تفاصيل فضيحة شراء السيسي كاميرات لمراقبة وجوه المعارضين بملايين الدولارات

- ‎فيتقارير

رغم الانتقادات الحقوقية الدولية والإقليمية المتصاعدة ضد النظام الانقلابي في مصر ، الذي يدفع الجميع نحو حافة الهاوية، اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، ورغم الفقر المدقع والضغوط المعيشية الرهيبة التي يحياها المصريون ، والتي تحيل حياة الملايين إلى فقر مدقع ونقص في الدواء ومستلزمات الحياة، إلا أن السيسي يوجه ملايين الدولارات لشراء أنظمة مراقبة للمصريين في الشوارع والميادين والطرق، لا لمنع الجريمة أو حماية المجتمع من الجرائم، بل لتأمين الكرسي وتتبع المعارضين وأصحاب الرأي والمطلوبين أمنيا لأجهزته الأمنية، مقتديا بربيبته الإمارات التي تحول دبي ومدنها لمناطق مكشوفة ومراقبة على مدار الساعة، متناسيا أن تلك الكاميرات لم تمنع الجرائم في الإمارات ولم تحفظ الإماراتيين من صواريخ الحوثي التي تخترق قلب الأمن والمجتمع الإماراتي. 

 

تعهدات المنقلب السيسي 

وعلى الرغم من تعهدات نظام السفيه السيسي المتوالية أمام انتقادات المنظمات الدولية بشأن تعهده بمراعاة حقوق الإنسان وإعلان الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، إلا أن النظام العسكري يصر على انتهاك الخصوصيات وتتبع عورات المصريين، بدلا من التفكير في معالجة الاحتقان السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يضرب مصر، بمصالحات وطنية أو حوارات جادة مع المعارضة أو إطلاق سراح المعتقلين ، إذ يصر السيسي على نهج العسكرة المجتمعية الشاملة.

 

تحزيم الشارع

وفي هذا السياق، كشف تحقيق استقصائي لموقع عربي بوست، عن تفاصيل شراء السيسي نظام كاميرات متطورة لمراقبة وجوه المعارضين السياسيين بالشوارع والطرق والميادين.

حيث تزداد القبضة الأمنية  الانقلابية العسكرية في مصر يوما بعد يوم، خصوصا ما يتعلق بآليات مراقبة المواطنين، فقد نجحت الأجهزة الأمنية المصرية خلال السنوات الماضية في تنفيذ ما يعرف في القاموس الأمني بـ"تحزيم الشارع".

هذا المصطلح الذي يشير إلى عمليات المراقبة الواسعة ظهر بعدما نشرت الحكومة الانقلابية كاميرات مراقبة جديدة في العديد من شوارع القاهرة والمحافظات الأخرى.

الكاميرات المزودة بتقنيات حديثة تتعلق بالتعرف على الوجوه، تشبه تلك الموجودة في الصين.

 

تقنيات التعرف على الوجوه 

ووفقا لمصدر أمني فإن هذه المنظومة الأمنية الجديدة المرتبطة بكاميرات المراقبة وتقنيات التعرف على الوجوه الموجودة حاليا في مصر ، على تقنيات حديثة، إذ تتميز تلك الكاميرات بكفاءة عالية وسرعة، فهي قادرة على الكشف عن الأشخاص المطلوبين في غضون ثوان.

ويستعين نظام التعرف على الوجه بخوارزميات متطورة تقوم بمقارنة الصور الملتقطة عبر كاميرات المراقبة في الشوارع والتجمعات والساحات العامة والمعابر الحدودية، والتي تصل لبرنامج التعرف على الوجوه الذي يحتوي على تلك الصور المسجلة مسبقا في قاعدة بيانات مصلحة الأمن العام والأمن الوطني والأحوال المدنية، وهي القاعدة التي توفر كل البيانات والصور الخاصة بالأشخاص المطلوبين أمنيا وسياسيا.

وبالتالي، يمكن لبرنامج الكشف عن الوجوه المرتبط بنظام الكاميرات الحديثة كشف هؤلاء المطلوبين تلقائيا من خلال مقارنة صورهم ومقاساتهم الجسدية بصور وفيديوهات مسجلة مسبقا، أو صور وفيديوهات معينة تم تغذية البرنامج بها، بدقة عالية.

وتعمل التقنية باستعمال خوارزميات الذكاء الصناعي لمحاولة الوصول لأقرب شبه ممكن، ويتم البحث وفق مناطق مميزة في الوجه مثل طول الذقن والجبهة وعمق العينين، وهي معايير تختلف من إنسان لآخر.

تلك الكاميرات تتمتع بتقنية التعرف على الأشخاص في الصور الرقمية، وتمتلك خاصية الرؤية الليلية، ولا تتأثر بسوء الطقس، كما أنها ضد الكسر.

 

فرنسا وألمانيا

وبحسب التحقيق الاستقصائي، فالكاميرات الجديدة (CCTV) تم استيراد بعضها من فرنسا عام 2017 في صفقة لم يعلن عن قيمتها حتى الآن، رغم مرور 5 سنوات على إتمامها.

لكن ما هو مؤكد أن الصفقة تمت عن طريق حكومة أبوظبي التي تعاقدت مع شركة فرنسية شهيرة في مجال كاميرات وأنظمة المراقبة تدعى Amesys، والتي غيّرت اسمها لاحقا إلى Nexa Technologies، للحصول على الكاميرات المتقدمة ثم أهدتها للحكومة المصرية.

كما أن عددا من الكاميرات تم استيرادها من ألمانيا عام 2019.

 

التمويل من صندوق "تحيا مصر"

ولا يعرف المصدر الأمني ، الذي تحدث لمعدي التحقيق، حتى الآن قيمة الصفقة، لكنه أشار لوجود ترجيحات داخل الوزارة تشير إلى أن قيمتها بلغت 10 ملايين دولار.

وتغيب قيمة الصفقة الحقيقية عن أي جهة حسابية أو رقابية، وذلك لإن عملية الاستيراد لا تتم من خلال الطرق المعتادة عن طريق لجان من وزارة الاتصالات ورئاسة الحكومة وعمل مناقصات وفتح مظاريف وما إلى ذلك من سبل اعتادت الجهات الحكومية اللجوء إليها عند استيراد معدات من الخارج.

 

قيادات عليا في دولة الانقلاب 

صفقات الكاميرات هذه تتم بمعرفة قيادات عليا في دولة الانقلاب ، وبالتالي لا تتاح تفاصيلها إلا لهؤلاء القيادات، وغالبا ما يتم تمويل تلك الصفقات من خلال صندوق "تحيا مصر" الذي لا يعرف أحد تفاصيله وحركة الأموال فيه سوى أشخاص معدودين متصلين برئيس الجمهورية مباشرة، بحسب المصدر الأمني.

وأحيانا، يتم تمويل الصفقة من خلال دول صديقة، مثلما فعلت الإمارات مرتين.

وقال المصدر إنه "يستطيع التأكيد أنه عرف بعقد 5 صفقات منذ عام 2013 وحتى الآن".

 

أماكن الكاميرات

فكرة تركيب كاميرات مراقبة متصلة بالشبكة المركزية لمصلحة الأمن العام للكشف عن وجوه المطلوبين أمنيا وكذلك المدرجين على قوائم الإرهاب والمعارضين السياسيين، ظهرت مع انقلاب السيسي على الرئيس محمد مرسي.

فقد تمت أول صفقة لتوريد هذه النوعية من الكاميرات في خريف عام 2013، عقب أشهر قليلة من الانقلاب العسكري.

تمت الصفقة من خلال دولة الإمارات التي أمنت تمويلها بهدف "تحزيم" محاولات السياسيين والثوار وأنصار جماعة الإخوان المسلمين، ومراقبتهم والقبض عليهم، على حد وصف المصدر.

وقد تم تركيب الكاميرات المستوردة آنذاك في المحطات الرئيسية لمترو الأنفاق،  كما احتلت مدينة القاهرة المركز 67 عالميا بين 150 مدينة في عدد كاميرات المراقبة بواقع 2.18 كاميرا لكل ألف شخص، طبقا لدراسة أجرتها شركة "كومباريتك" للأبحاث.

وبلغ إجمالي عدد الكاميرات المثبتة في أرجاء القاهرة  نحو 46 ألفا و552 كاميرا.

وبحسب المصادر الأمنية، فإن التوجيهات التي صدرت بشأن أهمية نظام الكاميرات المتطورة تتلخص في عبارة واحدة هي "ضرورة السيطرة عن بُعد على كل الميادين المهمة وفي الطرق المؤدية إلى المطارات ورصد الحالة الأمنية في البلاد على مدار 24 ساعة، خوفا من أية طوارئ".

 

الملصق الإلكتروني بالسيارات

وكذلك فإن نظام الملصق الإلكتروني كان فعالا في تطبيق التقنية الجديدة كونه يوفر معلومات وافرة عن السيارة ومالكها ويسهل تتبعها، خصوصا أن الكاميرات المستخدمة مزودة بأشعة فوق الحمراء لرصد السيارات والأوزان، ويتم رصد الشخصيات داخل السيارات وعرض البيانات المتاحة عنهم فوريا.

وبحسب المصادر الأمنية ، فإن تركيز النظام الإلكتروني ينصب على السياسيين والمعارضين، أكثر من المجرمين الجنائيين.

وحول أماكن انتشار تلك الكاميرات، قال المسؤول إنها "منتشرة على عدد كبير من المحاور والطرق الرئيسية في محافظتي القاهرة والإسكندرية"، بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء.

 كما تنتشر الكاميرات المتطورة في كل المدن الجديدة التي يبلغ عددها 12 مدينة، وهي مدينة المنصورة الجديدة، مدينة بني مزار الجديدة، تجمع الوراق الجديدة، مدينة حدائق أكتوبر، مدينة أكتوبر الجديدة، امتداد مدينة الشيخ زايد، صواري الإسكندرية، مدينة سفنكس الجديدة، مدينة النوبارية الجديدة، مدينة الفشن الجديدة، مدينة العلمين الجديدة، مدينة رشيد الجديدة.

وتتزايد أعداد الكاميرات في شارع صلاح سالم وطريق المطار وطريق العلمين والمحاور الرئيسية الجديدة، كمحور المشير ومحور 26 يوليو وطريق السويس وشارع التسعين بالقاهرة الجديدة وكورنيش النيل.

بالإضافة إلى الطريق الدائري والمحطات الرئيسية لمترو الأنفاق والميادين الرئيسية، والأماكن المحيطة بالسفارات.

وقامت أجهزة الأمن بمحافظة الإسكندرية بتركيب أكثر من 220 كاميرا مراقبة جديدة بعضها مزود بتقنية التعرف على الأشخاص المطلوبين أمنيا وكلها على اتصال بغرفة عمليات مركزية لرصد ومتابعة الأوضاع الأمنية باستمرار في الشوارع والميادين.

 

بين النفي والتباهي

ولعل الغريب في الأمر هو أن الجهات الرسمية في مصر حائرة بين التباهي بامتلاك الدولة لكاميرات المراقبة المتطورة المتصلة بشبكة معلومات مصلحة الأمن العام والتي يمكنها التعرف على وجوه المطلوبين أمنيا في لحظات عبر رصدهم وسط الزحام أو داخل سياراتهم، وبين إنكار امتلاك هذه التقنية.

فعدم التصريح بامتلاك التقنية الجديدة يأتي ربما تحاشيا من تأليب منظمات حقوق الإنسان ضد الحكومة التي وجهت لها الكثير من الانتقادات حول التضييق على المواطنين ورصد تحركاتهم واتصالاتهم.

هذه الحيرة ظهرت في تصريحات أدلى بها قبل عامين تقريبا أحمد عبد الهادي، المتحدث باسم الشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق، من إنه ستتم ملاحقة المطلوبين أمنيا عبر منظومة مراقبة جديدة، تضم كاميرات في خطوط المترو الثلاثة تتمتع بتقنية التحديد والتحقق من وجوه الأشخاص المطلوبين أمنيا.

وأضاف عبد الهادي أن الكاميرات الرقمية الجديدة يمكنها التعرف على الوجوه المخزنة بقاعدة بيانات مصلحة الأمن العام، ومصلحة الأحوال المدنية، ومن ثم تعطي إخطاراً بتواجد الأشخاص المطلوبين والمسجلين بقاعدة بيانات مصلحة الأمن العامة بمجرد ظهورهم على الكاميرات.

 

نموذج دبي

على الجانب الآخر، قلل باحثون من القيمة المضافة التي تمنحها تقنية الكاميرات الجديدة للشرطة في ضبط المطلوبين سواء أمنيا أو سياسيا.

فالدراسات الغربية تشير إلى أن نسب خفض معدلات الجريمة وضبط المطلوبين في أغلب الدول التي تطبق تلك التقنية لم ترتفع بشكل لافت، لكن تلك الدراسات أجمعت على أن الهدف الحقيقي من نشر تلك الكاميرات هو بث الخوف والحذر في نفوس المطلوبين لدى الجهات الأمنية مما يدفعهم لتحجيم نشاطهم وتحركاتهم، وهو ما يقود في النهاية إلى أن يسود الهدوء.

وتأتي استعانة مصر بتقنية الكاميرات المرتبطة بشبكة معلومات الأمن العام كخطوة جديدة من الخطوات التي أقدم عليها السيسي  منذ توليه مهام منصبه للسير على طريق الدول الاستعراضية، كدبي التي يبدو أن السيسي منبهر للغاية بتلك الإمارة.

فقد سعى السيسي  في أكثر من مرة لمضاهاة ما تفعله دبي وحاكمها محمد بن راشد، فقام ببناء البرج الأيقوني ليكون الأعلى في إفريقيا، وبنى أكبر مسجد وأضخم كنيسة، وهكذا.

واستدل الباحث على وجهة نظره بأمرين؛ أولهما أن نظام الكاميرات الجديدة تم اقتراحه وتمويله في بادئ الأمر من حكومة الإمارات قبل أن يقرر السيسي التوسع فيها بتمويل مصري.

أما الأمر الثاني فهو ما أعلنته هيئة الطرق والمواصلات في الإمارات قبل فترة عن تركيب كاميرات مراقبة في جميع مركبات الأجرة التابعة لها والبالغ عددها 10 آلاف و684 مركبة، وتعمل الكاميرات، من خلال أجهزة الاستشعار بشكل فوري عند صعود الراكب إلى مركبة الأجرة، مشيرا إلى أن التقارير تؤكد وجود 10 آلاف كاميرا للمراقبة في شوارع دبي، لا تفلت من أنظارها حركة أي شخص في شوارع المدينة، تضاف إليها 3 آلاف كاميرا في المطار وحده.

وكان مصدر مصري رفيع المستوى قد كشف، في تصريحات صحفية قبل عامين، عن تعاقد الحكومة المصرية مع شركات ألمانية وروسية لتغطية جميع أنحاء القاهرة بكاميرات مراقبة متطورة لتأمين مداخل ومخارج العاصمة على غرار الإمارات، على أن تكون البداية في القاهرة والإسكندرية.

وتأتي تلك الخطوات القمعية في إطار سياسات السيسي للقضاء على أي معارضة له في الشارع، في ظل استمرار مسلسل الاعتقالات التي طالت أكثر من 120 ألف مواطن، مع التوسع في إجراءات إدراج المواطنين على قوائم الإرهاب ومصادرة الأموال والمنع من السفر والمنع من الكتابة والنشر وإغلاق الصحف وحجب المواقع وحذف حسابات النشطاء من أجل الوصول إلى مصر خالية من الرأي والحرية والحركة، وكلها إجراءات غير مجدية وفق علماء الاجتماع الإنساني، وخبراء الأمن والسياسة، الذين يرون أن نظام القمع العسكري إلى زوال، سواء بفعل الثورات الشعبية التي قد تهمد ولكنها لا تموت، أو من داخل النظام نفسه والذي يعاني تململا سياسيا وأمنيا غير خاف على أحد وتكاد تنطق به كلمات السيسي نفسه.