف أو فهموا الفولة، على طريقة السيسي، الذي يسن له القوانين والمقترحات الجبائية التي تسعى لتحصيل الأموال من أي مصدر وبأي طريقة.

في ضوء ذلك جاء اقتراح نيابي بقانون لمواجهة ظاهرة الانتحار المتفاقمة بمصر، عبر إجراءات من ضمنها تحصيل غرامات مالية من المنتحر، في حال فشل انتحاره ، تتراوح بين 10 و 50 ألف جنيه، دون الاكتراث بالحالة النفسية والاقتصادية للمنتحر، الذي وصل لحد الإقدام على قتل نفسه لظروفه التي يمر بها.

وأثار مشروع قانون قدمه برلماني انقلابى ، يُجرِّم الانتحار والشروع فيه، ويفرض عقوبات على مرتكبه حال فشله، ردود فعل غاضبة.

 

تشريعات للجباية

مشروع القانون الذي تقدم به النائب "أحمد مهني" السبت، يعتبر "الشروع في الانتحار جريمة في بعض التشريعات يعاقب عليها، والبعض الآخر لا يعاقب عليها، ولذلك فإن جريمة الانتحار من الجرائم الخاصة ذات الظروف والملابسات الخاصة".

ودعا النائب في مشروعه، إلى إيجاد عقوبة رادعة لمن يُحرّض على الانتحار وإزهاق النفس، وأضاف أن القانون المصري لا يُجرم الانتحار أو الشروع فيه، وإنما يُجرّم التحريض على الانتحار.

وطالب "مهني" أيضا بمحاسبة كل من يُبثّ أخبارا أو شائعات من شأنها بث روح الإحباط والتشاؤم لدى المصريين، معتبرا أن هذه الإجراءات من شأنها أن تُحدّ بقدر الإمكان من هذه الظاهرة الغريبة (الانتحار)".

 

تجريم الشروع في الانتحار 

اللافت في مشروع القانون أن "مهني" طالب أيضا بتجريم وقائع الشروع في الانتحار، وقال في هذا السياق "بالطبع العقوبة لن تكون الحبس، كون من أقدم على الانتحار ليس مجرما بطبعه، وإنما أقبل على الانتحار نتيجة خلل نفسي أو مجتمعي، يستلزم العلاج وليس الحبس أو السجن".

واقترح أن تُضاف مادة إلى قانون العقوبات، تنص على معاقبة كل من شرع في الانتحار.

وأوضح أن العقوبة تكون بـ"الإيداع في إحدى المصحات التي تُنشأ لهذا الغرض بقرار من وزير العدل، وذلك ليعالج فيها طبيا ونفسيا واجتماعيا".

وطالب أيضا بأن تكون مدة بقاء المحكوم عليه، الذي فشل في الانتحار، في المصحة 3 أشهر، وألا تزيد على 3 سنوات، ما لم يقرر القاضي غير ذلك.

أما في حال معاودة المحكوم عليه للانتحار، فيدعو مُقترِح القانون أن تتم معاقبته بغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تُجاوز 50 ألف جنيه.

 

فلسفة الجباية

ولم يبعد البرلماني ببرلمان العسكر كثيرا عن منطق نظام السيسي، في معالجة القضايا والأزمات عبر مزيد من الأزمات، والغرامات المالية، فلم يجد السيسي حرجا في معالجة قلة مياه الري للمزارعين إثر أزمة سد النهضة بفرض غرامات مالية قد تصل لـ50 ألف جنيه لزراعة محاصيل الأرز والقصب أو غرامة 10 آلاف جنيه لمن يُشغّل ماكينة ري لرفع المياه إلى زراعته التي قد تهلك، دون أن يبحث عن أصل المشكلة نفسها ، بمعالجة أزمة سد النهضة سريعا ، وبقوة منجزة حفاظا على حياة الشعب المصري.

وهو الأمر الذي تكرر في كثير من  الأزمات التي يعيشها المصريون، فلم يخل قانون المرور الجديد من عقوبات مالية ورسوم باهظة، جعلت حياة المواطن مأزومة بين غرامات الركن في الشوارع أو الترخيص المُغالى فيه أو رسوم اللوحات أو الملصق الإلكتروني، أو أي خدمة قدمتها الداخلية للمواطن بأعباء مالية كبيرة تفاقم العوز الاقتصادي وتُفقر الشعب، وفي الوقت نفسه لا تحل أزمات المرور أو الحوادث على الطرق ، وليس آخرها مقتل 18 على طريق شرم الشيخ وقبلها حادث الدائري الأوسطي وغيرهم.

وفي أزمات الشعب المختلفة تتزايد الضغوط الاقتصادية، التي تزيد الأزمات ولا يستفيد منها إلا الجابي الأكبر السيسي، بتحصيل الرسوم والضرائب.

ويأتي المقترح لمعالجة ظاهرة الانتحار، ليزيد أيضا فرص الانتحار المؤلمة بالمجتمع المصري، والناجمة في أغلبها عن كبت سياسي واجتماعي وغياب دور المؤسسات التوعوية والدينية بالمجتمع، والأزمات الاقتصادية المريرة التي تدفع بالشباب العاجز عن إيجاد فرصة عمل أو الزواج أو المسكن للانتحار، كما يأتي مشروع القانون هذا بعدما شهدت مصر عدة حالات انتحار هزت الرأي العام، كان آخرها انتحار الفتاة "بسنت خالد"، وهي طالبة في السابعة عشرة من عمرها، تقيم مع أسرتها في قرية بمحافظة الغربية.

ابتلعت الفتاة قرصا ساما، بعد أن علم والدها بأمر "فيديو مفبرك"، من قبل شابين، أرادا ابتزازها إلكترونيا، بعد أن رفضت إقامة علاقة معهما.

وأثار مقترح القانون ردودا واسعة على شبكات التواصل بين المصريين، منتقدين مشروع القانون، ومعربين عن استغرابهم من معاقبة المقدم على الانتحار، بدلا من البحث عن الأسباب التي أدت به إلى هذه الخطوة وعلاجها.

وتساءل الناشطون عن جدوى مشروع القانون، وعن دور مجلس النواب في منع الانتحار وقطع الطرق أمام المنتحرين بإزالة أٍباب الانتحار؛ بدلا من تغليظ العقوبات على الذين يفشلون في الانتحار.

وتحتل مصر المرتبة الأولى في العالم العربي من ناحية حالات الانتحار، حسب تقرير سابق لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) متفوقة في ذلك على دول تشهد نزاعات مسلحة وحروبا أهلية، وتليها السودان ثم اليمن فالجزائر.

ففي عام 2019، انتحر في مصر وحدها 3022 شخصا، بحسب إحصاءات المنظمة.

وأصدر مركز البحوث الاجتماعية والجنائية تقريرا في عام 2020 أشار فيه إلى أن معدل الانتحار لا يتجاوز 1.29 شخصا لكل 100 ألف نسمة خلال عام 2018.

ورصد التقرير انتشار الانتحار بين سكان الريف وليس فقط سكان المدن المكتظة.

وأرجع التقرير أسباب تزايد الانتحار إلى تدني الظروف الاقتصادية والمعيشية لأغلب الأسر المصرية، ناهيك عن الفقر والبطالة والقمع السياسي والاجتماعي، وانسداد أفق المستقبل بمصر وسيطرة العسكريين على الاقتصاد، وكلها أسباب يعلمها الجميع إلا أنهم يعزفون عن معالجتها، ويتجهون لجلد الضحية ، وتغريمه الأموال، لكي يُحسن الانتحار من أول مرة ، حتى لا يقع تحت طائلة القانون بغرامة تصل لـ50 ألف جنيه ، بالمرة الثانية للانتحار.

وهكذا يشارك برلمان العسكر مع بقية مؤسسات النظام العسكري في تكريس الانتحار بين المصريين.