حديث التعويم يتجدد في الأوساط المصرية

- ‎فيمقالات

بعد حديث وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قبل أسابيع عن حاجة مصر لبرنامج جديد مع صندوق النقد الدولي نظرا لاعتمادها على التمويلات الخارجية مما يجعلها عرضة لتغيرات الظروف النقدية الدولية – عاد الحديث بالأوساط المصرية عن إحتمال إجراء تعويم جديد للجنيه المصري، بخفض قيمته أمام الدولار الأمريكي.

وتعددت الشواهد التي تدفع إلى هذا الاحتمال، وأبرزها زيادة العجز بميزان المعاملات الجارية لمعدلات تقترب من فترة ما قبل التعويم أواخر عام 2016، ونقص العملات الأجنبية في المصارف المصرية، وركود رصيد احتياطيات العملات الأجنبية رغم استمرار التوسع في الاقتراض الخارجي.

فقد استمر العجز بميزان المعاملات الجارية، والذي يقيس الفارق بين موارد الصادرات السلعية والخدمية والتحويلات الرسمية والخاصة وعوائد دخل الاستثمار في الخارج من ناحية، وبين مدفوعات الواردات السلعية والخدمية وتحويلات العمالة الأجنبية بمصر وعوائد دخل الاستثمار المدفوعة للأجانب من ناحية أخرى، حيث زاد العجز من 6.3 مليار دولار عام 2018 إلى 10.2 مليار دولار في العام التالي، ثم إلى 14.2 مليار دولار في عام 2020. وفي الشهور التسعة الأولى من العام الماضي كآخر بيانات معلنة بلغ العجز 14.8 مليار دولار، أي أنه متوقع بلوغه 19.7 مليار دولار خلال العام الماضي، وهو ما يقترب من رقم 19.4 مليار دولار للعجز الذي حدث في عام 2016 عام قرار تعويم الجنيه.

عجز صافي العملات الأجنبية بالمصارف

ورغم استمرار الاقتراض الخارجي فقد بلغ احتياطي العملات الأجنبية في المصرف المركزي المصري بنهاية العام الماضي 40.9 مليار دولار، بزيادة 872 مليون دولار خلال العام، إلا أنه بالنظر لمكونات الاحتياطيات ما بين عملات أجنبية وذهب ووحدات حقوق سحب خاصة، تبين انخفاض أرصدة العملات الأجنبية بنحو 1.3 مليار دولار، ونقص أرصدة الذهب بنحو 162 مليون دولار، بينما انفردت حقوق السحب الخاصة بالزيادة بنحو 2.4 مليار دولار، وذلك نتيجة حقوق السحب التي أتاحها صندوق النقد الدولي لمصر في شهر آب/ أغسطس الماضي بنحو 2.6 مليار دولار.

وإذا كانت الاحتياطيات قد بلغت 40.9 مليار دولار بنهاية العام الماضي، فقد بلغ الدين الخارجي الخاص بالمصرف المركزي المصري وحده بنهاية أيلول/ سبتمبر الماضي 24.9 مليار دولار؛ من مجمل الدين الخارجي الذي بلغ 137.4 مليار دولار بنهاية أيلول/ سبتمبر حسب آخر بيانات معلنة، ليمثل دين المصرف المركزي الخارجي نسبة 61 في المائة من الاحتياطيات.

وبالمقارنة بين رقم الاحتياطيات ورقم متوسط الواردات الشهرية السلعية والخدمية، المعلن من قبل المصرف المركزي عن الربع الثالث من العام الماضي، فإن الاحتياطيات تغطى نحو 5.3 شهر من الواردات السلعية والخدمية.

وفي ما يخص صافي العملات الأجنبية في الجهاز المصرفي المصرفي، والذي يمثل الفرق بين الأصول والالتزمات من العملات الأجنبية، فقد شهد ذلك الصافي تراجعا في قيمته لدى المصرف المركزي، من 17.5 مليار دولار في تموز / يوليو الماضي إلى 12.4 مليار دولار في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

أما داخل المصارف المصرية بخلاف المصرف المركزي فقد كان الوضع أسوأ حالا، حيث كان صافي الأصول من العملات الأجنبية فيها قد بلغ 6.8 مليار دولار في شباط/ فبراير الماضي، وظل الرقم يتناقص خلال الشهور التالية حتى تحول إلى العجز في تموز/ يوليو بنحو 1.7 مليار دولار، واستمر ذلك العجز في الزيادة خلال الشهور التالية حتى بلغ أكثر من 10 مليارات دولار بنهاية العام الماضي.

تراجع الودائع بالعملات الأجنبية

مشهد آخر للعجز بالعملات الأجنبية في المصارف المصرية تمثل في انخفاض أرصدة تلك المصارف لدى البنوك في الخارج، من 23.1 مليار دولار في شباط/ فبراير حتى بلغت 14.1 مليار في تشرين الأول/ أكتوبر كآخر بيانات معلنة. وعلى الجانب الآخر زادت التزامات تلك المصارف تجاه البنوك في الخارج من 6.9 مليار دولار إلى حوالي ثمانية مليارات دولار في نفس فترة المقارنة.

وارتبط ذلك بانخفاض الودائع غير الحكومية بالعملات الأجنبية لدى المصارف المصرية، بفترة ما بعد تموز/ يوليو الماضي وحتى تشرين الأول/ أكتوبر، وهي الودائع القادمة من القطاع العائلي أساسا وقطاع الأعمال الخاص وقطاع الأعمال العام وقطاع العالم الخارجي.

وتمثل ودائع القطاع العائلي نسبة 68 في المائة من الإجمالي، وهي النوعية من الودائع بالعملات الأجنبية التي ظلت تتراجع قيمتها تدريجيا منذ منتصف عام 2019 وحتى تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.

ويأتي ذلك في ضوء انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد لمصر اتساقا مع انخفاضه الدولي، وتحول موقف المعونات الأجنبية إلى تحقيق عجز مؤخرا، وتأثر السياحة بمتحور أوميكرون، والحاجة لتمويل الواردات الضخمة خاصة مع ارتفاع الأسعار الدولية للوقود والمعادن والغذاء، إلى جانب الحاجة لسداد أقساط وفوائد الدين الخارجي التي تبلغ 17.9 مليار دولار خلال العام الحالي، للدين متوسط وطويل الأجل حسب البيانات الرسمية.

ويظل السؤال: هل تتجه السلطات المصرية للتعويم من جديد؟ ورأيي أن السلطات ستلجأ لوسائل عديدة بخلاف التعويم، منها المزيد من الاقتراض الخارجي سواء من الدول والبنوك الدولية والإقليمية، كما حدث مع كوريا الجنوبية واليابان ومع بنوك ألمانية وإيطالية مؤخرا، أو بطرح سندات مختلفة النوعيات، كما ستلجأ لخفض قيمة الواردات ومن ذلك تقليل دعم البطاقات التموينية ورغيف الخبز، بما يحتاجه من استيراد كميات من الزيت والسكر والقمح.

ترقب نتائج رفع الفائدة الأمريكية

كذلك فإن مؤشرات الأزمة حتى الآن تقل كثيرا عما كان عليه الحال عام 2016 قبل قرار تعويم الجنيه، فلا توجد سوق سوداء للدولار كما كان الحال قبل التعويم، رغم إدراك الكثيرين أن سعر الصرف الحالي لا يعبر عن القيمة الحقيقية للجنيه، بسبب تدخل المصرف المركزي في تحديده.

وإذا كان هناك انخفاض لأرصدة المصارف في البنوك بالخارج، فقد كان الفارق بين أرصدة المصارف المصرية والتزاماتها قبل البنوك في الخارج سالبا طوال عام 2016 كاملا. وظل الحال كذلك لمدة خمسة أشهر بعد التعويم، بينما ذلك الفارق ما زال موجبا منذ بداية عام 2019 حتى بيانات تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

كما أن ملامح الأزمة يمكن أن تظهر مع رفع الاحتياط الفيدرالي سعر الفائدة في آذار/ مارس القادم، مع خروج استثمارات الأجانب من الأسواق الناشئة ومنها مصر، وهنا ربما تلجأ السلطات المصرية لرفع سعر الفائدة لإبقاء جانب كبير من الأموال، إلى جانب محاولة الاستفادة من إعادة إدراج مصر بمؤشر جي بي مورجان للسندات والسعي للإدراج بمنصة يوروكلير.

وكذلك تأجيل سداد أقساط بعض الديون خاصة الخليجية، في ضوء ارتفاع أسعار النفط والغاز، بل وربما تطلب أموالا إضافية منهم كما حدث مع السعودية في أيلول/ سبتمبر الماضي. وأتصور أن خطر الحوثيين على الإمارات والسعودية سيكون في صالح استرضائهما للنظام المصري لما لديه من قدرات عسكرية، ولو من باب التدريب أو نحو ذلك من صور التعاون.

ولهذا يحتاج الأمر لبعض الوقت حتى تتضح آثار رفع الفائدة في الأسواق الأمريكية والأوروبية، والإجراءات التي ستتخذها السلطات المصرية نحو ذلك، والتي نتوقع ألا يكون قرار التعويم من بينها خلال الأجل القصير لأسباب سياسية واجتماعية، فمن غير المتصور أن يسبق التعويم افتتاح العاصمة الإدارية الجديدة لدواعٍ شعبية.

……………

نقلا عن "عربي 21"