«25 يناير».. المبدأ والمبتدأ

- ‎فيمقالات

ستظل ذكرى «ثورة 25 يناير» وموسم الربيع العربى علامة فارقة فى تاريخ الأمة، ولن تنطفئ شعلة تلك الثورة حتى ينجلى الاستبداد والفساد عن دول وممالك العرب، أما الذين يراهنون على استقرار الأوضاع لأنصار الثورات المضادة فهم كمن يراهن على استقرار الهواء فى الكيس المثقوب، إن هى إلا أضغاث أحلام، أما الحقيقة التى نراها رأى العين فهى أن الشعوب ستتمكن كيوم تمكنها فى «يناير الخير»، وسيُقهر المستبدون ويولون الدُبر.

والحديث ليس حديث تخدير كما يظن البعض، بل هو نظرة للواقع المُعاش، وتقييم للحالة المصرية/ العربية، ورصد لما كان وما يُتوقع أن يكون.. نعم نجحت الثورات المضادة فى كبح ثورات الشعوب، بالسلاح والمؤامرة، لكنها لم تحسم أمرها فى أىٍّ من البلاد التى استولت عليها بمساعدة الغرب والشرق وبما ينافى الأعراف الأممية والدينية والقومية؛ ذلك لأن الثورة لا زالت متوهجة فى الصدور، ولا زال هناك عزيمة وإصرار على استرداد الحرية والكرامة، ولا زالت -بعد مرور إحدى عشرة سنة- المعارك قائمة بين الطرفين؛ فى ليبيا وسوريا والسودان واليمن وتونس، أما «المحروسة» فهى ليست أحسن حالًا من هؤلاء، بل الأسوأ فى اعتقادى، فى ظل الفشل المزرى للنظام الذى يعيش على السُلف والقروض وسط غضب شعبى كبير، ولولا المساندة والإسعافات الصهيونية والخليجية والدولية العاجلة وقبضته الحديدية لسقط منذ زمن.

إن «25 يناير» كانت المبتدأ، وستليها جولات وجولات حتى يسقط الطغيان، وهى ليست نهاية الشوط كما يعتقد البعض.. ذلك أن الأجواء التى صنعت هذه الثورة لا زالت قائمة لم تتبدل، بل زادت بشكل كبير وزاد معها فُجر المستبدين وأذنابهم. اشتعلت الثورة فى ذلك اليوم بسبب ديكتاتورية الحاكم، وإرهابه لشعبه، وبعد عقود من القمع تحت مظلة الطوارئ؛ وللتبعية الذليلة لأمريكا والصهاينة والغرب؛ ولأن مؤسسات الدولة وأجهزتها الحسّاسة كانت مسخَّرة لخدمة الحاكم الفرد الذى لم يسمح بمجرد النقد أو الاعتراض على ما يفعل، كأنه إله أو نبى مرسل؛ ولأنه أورث البلاد والعباد الفقر والبطالة فى حين تضخمت ثروته التى أودعها فى الخارج، وانتفخت جيوبه وجيوب أبنائه وزمرته؛ ولأنه كان محاربًا لدين الله، كارهًا لهوية الشعب، عازمًا على ألا تبدو مصر إسلامية.

والناظر إلى الواقع الآن يرى النظام الحالى أبشع من الذى قامت عليه الثورة، بل زاد عليه كِبره وفُجره وغروره، فلا زال التخريب مستمرًّا، ولا زال «الفساد للرُكب»، وليس هناك ما يسمى «الحياة السياسية»، وهناك عبث بالدستور، واستهانة بالقانون، وقد أغرقوا مصر فى الديون، وهناك بيع لمقدرات البلد واختراق للأمن القومى؛ إذ فرطوا فى النيل، وفى «تيران وصنافير» وفى غاز وجزر المتوسط، وفى الحدود الشرقية وقضية فلسطين، وضيَّعوا دور مصر الإقليمى فبدت صغيرة قصيرة إذا قالت لا يُسمع لها.

إن هذا يعنى أن الأجواء معبأة بالثورة، وما يمنعها هو الإجرام الذى لا يخفى، بل لا أبالغ إذا قلت إن تلك الأجواء مشحونة بأضعاف ما كان عليه الناس صبيحة «25 يناير»، فحينها لم تُهدم بيوت الناس على رءوسهم، ولم تُهدم مساجد، ولم تُصادر أموال، ولم يكن هذا الغلاء الذى قصم ظهور الخلق، ولم يكن ذلك البلاء الذى حلّ ضيفًا على المحروسة فلم يستثن بيتًا من بيوتها ثم لا يجد الناس ما يُعالجون به فيموتون قهرًا وكمدًا.. ولم يكن هناك عشرات الآلاف فى السجون، ولم يكن هناك قتلى بالآلاف خلّفوا ذوى دم بالملايين، خصوصًا أن جرائم القتل كانت بشعة وبأيدى من يُفترض أنهم يحمون أرض الوطن وحدوده.

و«25 يناير» هى المبدأ الذى لن يتخلى عنه أصحابه، وهم الغالبية، ومن ذاق عرف؛ من ذاق طعم الحرية مستحيل أن يفرط فيها، ومن ذاق طعم الكرامة لن يقبل أبدًا بذُلٍّ أو تهميش، مهما كانت الضريبة، ولقد رأينا المئات يفضلون الموت بإباء على الحياة بذُلٍّ إثر تنازل أو استسلام، مؤكدين أن الثورات ليست بالتمنى، بل بالتضحية والصبر والفداء؛ ولأنهم رأوا أن تلك هى معركة الوعى الفاصلة التى إن رُفعت فيها الرايات البيضاء -لا سمح الله- فسوف يخسر الجميع، ولن يحدث التطهير الذى تأمله الشعوب، وسيضيع حلم الأجيال فى بلد نظيف تظلله أشجار الحرية والعدالة.