تفرض البلطجة نفسها على الشارع المصري لتروع الآمنين بالخطف والقتل والسرقة والنهب دون حساب. وفي سياق هذه البلطجة جاءت جريمة سفاح الإسماعيلية، حيث استيقظت محافظة الإسماعيلية ذات يوم من أيام العام 2021، على حادث قتل بشع بعدما أقدم شاب على ذبح سمكري سيارات، وفصل رأسه عن جسده وقام بالتمثيل بجثته، ثم أصاب اثنين من المواطنين خلال مرورهما بمسرح الجريمة في تقاطع شارع بحري وطنطا بحي ثان الإسماعيلية.
وعلى نفس الإيقاع تم قتل الشاب «صادق» في منطقة الخصوص علي يد مجموعة من البلطجية، وصادق ينتمي إلى أسرة بسيطة الحال، الأب عامل بسيط والأم ربة منزل، لا مكان للرفاهية، بل يسعون لتوفير متطلبات الحياة اليومية فقط، ليقرر دخول معترك الحياة مبكرا، حتي يريح والده الذي تقدم في السن من عناء ومشقة العمل، فمع الضوء الأول للشمس يخرج الابن البار، بحثا عن لقمة العيش في الشوارع والميادين أملا في توفير بضعة جنيهات يعود بها لعائلته في المساء، ثم الخلود إلى النوم لأخذ قسط من الراحة يمنحه القدرة على مواصلة العمل في اليوم التالي، لكنه لم يتخيل أن الفصل الأخير من حياته سيكتب علي يد مجموعة من البلطجية بعدما تعدوا عليه بالضرب بأسلحة نارية وبيضاء، في مشهد مأساوي أضحى حديث أهالي منطقة الخصوص التابعة لمحافظة القليوبية.
حمدي زيان
داخل حجرة صغيرة في منزل بسيط جلست السيدة «عصمت» وسط سيدات متشحات بالسواد، تجفف دموعها حزنا على فقدان نجلها الذي قتل غدرا لتروي تفاصيل الواقعة قائلة "إحنا ناس عايشين في حالنا وحياتنا كلها بنجري وراء لقمه العيش بالحلال، وكل ولادي ربيتهم على كده ومنهم، صادق- المجني عليه- وشهرته أحمد، كان شابا محترما وملوش في المشاكل، شال عننا الحمل وتحمل مصاريفنا وعلاج والده، مستطردة، حياتي جحيم من غيره وقلبي كل يوم بيتقطع عليه" .
وأضافت الأم باكية، في عام 2014 تزوج وربنا رزقة بثلاثة أطفال أكبرهم يدرس بالصف الأول الابتدائي، وكان الله يرحمه شغال في الخردة، بيجمع خردة وحديد يخرج الصبح ويرجع بالليل يشوف طلباتي، ويقولي متشليش هم أي حاجة يا أمي .
وتابعت، في شهر فبراير الماضي، وقعت مشادة كلامية بين ابني وبين أفراد عائلة أخرى كبيرها شخص يدعى حمدي زيان، وهم من ذوي النشاط الإجرامي، وحينها تعدوا بالضرب عليه مستخدمين أسلحة بيضاء، وتدخل عقلاء المنطقة، تم الصلح بينهما ورفض ابني أخذ المبلغ الذي حدده كبار المنطقة، وقال لهم "أنا عفوت لوجه الله على أن يلتزم كل طرف بالورق الذي تمت كتابته بيننا".
وأوضحت، جرت الأمور طبيعية حتى نهاية شهر ديسمبر الماضي، حيث توجه نجلي كعادته لجمع الخردة، وبمجرد مروره أمام أرض حمدي زيان، وجد الخفير يسد الطريق فطلب منه نجلي التوسعة حتي يمر، فتطاول عليه الخفير محدثا إياه "أنت إيه اللي جابك هنا، ومتعديش من هنا تاني" وبمجرد دخوله أحد المنازل لرفع البضاعة خرج فوجد حمدي زيان وأسرته حضروا بعدما اتصل بهم الخفير.
وتابعت الأم، خلال ثوان تبدلت الأجواء، بعدما أمسكت أسرة حمدي زيان بنجلي وتعدوا عليه بالضرب بسلاح أبيض، حتي سقط على الأرض غارقا في دمائه، ومنعوا الأهالي من إنقاذه، وبعدها طلب حمدي زيان من نجله أن يطلق النار على نجلي وهو ملقى الأرض، فأطلق عليه الرصاص، وبعد محاولات نجح أحد الأهالي في نقله على دراجة بخارية إلى المستشفي وبعد أيام فارق الحياة متأثرا بجراحه.
وواصلت، دول ناس بلطجية حرموني من نور عيني، وأنا عايزة حق ابني، حمدي زيان وابنه عماد لسه هاربانين ولن يريح قلبي سوى إعدام المتهمين .
مشاكل اقتصادية وجهل
حول هذه الجرائم قال الدكتور وليد هندي، استشاري الطب النفسي، أن تزايد أعداد هذه الجرائم يرجع إلى عدة أسباب من أهمها، نمط التنشئة الاجتماعية الخاطئ، والعنف في التربية، والإحباط والضغوطات، وتعاطي المخدرات.
وقال "هندي" في تصريحات صحفية إن "من أهم الأسباب أيضا ممارسة العنف أمام الأطفال والنشأة في بيئة ليس لديها ثقافة الحوار".
وأضاف عندما يكبر هذا الشخص ويتزوج، فإنه يقوم بعمل إعادة إنتاج لهذا السلوك ويمارس العنف على كل من حوله من ضرب وحرق، معتقدا أن هذا هو السلوك الأمثل للتعبير عن الغضب، ويتطور الأمر إلى القتل.
ولفت "هندي" إلى أن هناك مشاكل اقتصادية ومادية أدت إلى ضغوط نفسية، تتسبب في ارتكاب تلك الجرائم البشعة، مؤكدا أن أغلب مرتكبي الجرائم مستواهم التعليمي منخفض، أو نتاج مدارس لا يوجد فيها أنشطة ولا تدريس بصورة تساعد على تقويم السلوك لتجعل الطالب كائنا إنسانيا مرتبطا بالمجتمع، وهذه الجرائم ينفذها أشخاص لديهم اضطراب في الشخصية، شخصية عدوانية بطبعها تستعين بالعنف ويقتلون بدم بارد.
وحذر من أن الابتعاد عن الدين والجهل بتعاليمه يؤدي إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، أفقدت الإنسان الكثير من المشاعر، لدرجة أننا نرى حالات مثل أب يقتل ابنه لأنه يبكي باستمرار .
دور المخدرات
وأكد الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي أننا نواجه انحدارا أخلاقيا بسبب القصور في تنشئة الأجيال التي تكبر على محتويات تشجع العنف والبلطجة ، والانحدار الأخلاقي والقيمي والتفكك الأسري محذرا من أنه إذا لم يتم وضع خطة للارتقاء بالمستوى الفكري والأخلاقي للمجتمع سنشهد ما هو أبشع من هذه الجرائم.
وأرجع أسباب انتشار هذه الجرائم البشعة إلى عدة أسباب منها المخدرات والاضطرابات الشخصية والأمراض النفسية بجانب دور وسائل الإعلام والمجتمع .
وقال فرويز في تصريحات صحفية إن "المخدرات لها تأثير كبير على سلوك الأفراد، حيث تسبب بعض أنواع المخدرات الهلاوس السمعية والبصرية، ومع ظهور أنواع مختلفة من المخدرات وانخفاض أسعارها أصبحت في متناول كل الفئات وكل الأعمار، ما يتسبب في سلوكيات غير واعية، مؤكدا أن المخدرات تفقد الشخص وعيه وتجعله يتخيل أحداثا غير واقعية وتضيف له شعورا بالسعادة، وللأسف نرى الكثير من الجرائم الدموية يكون الجاني فيها تحت تأثير المخدر".
وأشار إلى أن الأمراض النفسية، تشكل عاملا كبيرا في ظهور هذه الجرائم، حيث تصل العديد من الأمراض إلى مرحلة متقدمة ويتخذ المريض قرارات وأفعالا تتسبب في جرائم، مثل الاضطراب التشككي، والذي يكون فيه المريض على قناعة تامة بوجود مؤامرة ضده ومحاولة لقتله، فيبدأ بوضع خطط دفاعية للدفاع عن نفسه.
ولفت فرويز إلى أن الهوس والاكتئاب الحاد، والفصام، وغيرها من الأمراض الخطيرة، تتطلب سرعة التدخل لمعالجتها حتى لا يتسبب المريض في ضرر سواء لنفسه أو لمن حوله.