قانون جديد لتمكين المخابرات والجيش من السيطرة على مفاصل مصر الاقتصادية

- ‎فيتقارير

تسعى دولة العسكر إلى فرض مزيد من الهيمنة والسيطرة على مقاليد الحكم بالنواحي الاقتصادية الرئيسية، آخرها تدخل جهاز المخابرات في مشروعات اقتصادية وتحكمه في وسائل الإعلام، ومنح برلمان العسكر الشرعية لهذه المشروعات.

ووافق مجلس نواب الانقلاب مؤخرا، بأغلبية ثلثي أعضائه، على تعديل قانوني جهاز المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971، وأفراده رقم 80 لسنة 1974، ليتضمنا منح الجهاز الحق في تأسيس الشركات بجميع أنواعها أو المساهمة في شركات قائمة أو مستحدثة، وتعيين أعضائه كرؤساء أو أعضاء مجالس إدارة تلك الشركات بعد موافقة الجهاز.

 

سلق وتمرير

وأشار أحد أعضاء برلمان الانقلاب، يُدعى أمين مسعود، إلى أن تلاوة نصوص القانون تمت بسرعة، كما أنه لم يكن على جدول أعمال المجلس.

وأضاف: "نعم تمت الموافقة عليه، ولكن هذا أمر يتعلق بالأجهزة السيادية والأمن القومي، لا أستطيع أن أتحدث فيه"!

الموافقة على القانون لم يصحبها توزيع تقرير لجنة الدفاع والأمن القومي، المتضمن نص التعديلات ورأي اللجنة فيها على النواب والصحفيين، وهو أمر نادر الحدوث داخل البرلمان، بحسب منصة مدى مصر، التي أشارت إلى أن هناك تعليمات للصحف بعدم كتابة تفاصيل التعديلات ولا الموافقة عليها.

منح المخابرات الحق في تأسيس الشركات بجميع أنواعها، سبقه إصدار عبد الفتاح السيسي في يوليو 2015، قانونا يمنحها إلى جانب وزارتي الدفاع والداخلية والأجهزة التابعة لهما الحق في تأسيس شركات حراسة المنشآت ونقل الأموال.

 

هيمنة وسيطرة

الأكاديمي والناشط الحقوقي تقادم الخطيب أشار إلى أن "انخراط المخابرات العامة المصرية في الاقتصاد أمر قديم، لكنه كان بشكل غير قانوني". موضحا أن الجهاز يمتلك على سبيل المثال شركة النيل للطرق، كما أنه مستحوذ على عدد من المؤسسات المالية الكبرى في مصر، وأبرزها إيجل كابيتال للاستثمارات المالية التي تمتلك الشركة المتحدة التي أصبحت تسيطر على الإعلام المصري من خلال شراء معظم القنوات الفضائية والصحف المحلية".

واعتبر الخطيب أن هذه التعديلات توسيع أكثر لنفوذ المخابرات العامة المصرية وترضية لأفرادها. 

وأضاف "كان استحواذ جهاز المخابرات على الشركات يتم من تحت الطاولة وبوكلاء من الباطن، والآن سيكون لديه الفرصة أكبر لتوسعه نفوذه".

 

انعدام المنافسة 

وسبق أن طالب رجل الأعمال المقرب من العسكر نجيب ساويرس، حكومة الانقلاب بعدم منافسة القطاع الخاص في المجالات الاستثمارية المطروحة في السوق المحلية، في وقت تسعى فيه لزيادة رؤوس الأموال الأجنبية.

ورأى ساويرس في مؤتمر “حابي” خلال دورته الثانية تحت عنوان “النمو المؤثر” أن الإجراءات الحكومية لجذب الاستثمارات الأجنبية لا تتناسب مع زيادة التدفقات من الخارج، وكشف عن المنافسة الحكومية للقطاع الخاص قائلا “إما أن نكون سوقا مفتوحة ونشجع القطاع الخاص ولا ندخل لمزاحمته، وإما أن يكون رأسمال جبان ويخاف”.

وفي أكتوبر 2018 استنكر رجل الأعمال المقرب من العسكر نجيب ساويرس، مزاحمة الشركات التابعة للجيش، للقطاع الخاص في عدد من المشروعات الاقتصادية الرئيسية، لافتا إلى أن مصر بحاجة إلى تقليص تدخل الحكومة في قطاع الأعمال وتشجيع القطاع الخاص ، قائلا "هناك شركات قطاع خاص مخصصة لمثل هذه المشاريع".

 

التضييق على الشركات

وتعزز بعض التشريعات قدرة الجيش على خنق الشركات الاقتصادية المدنية، ومن أمثلة ذلك قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بخفض دعم الوقود لأصحاب المصانع، ومع بقاء ميزانية الجيش، ومن ثم تكاليف الطاقة، خارج السجلات.

وفي ظل السرية التامة حول ميزانية الجيش، وبالتبعية إقطاعياته الاقتصادية ، يمكن للشركات التي تسيطر عليها القوات المسلحة أن تستفيد من الإعانات التي تبقى خارج السجلات، والتمتع بمزيد من حرية المناورة في ظل انعدام الرقابة عليها.

وتقلص الهيمنة الاقتصادية للجيش من فرص نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، في ظل أن المقربين فقط هم من يمكنهم الفوز بعقود مربحة والتعامل مع نظام التصاريح ، وهذا بدوره يؤدي إلى اقتصاد غير رسمي كبير قائم على المقربين، ويترك العديد من المصريين يعيشون في فقر مدقع.

ومنذ وصول السيسي إلى السلطة على ظهر الدبابة، زاد الجيش من نطاق انتشاره بسرعة، كما أنه بات يقاتل بكل قوته للدفاع عن هذه الإمبراطورية، في حين أن الشائع في مصر، هو أن الجيش يقوم بهذه المشاريع .

كما تحصل كل مصانع الجيش وشركاته على إعفاء كامل من الضرائب والجمارك، بما يتضمن إعفاء منشآت الجيش الاقتصادية من الضرائب العقارية المفروضة على سائر المنشآت ؛ الأمر الذي يسمح لها بتقديم المنتجات والخدمات بأسعار أقل من نظيرتها.

 

تغول مرفوض

يؤكد هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، أنه ضد التوسع العمراني الجاري في الوقت الحالي، كما أنه ضد تغول شركات الجيش في تنفيذ المشروعات، خاصة في مجال الإسكان والإنشاءات، وأنه على الحكومة توجيه موازنتها المحدودة للقطاعات ذات الديمومة والاستمرارية والاستدامة.

وأوضح توفيق في تصريحات صحفية، أنه من المفترض أن يكون دور الحكومة هو وضع أسس وآليات التنمية، إضافة إلى الرقابة على القطاع الخاص، الذي يقوم هو بالتنفيذ وليست هي، فالحكومة مستثمر رديء.

 

إحكام القبضة

في أواخر مارس من العام قبل الماضي، حذر تقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني من مخاطر توسع الإمبراطورية الاقتصادية العسكرية ، وقال التقرير إن “الاقتصاد العسكري المصري تطور إلى ما هو أبعد من الاحتياجات العسكرية ليشمل جميع أنواع المنتجات والخدمات”.

وأكد أن العسكر “يهيمنون على نسبة تتراوح بين الـ50-60% من الاقتصاد المصري، ويستحوذون على 90% من أراضي مصر، ويسخرون الجنود للعمل مجانا في مشاريعهم فينافسون بذلك أصحاب المشاريع الأخرى الخاصة المدنية”.

وتسيطر الشركات التابعة للجيش على العديد من المشروعات من بينها ، جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، والذي يتبعه عدد كبير من الشركات “21 شركة” تغطي مجموعة واسعة من القطاعات من البناء والنظافة إلى الزراعة والمنتجات الغذائية.