قراءة في قرار حرمان طلاب بجامعة أسيوط من الامتحانات لعدم سداد المصاريف

- ‎فيتقارير

القرار الذي اتخذته جامعة أسيوط بحرمان عدد من الطلاب من أداء امتحانات الفصل الدراسي الأول (يناير 2022) لعدم سدادهم المصروفات الدراسية لم يكن مصدره أي وسيلة إعلامية رافضة لنظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي؛ بل كان بالأساس طلب إحاطة تقدم به نواب في البرلمان الذي تديره الأجهزة الأمنية؛ بما يعني أن القرار لم يكن شائعة أطلقتها نوافذ إعلامية رافضة للنظام كما يدعي المؤيدون للسلطة على الدوام.

وكانت النائبة ببرلمان الانقلاب سناء السعيد تقدمت الأربعاء 12 يناير 2022م بطلب إحاطة إلى وزير التعليم العالي بحكومة الانقلاب خالد عبد الغفار، بشأن حرمان الطلاب في جامعة أسيوط  من أداء امتحانات الفصل الأول للعام الدراسي 2021-2022، بسبب عدم سدادهم المصاريف. كما تقدم النائب عصام العمدة، عضو مجلس نواب الانقلاب عن دائرة ابنوب ومركز الفتح بمحافظة أسيوط، بيان عاجل موجة إلى وزير التعليم العالي يتضمن نفس الشكوى؛ لافتا إلى  أنه في الوقت الذي تحتضن فيه مصر منتدى شباب العالم بشرم الشيخ فإن جامعة أسيوط تهدر حقا أصيلا من حقوق الإنسان وهو الحق في التعليم وتمنع 240 شابا وشابة من دخول الامتحانات لعدم دفع المصروفات الدراسية ومنهم من قام بعمل بحث اجتماعي ومنهم من خرج والده على المعاش ولم يتقاض مستحقاته من جهة عمله.

وألمح "العمدة" إلى أمرين: الأول أنه كان من الأولى أن تتريث الجامعة وتنتظر لنهاية الامتحانات، وعمل بحث اجتماعي لهذه الحالات ومحاولة إشراك جمعيات المجتمع المدني وأهل الخير لدفع المصروفات ويمكن حجب النتيجة لحين دفع المصروفات على حد قوله. والثاني، هو تهديد الوزير بأن الجهات الرقابية لم تنته بعد من فحص ملفات الفساد داخل جامعة أسيوط، حتى فاجأت إدارة الجامعة الجميع بهذا القرار التعسفي. وطالب النائب في  بيانه العاجل، وزير التعليم العالي بالتدخل الفوري والعاجل لحل مشكلة هؤلاء الطلاب لكي لا يتم حرمانهم من دخول امتحانات أخرى، ووضع تصور لكيفية أداء المتحانات التى تم حرمانهم منها، والعمل على رد كرامتهم التي تم إهانتها والتنمر الذي تعرضوا له من حرمانهم من دخول الامتحانات.

أما سناء السعيد فكانت أكثر وضوحا باتهامها للجامعة الوزارة بمخالفة نصوص الدستور الصريحة التي تنص على مجانية التعليم، وأكدت أن قرار الجامعة هو مخالفة صارخة للدستور الذي نص على مجانية التعليم، والتزام الدولة بمجانيته في مؤسساتها التعليمية. واستشهدت السعيد في طلبها بنص المادة 21 من دستور 2014، في ما يخص "كفالة الدولة استقلال الجامعات، والمجامع العلمية واللغوية، وتوفير التعليم الجامعي وفقاً لمعايير الجودة العالمية، والتزام الدولة بتطوير التعليم الجامعي، وكفالة مجانيته في جامعاتها ومعاهدها".

اللافت في الأمر أن الوزارة كانت قد  خالفت الدستور والقانون بقرار سابق بعدم السماح للطلاب بعدم أداء امتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول، ما لم يكن حاصلا على اللقاحات المضادة لفيروس كورونا الجديد،  بحجة أن الوزارة أتاحت اللقاحات في كل الجامعات، بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان.

لم يصدر عن الجامعة ـ حتى كتابة هذه السطور ــ بيان رسمي لتوضيح الأمور؛  وهو ما يمكن اعتباره إقرارا واعترافا منها بحقيقة الأمر؛ لكن مصادر بالجامعة زعمت ـ بحسب موقع مصراوي ــ  أنه لم يجر حرمان أي طالب من دخول لجان الامتحانات بسبب عدم دفع الرسوم الدراسية، ولكن بسبب تأخره في تقديم ما يفيد التطعيم أو ما يفيد تقديمهم بطاقة جامعية سارية للعام الجامعي الحالي 2021 /2022 والتي تثبت قيدهم في الجامعة، أو إيصال يُفيد تقدمهم لمكتب المساعدات الطلابية وإثبات جديتهم في بدء إجراءات استخراج الكارنية الذي يتم بموجبه دخول الحرم الجامعي". وأشارت إلى أن إدارة جامعة أسيوط قامت بدفع إعانات بمبلغ يفوق ٤ ملايين جنيه لعدد يتجاوز ٣٠ ألف طالب من إجمالي ٨٠ ألف طالب بالمراحل الجامعية المختلفة، تشمل الرسوم الدراسية، بالإضافة إلى المقررات الإلكترونية والكتب.  لكن هذه التصريحات تمثل إدانة للجامعة؛ فلماذا لم تدفع عن الطلاب غير القادرين رسوم الدراسة ما دامت الجامعة تملك كل هذه المخصصات من الدعم؟ أم أن هذه المخصصات جرى توزيعها ــ كما هو معتاد ــ  على نوعية معينة من الطلبة تربطهم علاقات وثيقة بالأمن من جهة وإدارة رعاية الشباب من جهة ثانية؟! لا سيما وأن أحد النواب ألمح إلى وجود فساد بالجامعة وأن الجهات الرقابية لا تزال تراقب الأمور وتبحث في المستندات والدفاتر.

من جانب آخر فإن سلوك إدارة جامعة أسيوط ووزارة التعليم العالي بحكومة الانقلاب ــ حتى لو تراجعت إدارة جامعة أسيوط عن قرارها ــ يتسق تماما مع توجهات النظام العسكري الانقلابي بتحويل التعليم من حق إلى سلعة؛ فالنظام يتجه بقوة نحو إلغاء مجانية التعليم الجامعي، وصولا إلى إلغاء المجانية بشكل كامل على باقي مراحل التعليم، وفق خطة متدرجة بدت مؤشراتها جلية أمام المتخصصين والراصدين.

الدليل على ذلك أنه قد تم في أغسطس 2019م التصديق على القانون رقم 152 لسنة 2019، وهو ما يسمح للجامعات الحكومية بإنشاء جامعات أهلية  مقابل رسوم تحددها إدارة الجامعة،  بما يعني فعليا خصخصة الجامعات مستقبلا؛ لأن القانون تضمن إضافة المادة رقم 189 وتنص على أن "تتولى الجامعة التصرف في أموالها وإدارتها بنفسها، ويكون لها إنشاء الجامعات الأهلية والمساهمة في إنشائها ودعمها".  يشير ــ أيضا ــ  إلى حق إدارة الجامعة بانتداب ما تشاء من الأساتذة بالجامعات الحكومية إلى هذه الجامعات الأهلية بما يعني تفريغ الجامعات الحكومية من الكفاءات حتى تتحول إلى خرابة خلال السنوات المقبلة؛ وبالتالي يبقى التعليم المجاني لكنه تعليم رديء، بينما يتم الاهتمام بالتعليم غير المجاني.

وفي تأكيد على تصميم النظام على تدشين مرحلة جديدة في ملف التعليم الجامعي وتحويله إلى سلعة بمقابل؛ وجَّه السيسي في أغسطس 2020 باعتماد 30 مليار جنيه من أجل التوسع في بناء الجامعات الأهلية التابعة للجامعات الحكومية باستغلال الأراضي التي تملكها في المجتمعات العمرانية الجديدة. وفي سبتمبر 2020م، وجَّه السيسي  بإنشاء عشر جامعات أهلية على مستوى محافظات مصر، تتبع الجامعات الحكومية.

وبحسب وزارة البحث العلمي بحكومة الانقلاب، يوجد في مصر 72 جامعة و 217 معهدا و 11 معهدا بحثيا. وهناك 27 جامعة حكومية تمولها الموازنة العامة للدولة و37 جامعة خاصة وأهلية منها 7 جامعات مؤسسة وفقا لاتفاقيات دولية كالجامعة الأمريكية بالقاهرة والجامعة الألمانية الدولية. هذه الــ 27 جامعة حكومية، توفر خدماتها التعليمية لأكثر من مليونى طالب وطالبة يمثلون 92% من إجمالى طلاب الجامعات فى مصر. النسبة المتبقية وهى 8% تتلقى تعليمها فى الجامعات الخاصة وبلغ عددهم حسب إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى سنة 2017 حوالى 180 ألف طالب يدرسون فى 28 جامعة خاصة وأهلية مقارنة بأكثر من مليونين ومائتى ألف فى الجامعات الحكومية. كما أن هناك نحو 20 ألف طالب مصري يهاجرون من أجل الالتحاق بجامعات أجنبية شهيرة ينفقون سنويا نحو 20 مليار جنيه بخلاف العملة الصعبة وفقا لتصريحات سابقة لوزير التعليم العالي.