قالت منصة "أحوال مصرية" في ورقة بحثية نشرتها عبر فيسبوك إن "أسبابا اقتصادية وسياسية تقف وراء هجرة ملايين المصريين إلى الخارج، لافتة إلى مؤشرات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فإن أعداد المهاجرين المصريين قد تجاوزت 10 ملايين نسمة، يتركز 70% منهم في دول الخليج، وبالأخص في السعودية والكويت والإمارات، ثم يأتي بعد ذلك الأردن ولبنان، فضلا عن كثافة الهجرة المصرية بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا، إضافة إلى الشتات المصري الموجود بغرب وجنوب غرب أوروبا".
وقالت "أحوال مصرية" في ورقة بعنوان "الهجرة المصرية للخارج الدوافع والأسباب" إن "الفئات الأكبر من المهاجرين بين أعمار 18-25 و40-44، كما أن 60% من المهاجرين المصريين يشتغلون في أعمال مهنية وتقنية تساهم في الإنتاج بشكل مباشر داخل الدول المضيفة".
دوافع هجرة المصريين؟
وأشارت الورقة إلى أن الدوافع السياسية للهجرة، كانت تشكلت بعد ثورة يناير 2011 عاد العديد من الشباب ورجال الأعمال إلى مصر ليبدأوا مشاريعهم من جديد متطلعين إلي بيئة أكثر انفتاحا واستقرارا، مضيفة أنه بعد انقلاب 2013 حدثت نقاط تحول، حيث لم يدم مناخ 25 يناير كثيرا ، فقد زاد عدد المهاجرين بين الأعوام 2013-2017 بنحو 3.5 مليون مهاجر نتيجة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني.
وأوضحت أن "التوتر الواضح في حالة حقوق الإنسان وضعف المشاركة السياسية عمل على وضع فئة كبيرة من المصريين وأكثرهم من فئة الشباب، أمام خيار الهجرة للتعبير عن آرائهم في حرية بعيدا عن الاعتقالات والتهديدات الأمنية".
دوافع اقتصادية
وعن الدوافع الاقتصادية، تأتي في مقدمة الأزمات الاقتصادية معدلات البطالة العالية وخاصة بين فئة الشباب التي وصلت 15 % والفقر وأزمة التعيينات بين حديثي التخرج وعدم تكافؤ الفرص بين أصحاب الخبرات وأصحاب العلاقات والمحسوبيات، هذا إضافة إلى انخفاض الأجور داخل بعض القطاعات الاقتصادية خاصة مع تفاقم أزمة كرونا، وزيادة معدلات احتكار للعديد من القطاعات الاقتصادية عن طريق الجيش، فضلا عن غياب الخطط التنموية للحكومة المصرية والتي لا تعمل على دمج الشباب، بل تتبع سياسات تحيزية وإقصائية.
تكافؤ الفرص
وأشارت الورقة إلى أن المؤثر الاجتماعي، تمثل في الصراع الطبقي داخل المجتمع، فإنه يعد محورا هاما ومركزيا لفهم دوافع هجرة المصريين، فقد بلغت نسبة الفقر ما يقارب 30% عام 2019-2020، إضافة إلى تفاقم الاستقطاب المجتمعي والذي وضع المجتمع المصري بين شعبي الأغنياء والفقراء، مع غياب للطبقة المتوسطة، وكما يقول جلال أمين في كتابه "ماذا حدث للمصريين؟" فإن موجات الهجرة التي قصدت الخليج في القرن الماضي كانت تهدف لتحسين المكانة المادية والرمزية داخل الحراك الاجتماعي، وهذا يعني أن المهاجرين قصدوا بلدان المهجر لتحسين مكانتهم الطبقية داخل بلد المنشأ، وهذا هو النمط الأكثر انتشارا بين المغتربين المصريين في دول الخليج.
شبكات هجرة
ولفتت الورقة إلى أن شبكات الهجرة داخل المجتمعات المضيفة، تعد محفزا هاما لاستقطاب المزيد من موجات الهجرة، والمقصود بالشبكات هم المهاجرون القدامي والأقرباء والمجتمعات المستقرة، مثل الجاليات الطلابية في الخارج والجمعيات، حيث تعمل علي جذب وتوفير فرص عمل للموجات الجديدة، خاصة في حال قدوم الموجات الجديدة بطريقة غير شرعية عبر سماسرة الأمل.
تهاون رسمي
وسلطت الورقة الضوء على الدور المصري في مشكلات العاملين بالخارج ووصفته بالمتهاون، وقالت إنه "ضعيف في الحفاظ علي حقوق المصريين المغتربين، وخاصة الطبقات الفقيرة وغير الماهرة ، وهو ما يبرز عند النظر إلي حالات الاعتداءات الجسدية واللفظية التي يتعرض لها العمال المصريون في السعودية والكويت".
تقرير 2019
وفي 2019، قالت نبيلة مكرم، وزير الهجرة بحكومة الانقلاب أن الـ10 مليون كان تقديرا لعدد المهاجرين المصريين في 2010، وأن العدد الآن يتراوح بين 13 إلى 14 مليون مواطن.
وحققت التحويلات المصرية نسبة زيادة في عام 2019، حيث بلغت 7.8 مليار دولار في السنة المالية 2008-2009، احتلت الولايات المتحدة الأمريكية النسبة الأكبر فيها بـ29.1% تليها الكويت بـ20.4%، ثم الإمارات بـ17.7%، والسعودية بـ12.5%، وارتفعت خلال 10 سنوات لتصل إلى 25.5 مليار دولار، كانت حصيلة تحويلات المصريين بالخارج.
ما بين 2009 و2019 تذبذبت تحويلات المصريين، إذ بلغت في العام المالي 2009-2010 نحو 10.5 مليار دولار، لترتفع في 2010-2011 إلى 12.5 مليار دولار.
في سنوات ما بعد 30 يونيو تراجعت تحويلات المصريين بالخارج حتى تحرير سعر الصرف في نوفمبر من العام 2016، إذ بلغت 18.3 مليار دولار، عام 2015، ثم 18.7 مليار دولار، في 2016.
وحسب جهاز التعبئة العامة والإحصاء يتركز المصريون في الخارج بنسب متفاوتة 6.2 مليون مصري في الدول العربية، و1.6 مليون في الأمريكتين، و1.3 مليون في أوروبا، و47 ألفا في إفريقيا، و14 ألفا في آسيا.
أبعاد خطيرة
وكما تحمل الهجرة عناصر العملة الصعبة إلا أنها أيضا يكمن في طيها أمور خطيرة فبحسب "مجلة أفق التابعة لمؤسسة الفكر العربي" أشار مقال للأكاديمي التونسي أنور الجمعاوي، حول أزمة هجرة العقول والمفكرين العرب إلى أن أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي، يعملون في الدول المتقدمة من بينهم 450 ألف عربي من حملة الشهادات العليا المشتغلين في أمريكا وأوروبا.
وأن الدراسات تشير أن 54% من الطلاب العرب الذين يهاجرون لمواصلة دراساتهم الجامعية في الغرب يرفضون العودة إلى بلدانهم الأصلية.
وأضاف أن عدد الأساتذة الجامعيين العرب المهاجرين يقدر بـ 284 ألفا في مجال العلوم الهندسية والتطبيقية، و179 ألفا في مجال العلوم الحيوية والزراعية، و152 ألفا في مجال العلوم التجريبية والعلوم الصحية، و136 ألفا في مجال العلوم الإدارية، بحسب إحصاء لمركز الخليج للدراسات في 2004.
وأشار إلى أن مؤشر هجرة الأدمغة الصادر عن البنك الدولي سنة 2008، قال إن "الدول العربية الثماني التي تتصدر طليعة البلدان الطاردة للعقول المبدعة هي مصر وسوريا ولبنان والعراق والأردن وتونس والمغرب والجزائر، ويسهم الوطن العربي بنحو 31% من مجموع الكفاءات والعقول التي تهاجر من البلدان النامية نحو الأقطار الغربية، كما أن نحو 50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء العرب يفضلون الهجرة على البقاء في بلدان المنشأ العربية.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا تستقطب 75% من العقول العربية الإبداعية المهاجرة، لذلك لا غرابة أن تفيد بعض الإحصائيات بأن 12% من بلدان العالم تستحوذ على 95% من العلماء.
وفي يوليو 2015 صدر تقرير عن أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في مصر قال إن "أكثر من 450 ألف مصري، من أصحاب الشهادات العليا اتجهوا قِبلة الغرب خلال الخمسين سنة المنقضية، وأصبح 600 من بين هؤلاء المبدعين المصريين المهاجرين من أبرز العلماء المتألقين في الغرب في اختصاصات دقيقة ونادرة من قبيل علم الفضاء، والنانو تكنولوجيا، وعلوم البحار، والهندسة المعمارية الصديقة للبيئة".