اعتاد السيسي كقائد للانقلاب العسكري بمصر مخالفة القوانين والدساتير والمواد التي يفصلها هو لنفسه كدستور، في العديد من المواقف والقرارات والسياسات، بلا أي رقابة من أي جهة وبلا أية محاسبة أو مراجعة، وغالبا ما تكون مخالفة السيسي لقوانينه المفصلة عليه لأهداف أخرى، قد تتعلق بقطع الطريق على حراك قانوني أو دستوري أو تململ ما داخل نظامه الهش، أو كابتزاز داخلي أو خارجي لقوى يريد اصطفافها لجانبه، في ظل فقدان نظامه توازنه السياسي والشعبي.
ومؤخرا، أدى المستشار بولس فهمي إسكندر 65 عاما اليمين الدستورية أمام السيسي، كأول قاض مسيحي يرأس المحكمة الدستورية العليا في البلاد منذ إنشائها عام 1969، وذلك بدرجة وزير اعتبارا من 9 فبراير الحالي.
وقرر السيسي إحالة رئيس المحكمة السابق، المستشار سعيد مرعي إلى التقاعد نظرا لظروفه المرضية، اعتبارا من 8 فبراير وضم المدة الباقية على بلوغه سن المعاش (70 عاما) إلى خدمته بصفة استثنائية، علما أنه يبلغ من العمر 67 عاما، وكان من المقرر أن يبلغ سن التقاعد في أغسطس 2024. وتوفي عقب أيام من قرار استبداله.
وبذلك تجاوز السيسي أقدم ثلاثة أعضاء في المحكمة الدستورية العليا، وهم المستشارون محمد خيري طه، وعادل عمر شريف، ورجب عبد الحكيم سليم، إذ أن بولس هو رابع أقدم قضاة المحكمة حاليا.
واستند السيسي في قراره إلى القانون رقم 78 لسنة 2019 بتعديل طريقة اختيار رئيس المحكمة الدستورية، والذي منح رئيس الجمهورية الحق في تعيين رئيس المحكمة الدستورية من بين أقدم خمسة نواب لرئيسها، من دون ترشيح من المحكمة، أو التقيد بمبدأ الأقدمية.
فيما نص قانون السلطة القضائية في مصر على أنه "في حالة وجود عجز كامل يمنع القاضي عن أداء عمله، يتم تشكيل لجنة رباعية من الأطباء لفحص الحالة، وإعداد تقرير عنها، ويُحال القاضي إلى المعاش بقرار جمهوري يصدر بناء على طلب وزير العدل، وبعد موافقة مجلس القضاء الأعلى".
قضم استقلالية القضاء
ومنذ انقلابه العسكري، دهس السيسي كل قيم استقلالية القضاء أو احترام السلطات، كاسرا أية قواعد مهنية أو عملية ناظمة للسلطات القائمة بالبلاد.
وعمد السيسي إلى إحكام قبضته على جميع الهيئات والجهات القضائية، بما في ذلك المحكمة الدستورية العليا، بموجب تعديلات الدستور عام 2019، وما صاحبها من تعديلات على قوانينها، مانحا نفسه الحق في الاختيار من بين أقدم أعضائها، عوضا عن مبدأ الأقدمية الراسخ في القضاء المصري.
من خارج المحكمة
وعُين بولس بقرار من الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك عضوا في المحكمة الدستورية عام 2010، ثم خرج من تشكيلها بموجب أحكام دستور 2012، عائدا إلى منصب رئيس بمحكمة استئناف القاهرة، غير أنه تولى منصب رئيس المحكمة الدستورية بقرار من الطرطور المؤقت عدلي منصور عام 2014، بعد نحو عام من انقلاب الجيش على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، الرئيس الشهيد محمد مرسي.
وعمل بولس مستشارا فنيا لوزير العدل، ومساعدا للوزير لشؤون التنمية المالية والإدارية، ورئيسا لمحكمتي جنوب القاهرة وحلوان الابتدائيتين، وأثار قرار تعيينه رئيسا للمحكمة الدستورية حالة من الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره مرشحا لتولي منصب رئيس البلاد في حالة خلو المنصب، في دولة ينص دستورها على أن الإسلام دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع.
وتنص المادة 160 من الدستور المصري على أنه "إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لسلطاته، حل محله نائب رئيس الجمهورية، أو رئيس مجلس الوزراء عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية أو تعذر حلوله محله، وعند خلو منصب رئيس الجمهورية للاستقالة، أو الوفاة، أو العجز الدائم عن العمل، يُعلن مجلس النواب خلو المنصب، ويباشر رئيسه مؤقتا سلطات رئيس الجمهورية؛ فإذا كان مجلس النواب غير قائم، تحل الجمعية العامة للمحكمة الدستورية، ورئيسها، محل المجلس ورئيسه، فيما تقدم".
والمحكمة الدستورية هي المحكمة العليا في مصر، ومهمتها مراقبة تطابق القوانين مع مواد الدستور، وإلغاء القوانين التي تخالف نصوصه ومواده.
وهي هيئة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتُؤلف من رئيس ونائب أو أكثر للرئيس وعدد كاف من المستشارين، وأحكامها نهائية لا يمكن الطعن فيها بأي طريقة من طرق الطعن.
ويذهب بعض المراقبين إلى تجاوز السيسي أقدم القضاة وصولا إلى بولس، كرسالة ابتزازية للغرب نحو استرضائه على سياسات الغشم العسكري والسياسي والحقوقي التي يتبعها السيسي بمصر خلال الآونة الأخيرة، ضاربا بتوصيات المؤسسات الداخلية والخارجية عرض الحائط، نحو تهدئة للأوضاع السياسية والاجتماعية بالبلاد.
كما أن تصعيد بولس، قد يجلب للسيسي بعض الرضا من قبل المؤسسات الكنسية بالداخل والخارج، في ضوء فتور العلاقة الحميمية بين الجانبين، والتي سادته كثير من الإملاءات الغربية والتنازلات من قبل مؤسسات السيسي الحاكمة.
إلا أن المخاطر تبقى مفتوحة على مصراعيها، في ظل خلق بؤر توترات في جميع مؤسسات الدولة الحساسة ، سواء العسكرية أو المدنية وغيرها.
وكذا تبقى العديد من الأسرار والخفايا وراء عملية الإقالة المفاجئة لسعيد مرعي الذي كان حاضرا لاجتماع مجلس القضاء الأعلى قبل يومين من إقالته، التي ما زالت خافية حتى الآن وفق مراقبين.