نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا سلطت خلاله الضوء على التقارير الخاصة بشأن بدء السعودية برامج لبناء الصواريخ الباليستية بمساعدة الصين، مؤكدة أن السعودية تشعل سباق التسلح في المنطقة.
وقال التقرير الذي ترجمته "بوابة الحرية والعدالة" إنه "ظهرت أدلة جديدة على أن الصين تساعد السعودية في بناء برنامجا للصواريخ الباليستية، وعلى الرغم من ظهور تقارير أولية عن البرنامج في عام 2019، فإن القدرة السعودية على إطلاق الصواريخ بنجاح ظلت غير مؤكدة".
والآن أصبح لدينا أول دليل لا لبس فيه، كما قال باحثون في معهد ميدلبوري للدراسات الدولية لشبكة سي إن إن، "وهو أن الصين تساعد الرياض في تطوير مثل هذه القدرات، فهي تمثل نقطة تحول واضحة، ليس فقط في المساعدات العسكرية الصينية إلى المملكة العربية السعودية، بل أيضا في سباق التسلح في الشرق الأوسط، ومن المؤكد أن إيران تدرك أن هذه التطورات السعودية تمثل آثارا كئيبة محتملة على موقفها الدفاعي، ومن المرجح أن ترد طهران وفقا لذلك".
وأضاف التقرير أنه إذا كانت الصين تساعد في دفع المنطقة إلى مياه خطيرة وغير واضحة، فإنه من المهم أن ندرك أن هذه الديناميكية، قد استغرقت عقودا من الزمان في الظهور ، وأن السياسة الغربية المعزولة ساعدت في تمهيد الطريق إلى هذه المفترق الكئيب للطرق.
وأوضح أن المملكة العربية السعودية اليوم تمتلئ بأحدث الأسلحة في العالم، فالتدفق المستمر للأسلحة وخصوصا من الولايات المتحدة، فرنسا، والمملكة المتحدة جعلها أكبر مستورد للأسلحة حول العالم بين عامي 2016 و 2020، تلقت البلاد 11 في المئة من واردات الأسلحة العالمية في الواقع، وبغض النظر عما إذا كانت في حالة حرب أو سلام، يبدو أن الرد المفضل للمملكة العربية السعودية على أي تحد جيوسياسي هو عملية تسوق عسكرية.
وفي تناقض صارخ، بلغ إجمالي واردات إيران من الأسلحة خلال الفترة نفسها 0.3 في المئة من المجموع العالمي بين 2015 و 2020، تأرجح الإنفاق العسكري السنوي للمملكة العربية السعودية بين أربعة وثمانية أضعاف نظيره الإيراني.
لكن حجم الترسانة السعودية لا يقزم الترسانة الإيرانية وحسب ومن حيث الجودة أيضا، فإن تفوق المملكة العربية السعودية الجوي على إيران ليس أقل من كونه عالميا.
وأشار إلى أن خيارات إيران لحماية مجالها الجوي مقيدة بشدة وبسبب العقوبات بالدرجة الأولى، لا يمكن للبلاد إلا أن تحلم بالحصول على الطائرات وأنظمة الدفاع الجوي الأمريكية والأوروبية المتطورة التي غمرت مستودعات الأسلحة السعودية، وعلاوة على ذلك، جعلت العقوبات من الصعب للغاية على إيران إستيراد أو إنتاج قطع الغيار التي تحتاج إليها للحفاظ على تشغيل أسطولها القديم من الطائرات العسكرية، ولكن في حين تسعى إيران جاهدة للحفاظ على أسطولها من الطائرات عائمة، تمكنت المملكة العربية السعودية بين عامي 2016 و 2020 من تعزيز قدراتها الهجومية البعيدة المدى بشكل مطرد من خلال إضافة 91 طائرة مقاتلة من الولايات المتحدة و 15 طائرة من المملكة المتحدة إلى قواتها الجوية الكبيرة بالفعل. وخلال هذه الفترة، اشترت أيضا 14 نظاما إضافيا للدفاع الجوي، وفي أواخر عام 2020، شملت مشتريات الرياض من الأسلحة أيضا سبعة أنظمة صاروخية مضادة للقذائف التسيارية أمريكية، وحتى قبل هذه التطورات التسويقية الأخيرة، لاحظ أنتوني إتش كوردسمان، وهو محلل عسكري كبير يتمتع بالقدرة على الوصول إلى القيادة السعودية ، أن التوازن الجوي في المنطقة يصب بشكل حاسم في مصلحة الولايات المتحدة والبلدان العربية في الخليج الفارسي، التي تتمتع بميزة حاسمة في جودة وكمية الصواريخ جو أرض جو".
وقد أقر كوردسمان بالقيود الرئيسية على قوة وتحديث إيران لقواتها البرية والبحرية، مضيفا أن نقاط الضعف الرئيسية التي تساعد على تفسير تركيز إيران على قوات الصواريخ تكمن في افتقارها إلى القوة الجوية الحديثة والصواريخ أرض-جو، فمنذ سقوط الشاه لم تتمكن إيران من الحصول على الواردات الرئيسية من الطائرات القتالية الحديثة من الولايات المتحدة وأوروبا، أو أي من برامج التحديث التي تشكل أهمية حاسمة لتحديث طائراتها الأميركية الصنع، ولم تحصل إلا على واردات محدودة من صواريخ أرض جو ولم تتمكن من الحصول على تحديثات وأنظمة أحدث من الولايات المتحدة وأوروبا، فقد سعت إلى الحصول من روسيا على طائرات قتالية متقدمة وصواريخ أرض جو، ولكنها لم تحقق سوى نجاح رمزي ضئيل، ولم تكن مزاعمها بإنتاج البدائل حتى الآن أكثر من دعاية جوفاء، فإن رفض الغرب بيع الأسلحة التقليدية إلى إيران، مقرونا باستعداد الغرب لتسليح خصومه في إيران بلا رادع تقريبا، قد ساعد في حفز إيران على ملاحقة الصواريخ الباليستية.
ولا يغير هذا البرنامج بشكل جذري توازن القوة الجوية لصالح طهران، لكنه يزود إيران بجدار رقيق من الردع العسكري ضد القوة الجوية المتفوقة إلى حد كبير ، والموردة من الغرب التي تحاصر إيران.
ولكن في حين أن برنامج الصواريخ هو تقريبا مسألة ضرورة وجودية بالنسبة لإيران، إلا أنه من السذاجة القول بأن مثل هذا البرنامج سيحقق وظيفة مماثلة بالنسبة للقدرات الدفاعية للمملكة العربية السعودية، حتى إن الأصوات المتشددة الموالية للسعودية والتي عارضت بشدة البرنامج الصاروخي الإيراني أقرت بأن الرياض لا ينبغي لها أن تسابق إيران على إنتاج أو شراء الصواريخ الباليستية، فهي تتمتع بالفعل بميزة عسكرية تقليدية كبيرة.
ومع ذلك، إذا طور السعوديون القدرة على إطلاق وابل من الصواريخ في تعاقب سريع، وهو ما أتقنه الإيرانيون منذ فترة طويلة، فقد يكونون قادرين على إرباك الدفاعات الجوية الإيرانية، وهو ما لا يستطيعون هم ولا الإسرائيليون تحقيقه بشكل موثوق في الوقت الراهن، وبما أنه لا يوجد خطر خسارة طيارين في ضربة صاروخية ناجحة، قد تشعر القيادة السعودية بأنها أقل ميلا إلى ممارسة ضبط النفس في اللجوء إلى مثل هذه الأسلحة، مما يؤثر فعليا على عنصر أساسي في حاجز الردع الإيراني الذي تم إعداده منذ عقود.
وأكد التقرير أن وجود برنامج سعودي عملي للصواريخ الباليستية، قادر على سحق إيران بعدد كبير من الصواريخ التي تم إطلاقها في وقت قصير، من المرجح أن يعزز عزم طهران على زيادة توسيع برنامجها الصاروخي ورفض النداءات الغربية بفرض قيود، أو حتى إجراء محادثات، على برنامجها للصواريخ الباليستية.
وإذا كانت آفاق التوصل إلى اتفاق لتقييد الصواريخ الإيرانية تبدو قاتمة اليوم، فإن هذا يرجع جزئيا إلى السياسات الغربية التي أدت إلى اختلال هائل في توازن الأسلحة والتكنولوجيا في الخليج الفارسي ضد إيران.
لأكثر من أربعة عقود، دفع الهوس الأحادي النشاز مع إيران الحكومات الأوروبية والأمريكية المتتالية إلى تدليل خصوم طهران وأعدائها بالأسلحة، إلى درجة التشبع تقريبا، مع إنكار قدرات إيران الدفاعية البدائية في الوقت نفسه، والآن أصبح هذا النهج غير المتكافئ تقليدا راسخا بدأ مع الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988). خلال ثماني سنوات طويلة، حظي العراق في عهد صدام حسين بدعم عسكري واقتصادي وسياسي لا يحيد من الغرب ، وفي حين تمكن صدام من تخدير المدن والقوات الإيرانية بصواريخ باليستية وقنابل جوية ، غالبا ما كانت مزودة بعوامل كيميائية وبيولوجية ، امتلكت إيران التي تعاني من العقوبات موارد تكنولوجية أو بنية تحتية أو مالية محدودة للدفاع عن نفسها بشكل كاف أو لمنع العراق من تنفيذ هجمات مستقبلية.
ولولا التفاوت غير المتناسب في النهج الغربي أثناء الحرب، فربما لم يضطر الإيرانيون قط إلى بناء صواريخهم الباليستية الخاصة، وفي غياب برنامج صاروخي إيراني متطور، ربما لم يشعر السعوديون قط بالحاجة إلى بناء برنامج صاروخي يدعم في الوقت نفسه صناعة الأسلحة الصينية ويسهل سباق التسلح الباليستي في الشرق الأوسط الذي يقوض أهداف عدم الانتشار التي حددتها واشنطن وحلفاؤها الغربيون.
ولكن إذا كان التعاون بين الصين والمملكة العربية السعودية في مجال الصواريخ الباليستية مفيدا، فكذلك الاهتمام الذي يوليه. فبسبب تركيزها المرضي على إيران دولة من العالم الثالث ذات جيش من الدرجة الرابعة، على حد تعبير المؤرخ الشهير إرفاند أبراهاميان أصبح برنامجها الصاروخي موضع اهتمام إعلامي وسياسي طويل.
إن كل تطور بسيط في البرنامج الصاروخي الإيراني تتم تغطيته بشكل شامل ودقيق من قبل صناع القرار والخبراء والخبراء أو مناقشته أو تحليله أو ببساطة إدانته. وفي المقابل، ظلت ردود الفعل على التقرير الأخير حول نقل الصين لمثل هذه التكنولوجيا الإستراتيجية إلى المملكة العربية السعودية صامتة إلى حد كبير.
إن سعي الرياض للحصول على مساعدة صينية لبناء برنامج للصواريخ الباليستية، يكشف أيضا المغالطة في حجة غالبا ما تستخدم لتبرير مبيعات الأسلحة الأمريكية لحلفائها العرب، وإذا لم تقم واشنطن ببيع أسلحة إلى الرياض، فسوف تقوم موسكو وبكين بذلك، وفي حين أنه صحيح أنه بموجب أحكام نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف لعام 1987، يحظر على المملكة العربية السعودية شراء الصواريخ الباليستية من الولايات المتحدة، فإن البلاد تتمتع بالفعل بإمكانية الوصول إلى أكثر منظومات الأسلحة الأمريكية والأوروبية تطورا حتى الآن، ومع ذلك، لا يبدو أن هذا قد أشعل تعطش المملكة النهم إلى المزيد من الأسلحة.
لأكثر من أربعة عقود، سلحت الحكومات الغربية منافسيها إيران بالأسنان، بينما فشلت في معظمها في اعتبار أي من احتياجات طهران الأمنية مشروعة، ينبغي أن تكون خطوات المملكة العربية السعودية لبناء برنامج للصواريخ الباليستية بمثابة تذكير مقنع بالمخاطر التي ينطوي عليها هذا النهج غير المتكافئ قصير النظر تجاه أمن الشرق الأوسط.