في الوقت الذي تشهد فيه مصر موجة هروب لمئات الملايين من الدولارات من أسواق النقد الأجنبي ، منذ بدء حرب روسيا على أوكرانيا والتي قدرت بحوالي 3 مليارات دولار خلال أسبوع واحد نهاية فبراير الماضي، وسط انخفاض حاد في صافي الأصول الأجنبية، ارتفعت أسعار السلع الحيوية كالحديد والقمح عالميا ومحليا بأرقام صادمة للمصريين ، مع توقعهم أنه لا سقف يحمي الدعم الذي كانت حكومة السيسي تُبيّت النية لحذفه تدريجيا في الظروف العادية، ويبدو أن الصرخات لن تجدي وقد فاقمت الحرب الأمور.
أسعار الحديد
ووصلت أسعار الحديد إلى مستويات صاروخية غير مسبوقة، بعدما أعلنت الشركات رفع أسعار الحديد سجلت منذ أول مارس بما يتراوح بين 500 و1200 جنيه للطن، فوصلت أسعار الحديد في الوقت الحالي ما بين 16100 جنيه إلى نحو 16300 حنيه، فيما قال تجار إن "الأسعار للمستهلك تصل إلى 16600 جنيه للطن".
وقالت شعبة مواد البناء إن "ارتفاعات أخرى مرتقبة خلال الأيام المقبلة، بعدما وصلت نسبة الارتفاع لأسعار الحديد منذ يناير 2022، وحتى الآن إلى 78.5%، وارتفع سعر الطن خلال الـ 15 شهرا الماضية من مستوى 9300 جنيه للطن في بداية 2021 إلى نحو 16600 جنيه في الوقت الحالي".
وأشارت شعبة مواد البناء إلى أن تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا رفعت أسعار الحديد بالمصانع الاستثمارية مع زيادة الطلب خلال الفترة الحالية بالسوق المحلي، والتخوفات من حركة الشحن.
كانت غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، قد كشفت أن مصر تستورد البليت من العديد من الدول، ولكن ثلث واردات مصر من البليت من أوكرانيا، وتستورد معادن أخرى من بينها الصاج من روسيا، وأشارت إلى أن رفع أسعار الحديد في بعض المصانع خلال الفترة الحالية جاء نتيجة ارتباك حركة الشحن العالمي ، بسبب تداعيات الحرب والتخوفات من نقص الخام بالأسواق.
وذكرت أن هناك بدائل لاستيراد البليت أمام مصر مثل تركيا، ولكن المشكلة في حركة الشحن بسبب الحرب، وتشير البيانات إلى أن مصر تنتج حوالي 7.9 مليون طن من حديد التسليح، وحوالي 4.5 مليون طن بليت، بينما تستورد 3.5 مليون طن بليت.
أسعار القمح
وارتفعت أسعار القمح في مصر، بنحو ألف جنيه للطن بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وقفزت أسعار القمح عالميا، فيما لم تتأثر إمدادات المطاحن لإنتاج الدقيق في السوق المحلي. وأسفر ذلك عن ارتفاع سعر الخبز السياحي "غير المدعم".
وقال إيهاب إدريس، عضو غرفة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية إن "سعر طن القمح في مصر ارتفع بنحو ألف جنيه للطن، ليتراوح بين 6 آلاف إلى 6500 جنيه، نتيجة تداعيات الارتفاع العالمي نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية".
وأوضح إدريس، أن الارتفاع في سعر القمح نتجت عنه زيادة أسعار الدقيق الحر، والتي ارتفعت بنحو 20% لتتراوح بين 7 و8 آلاف جنيه للطن.
وتسيطر روسيا وأوكرانيا على نحو 29% من تجارة القمح العالمية، وفقا لبيانات CNBC، فيما تشير بيانات وزارة الزراعة الأمريكية إلى أن روسيا كانت أكبر مورد للقمح إلى مصر في الموسم الماضي.
الخسارة عامة
وقال المحلل الاقتصادي مصطفى عبدالسلام إن "خسارة العرب -بمن فيهم مصر- من الحرب الروسية لن تتوقف على القمح والبورصات والوقود".
وأوضح أن 40% من صادرات الحبوب الأوكرانية توجه إلى دول المنطقة، خاصة إلى مصر ودول الخليج والأردن، وروسيا أكبر مصدر للقمح في العالم، ومصدر رئيسي وتاريخي للحبوب المتدفقة إلى دول المنطقة، خاصة القمح والذرة والشعير والزيوت النباتية، ومصر أكبر مستورد للقمح في العالم.
وأضاف أن التضخم المتواصل في أسعار الغذاء يهدد بحدوث اضطرابات سياسية بالدول التي تعاني من أزمات اقتصادية ومالية كما حدث في العام 2010، محذرا من أن كلفة شراء العرب للأغذية البالغة حاليا نحو 100 مليار دولار سترتفع.
وأكد أنه "من الخسائر التي ستلحق بالعرب جراء حرب أوكرانيا زيادة سعر الوقود".
وأضاف أن أسواق الطاقة في العالم أصيب بالرعب عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وقفزت العقود الأوروبية للغاز الطبيعي بنسبة 35% مرة واحدة، خاصة أن 40% من واردات الغاز الطبيعي الأوروبية تأتي من روسيا.
ولفت أيضا إلى أنه "من المتوقع أن تؤثر الحرب الروسية الأوكرانية أيضا على حركة التجارة الدولية، وبالتالي على حركة الشحن ونقل البضائع والسلع في الممرات المائية ومنها قناة السويس، وهو ما يغذي موجة التضخم التي تجتاح العالم، ومنها المنطقة العربية".
تأثر العرب بالحرب
وفي مقال له بعنوان "العرب في قلب الحرب الأوكرانية" نشره عبر حسابه على فيسبوك ، أكد "عبد السلام" أن العرب باتوا في قلب الأزمة الأوكرانية وأكثر المتأثرين سلبا بها، بل إن استمرار تلك الحرب فترة أطول قد تكبد الاقتصادات العربية خسائر فادحة تقدر بمليارات الدولارات.
واعتبر أن أقرب وأكبر دليل على تأثر العرب بتلك الحرب ما شهدته البورصات العربية صباح اليوم الخميس عقب الغزو الروسي لأوكرانيا مباشرة، فقد شهدت البورصات الخليجية تراجعا جماعيا حاد، كما خسرت البورصة المصرية 15 مليار جنيه من قيمتها السوقية في الساعات الأولى للغزو، ونزحت استثمارات وأموال أجنبية من عدد من أسواق المال العربية".
وأضاف أن خسائر البورصات وأسواق المال العربية ليست الوحيدة في هذا الشأن، ولن تقتصر على نزوح أموال خارجية ساخنة منها، فهناك خسائر أكبر، فالعرب هم أكبر المستوردين للأغذية من روسيا وأوكرانيا".
أسعار النفط
وعن تأثير حدوث قفزة في أسعار النفط ليتجاوز 106 دولارات للبرميل أيضا، قال "هناك توقعات باستمرار تلك الزيادات خاصة مع وجود حل في الأفق لتلك الأزمة.
وأضاف أن "دولا عربية نفطية مثل الخليج والعراق والجزائر ستستفيد من تلك الزيادات المتواصلة في أسعار النفط، لكن في المقابل، فإن هذه الدول وغيرها ستتكبد تكاليف ضخمة مع زيادة أسعار الأغذية المتوقعة في الأسواق العالمية".
وأشار إلى أن من الدول التي ستخسر ، مصر والسعودية والإمارات وتونس والأردن والمغرب والجزائر والسودان ولبنان واليمن، مع التذكير هنا بأن التضخم المتواصل في أسعار الغذاء يهدد بحدوث اضطرابات سياسية بالدول التي تعاني من أزمات اقتصادية ومالية كما حدث في العام 2010".
وخلص "عبدالسلام" إلى أن "العرب ليسوا بعيدين عن الأزمة الأوكرانية، وخسائر العرب منها تتوقف على طول أمد الحرب، وما إذا كانت ستكون حربا خاطفة لروسيا، أم ستتحول إلى حرب عالمية ثالثة، وإن كان الاحتمال الأخير يظل ضعيفا في ظل إدراك الغرب، الولايات المتحدة وأوروبا، أن خوض حرب كتلك في هذا التوقيت ليست في صالحه، خاصة أنه يعاني من أزمات اقتصادية شديدة، طاقة وتضخم وركود وكورونا".