من إمامة المسلمين في الحرم إلى كومبارس عند تركي آل الشيخ.. هكذا ضّيع الكلباني وأمثاله ميراث الأنبياء!

- ‎فيتقارير

صدمة جديدة في السعودية، تمثلت بظهور إمام المسجد الحرام السابق عادل الكلباني في إعلان ترويجي للمرة الثانية لـ"موسم الرياض"، ما أثار موجة من الأسى والحزن والألم في نفوس المسلمين من مشارق الأرض إلى مغاربها، على ما آل اليه حال ما كان يظنهم الناس دعاة ومصلحين وورثة للأنبياء، وفوق ذلك شيوخا أجلاء يحترمون مقام الحرم.

وبدت الإطلالة الجديدة لـ"الإمام الكومبارس" مستوحاة من المسلسل الأمريكي الشهير "صراع العروش Game Of Thrones"، وأطل الكلباني بشكل مثير للغثيان بثياب من العصور الوسطى، وهو يقف على ربوة ليرقب تشكل عاصفة في الأفق مرددا عبارة "هبت هبوبها".

 

الدين والسلطان

قبل المهزلة الدائرة الآن في السعودية مرت العلاقة بين الشيوخ والسلطان بعدة منعرجات ما بين التنازع والتعاون والجفاء، إلا أن الحقيقة التي أدركتها الشعوب كما النخب، أنه بصلاح العلماء والأمراء تصلح أحوال الرعية وبفسادهم يفسد الناس.

تاريخيا، نشأت العلاقة بين العلماء والسلاطين بعد حقبة الخلفاء الراشدين الأربعة، وتحديدا في فترة الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز الذي بدأ ولايته على الحجاز بتأسيس مجلس للشورى، سماه "مجلس فقهاء المدينة العشرة"، وأيضا من خلال نصح وإشارة العالم رجاء بن حيوة على الخليفة سليمان بن عبد الملك بتولية ابن عبد العزيز من بعده.

تغيرت هذه العلاقة مع مرور الوقت، ووصلت إلى حد الجفاء والتنازع، فضيق الحكام على العلماء واستهدفت آلة استبدادهم الفقهاء ورجال الدين، فأخمدوا أصواتهم ولاحقوهم بسبب عقيدتهم وأفكارهم، حيث سجن الإمام أحمد وعذب وجلد في زمن المعتصم بالله الذي ناصر المعتزلة وأعلى من شأنهم.

وفي زمن الخلافة العباسية والأموية فُتن العلماء ورجال الدين، فمنهم من صمد أمام إغراءات الملوك والسلاطين، ومنهم من سقط إما خوفا من بطشهم وإما طمعا في عطاياهم، وبرز في تلك الفترة مواقف لعلماء قالوا كلمة حق في وجه السلطان، منهم سفيان الثوري والأئمة الأربعة بمواقفهم الجريئة من حكام عصورهم، والتي تظهر هيبة العلماء وانحيازهم إلى دينهم وأمتهم.

وبعد إسقاط الخلافة العثمانية انسحبت جيوش دول الاحتلال بريطانيا وفرنسا بعد تفكيك دولة الخلافة إلى دويلات تحت مسمى "الدولة القومية"، ووضعت على رؤوس تلك الدويلات عملاء وتوابع لهم ألقاب ملوك وأمراء وجنرالات ورؤساء، وحدث تأثيرا بالغا على ملامح العلاقة بين العلماء والحكام، خاصة أن أغلب هذه الدول التي قامت عقب خروج الاستعمار الفرنسي والإنجليزي ورثت تركة المحتل الثقافية والسياسية، واستعارت الأنموذج الغربي للمؤسسات وهياكل الدولة.

هذا النمط المستورد شكل تهديدا لوجود المؤسسة الدينية التقليدية ولأدوار العلماء التي عرفتها المجتمعات الإسلامية لقرون، حيث عملت دويلات الاحتلال الحديثة على استقطاب واستعمال فئة الفقهاء الذين طالما استأثروا تاريخيا بوظيفة التشريع، كما سيطرت على الأوقاف التي شكلت مصدرا مهما في استقلالهم، وألغت التعليم الديني وظهر شيوخ السلطان.

أفرزت "دويلات" ما بعد سقوط الخلافة العثمانية وانسحاب جيوش الاحتلال الغربي وبقاء مصالحها عبر الحكام الوكلاء، طبقة أسوأ بكثير من كهنوت العصور الوسيطة في أوروبا، طبقة تأكل بدينها، وتضعه في خدمة دنياها، وتعين رجال الدنيا على البطش والظلم، وتغلف أفعالهم بقالب شرعي، مسوغا دنيويا وأخرويا، هؤلاء ليسوا رجال دين بالمفهوم السائد فحسب، بل هم جلادون وقتلة ومتآمرون على الدين والدنيا، وذنبهم مضاعف، فهم أسوأ من المستبد نفسه الذي يعينونه.

ويُشير مصطلح شيوخ السلطان إلى نوع من الشيوخ والعلماء الذين سخروا معرفتهم ومكانتهم لخدمة الحكام طمعا في عطاياهم أو خوفا من بطشهم، وقد ورد ذم هذا السلوك لدلالته على إيثار الدنيا على الآخرة وتقديم رضا المخلوق على رضا الخالق، فأخرج أبو عمر الداني في مؤلفه "الفتن" أنه "لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وكنفه، ما لم يمالئ علماؤها أُمراءَها".

وفي مقدمة شيوخ السلطان بمصر الداعية خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والذي برر تأييده للظلم والانقلاب والديكتاتورية في مصر، بأنه اتباع لأمر الله تعالى، مؤكدا أن من يُطلق عليهم وصف "شيوخ السلطان"، ليس عيبا، بل هو أمر الله باتباع الحاكم والرئيس، مستدلا بآية كريمة.

وزعم الجندي أن هناك جماعة ترسخ بالمجتمع أن طاعة الأمير إثم، وإننا طبالون ومنافقون، ويريدون وضع المؤمن بحالة تمرد على قيادته ورئيسه وملكه، مضيفا لو قلنا إننا "نسمع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وندين له بالطاعة، يقولون، منافقين وطبالين، أمال عايزين ندين لمين؟

 

دعاة ضد الظلم 

وظهر شيوخ السلطان سواء في مصر أو السعودية مع أحداث 3 يوليو 2013 وانقلاب السفاح السيسي على الرئيس الشرعي المنتخب الشهيد محمد مرسي، انقلبت مملكة آل سعود مع صعود السيسي بانقلاب عسكري وعرضت تعويض أي مساعدات تمنع عن القاهرة، وعملت على الترويج لجواز الخروج عن الحاكم في تعارض مفضوح مع سياستها المعهودة.

وفي مقابل شيوخ السلطان تمسك نفر غير قليل من العلماء والدعاة الربانين بحبل الحق رغم موجات الظلم العاتية، ومن هؤلاء وفي مقدمتهم الشيخ فوزي السعيد، كان من أبرز المشاركين في ثورة 25 يناير 2011، وفي مظاهرات "محمد محمود"، مطالبا القوى السياسية بالتضامن مع الثوار ضد قمع قوات الداخلية والجيش، مهاجما بطش المجلس العسكري.

السعيد عارض انقلاب يوليو 2013، وشارك في اعتصام رابعة العدوية، بعد الغدر بالرئيس الشهيد محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا بالبلاد.

وفي 10 أغسطس 2013، قبل 4 أيام فقط من فض اعتصام رابعة، وصف الشيخ فوزي السعيد، السفاح السيسي، من فوق منبره: بـ "الخائن الأكبر، وألد أعداء الإسلام على الأرض"، قائلا "الأموال التي يدفعها ملك السعودية للانقلاب مسروقة من مصر".

وأضاف "إسرائيل لا تتمنى أكثر من أن ينشغل الجيش المصري بالأوضاع الداخلية فتطمع فينا"، رافعا أكف الضراعة بالدعاء: "اللهم عليك بخونة الدعاة والمشايخ.. اللهم أخرس الصامتين واقتل المُخذّلين.. اللهم إنا نسألك بأن تعيد إلينا ولي أمرنا".

وبسبب موقفه الرافض للانقلاب، تم اعتقاله من منزله في 5 يوليو 2014، وأُودع في سجن العقرب شديد الحراسة، سيء السمعة، وبعد 4 أيام من حبسه في العقرب، نقل إلى العناية المركزة بعد تدهور حالته الصحية، ولم يتم الإفراج عنه إلا في 23 مارس 2016، وابتلي بوفاة ابنته عام 2015 أثناء حبسه.

وفي العام 2016، تم إخلاء سبيل السعيد، وتدهورت حالته الصحية بشدة بعد اعتقاله على مدار عامين، حيث أُصيب بعدة أمراض منها، السكر، وقصور الكلى، وضغط الدم المرتفع، واضطرابات القلب، ثم أُصيب بالفشل الكلوي، وكان يعيش بربع كلية فقط، وظل متأثرا بمرضه حتى وفاته صابرا محتسبا مسجلا على صفحات التاريخ كلمة حق عند سلطان جائر.