“كارنيجي”: إقطاعيات العسكر وبيزنس متقاعدي الجيش قوّض الدولة في مصر 

- ‎فيأخبار

أكد كبير باحثي مركز كارنيجي الأمريكي يزيد صايغ ، أن العسكريين يعمدون إلى استنساخ الممارسات الريعية البزنس ، التي تقوّض أداء الدولة المصرية عموما، عبر زيادة التكاليف وتقليل الفعالية، موضحا أن ذلك يعود بشكل أساسي إلى قبضتهم البيروقراطية واحتفاظهم بمصالح شخصية وجماعية.
وفي عنوان ضمن مقاله الأخير والثالث من نوعه عن حكم العسكر في مصر "تفكيك جمهورية الضباط" قال يزيد صايغ "يجب إنهاء توغل المتقاعدين العسكريين في بيروقراطية الدولة المصرية، كي تتمكن البلاد من تحقيق أهدافها الاقتصادية".
وأضاف أن العسكريين والمتقاعدين منهم أينما كانوا على أداء الهيئات والمؤسسات الاقتصادية التابعة للدولة، وأيضا على الإطار السياسي والتنظيمي الذي يحكم عمل القطاع الخاص".
وأشار إلى أن "ما يُروج له كثيرا عن تفوق الضباط العسكريين في مجال الإدارة لا يمكن أن يُستخدم بشكل مقنع ، للإشارة إلى أن نظراءهم المدنيين في بيروقراطية الدولة مسؤولون حصرا عن الأداء السيئ الذي انتقده السيسي بل على العكس".

إنهاء الإقطاعيات
واقترحت مؤسسة كارنيجي على الانقلابيين والسيسي معالجة لهذه المشكلة تكون بإجراء إصلاحات إدارية تعزز التنافسية والشفافية في عملية التوظيف، بغية وقف تعيين المتقاعدين العسكريين تلقائيا في المناصب العليا ، وإنهاء الإقطاعيات العسكرية في هيئات الدولة والشركات التابعة لها".
وأوضحت أن ذلك لابد وأن يترافق مع فرض قيود حكومية على عملية إعادة توظيف متقاعدي القوات المسلحة وغيرها في مناصب استشارية ، الأمر الذي يشكل تجسيدا واضحا للمحسوبية ، فضلا عن وضع حد لإمكانية تمديد الخدمة العسكرية بصورة نمطية بعد سن التقاعد، إذ أن هذه الممارسة تسمح للمتقاعدين بإشغال وظائف مدنية والحصول في الوقت نفسه على مستحقات عسكرية وحصانة قانونية دائمة في وجه القوانين والمحاكم المدنية".
وأضاف التقرير أنه بالمقابل، لابد من توفير تدريب معزز للإداريين المدنيين، ما يخولهم تولي المناصب القيادية، ووضع آليات أفضل لتقديم الشكاوى واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها وحماية المبلغين عن المخالفات.
وتوقع يزيد صايغ أن يمثل التزام حكومة السيسي بالتزامها تجاه صندوق النقد الدولي بإصدار قانون موحد للمشتريات، وأن يحدّ من ممارسات سوء استخدام السلطة عبر منح العقود بشكل غير تنافسي أي "بالأمر المباشر" وما يخفف بالتالي من وطأة المحسوبية والفساد المُستشريين.
وعن بيضة القبان من وظائف العسكر كهف انقلابي لضمان الولاء بالرواتب قال "ينبغي تبديد مخاوف القوات المسلحة بشأن الرواتب، ولا سيما المعاشات التقاعدية، من أجل إزالة الدافع الأساسي الذي يدفع المتقاعدين العسكريين للانضمام إلى جمهورية الضباط".
وأضاف أن ذلك يمكن جزئيا من خلال اللجوء إلى الصناديق الخاصة بالمؤسسة العسكرية، ولكن الأهم من أجل تلبية هذه الحاجة ، هو إجراء مراجعة شاملة لميزانية قطاع الدفاع الحكومي واحتياجاته.

مناشدة القطاع الخاص
وأشار يزيد صايغ إلى أن دعوة السيسي لشراكات مع القطاع الخاص لإنها هي أيضا محض سراب، وكتب أن كلمة السيسي في 22 ديسمبر  2021، التي ناشد  فيها تكرار القطاع الخاص المصري بالدخول في شراكات مع هيئات الدولة من أجل تمويل برامجها الاستثمارية والإنمائية الطموحة وتنفيذها؛ يكمن خلف شعوره بإلحاح الوضع إدراك متزايد بأنه يترتب على إدارته تقليل اعتمادها على الاستدانة الداخلية والخارجية على السواء لتمويل مشروعاتها الضخمة في مجالي البنية التحتية والإسكان، على الرغم من التطمينات الرسمية خلافا لذلك، ويحدث ذلك حتى وهو يواصل سعيه إلى استحصال "شهادات ثقة" من الدائنين التقليديين، أي حلفائه الأقرب في الخليج وتحديدا الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وصندوق النقد الدولي، ما يمهد الطريق أمامه للحصول على مزيد من القروض الدولية".
وأبدى صايغ توافقا مع ما ذكرته "الإيكونوميست" من أن "حماسة السيسي المستجدة تجاه القطاع الخاص هي وليدة الضرورة، لكنها تتيح فرصة للساعين وراء الإصلاح، وبغض النظر عما إذا تعمد السيسي ذلك أم لا، فهو لم يستثنِ القوات المسلحة من كلامه حين أقر في تقييم ينطوي على انتقاد شديد، قائلا نحن بحاجة للقطاع الخاص لأننا أثبتنا خلال الـ40 سنة الفائتة أننا غير أكفاء في إدارة مشاريعنا".
وتعجب من أن ذلك يأتي ، والمؤسسة العسكرية شكلت رأس الحربة في الإستراتيجية الاستثمارية التي قادتها الدولة خلال الأعوام الثمانية الماضية".
واعتبر صايغ ووفق تقارير سابقة ومنها دراسته الأخيرة بعنوان "الاحتفاظ بالقدرة أم إعادة الهيكلة أم التجريد؟ أن مرد تبدل مواقف السيسي من القطاع الخاص هو الاستياء من الوتيرة والنتائج التي تُحققها بيروقراطية الدولة في تنفيذ السياسات والأهداف الاقتصادية التي حددها، لا إلى إدراكه بضرورة مراجعة هذه السياسات والأهداف".

 

شبكة ولاءات
وأكد صايغ أن "البلاد ستواصل تسيير الأمور كالمعتاد، لكن انتقاد السيسي لأداء الدولة الباهت يتيح فرصة لمناقشة الانتشار الواسع للآلاف من كبار المتقاعدين العسكريين في مؤسسات الدولة الضخمة وتأثيرهم المثبِط على الأداء الاقتصادي، والمثبط تحديدا على مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد".
واعتبر أن نموذج "جمهورية الضباط" وُلد في التسعينيات من رحم الصفقة الضمنية التي كافأت كبار الضباط عبر منحهم مناصب في المنظومة البيروقراطية بعد بلوغهم سن التقاعد، مقابل ولائهم لرئيس الجمهورية الأسبق حسني مبارك".

وأضاف أن "الركيزة الأساسية لهذه الشبكات التي تعيد إنتاج نفسها، من مئات ضباط القوات المسلحة المتقاعدين الذين يتبوأون مناصب رؤساء أو أعضاء مجالس إدارة ومدراء عامّين في هيئات الدولة التي تدير الأصول الاقتصادية، وفي الشركات العاملة في قطاع الأعمال العام، حيث يتولون مهام الإنتاج والتجارة، والخدمات، أو منح العقود في هذه المجالات، ويسيطرون على جزء كبير من الإطار السياساتي والتنظيمي الذي يسير عمل القطاعين العام والخاص، وتشمل جمهورية الضباط أيضا آلاف المتقاعدين العسكريين الإضافيين في مجمل دوائر الحكم المحلي التي تشكل في حد ذاتها هيكلية ضخمة تحدد النشاط الاقتصادي بدرجة كبيرة على مستوى المحافظات".

 

الإقطاعيات بالأرقام

وأضاف أن متقاعدي القوات المسلحة كانوا يتولون في العام 2018 مناصب الرئاسة أو نيابة الرئاسة أو العضوية في مجالس إدارة 56 في المئة من أصل 72 هيئة اقتصادية عامة مسؤولة عن الأصول الاقتصادية والموازنات التشغيلية، والأطر التنظيمية، وقرارات الاستثمار والتطوير، والتنفيذ في القطاعات الاقتصادية الأكثر أهمية، ومنها قناة السويس والنفط والتوريد والتجارة، والتأمين الاجتماعي والصحي، والمرافق العامة. واستحوذوا أيضا على نسبة مشابهة من المناصب في ما يُسمى بالهيئات الوطنية المكلفة بالإشراف على الاتصالات، وسكك الحديد، والتأمين، والمعاشات التقاعدية، والخدمات البريدية، وتولوا أيضا مناصب في المجالس والمراكز الوطنية التي تعنى بالتخطيط أو إعداد السياسات العامة في مجال استخدام الأراضي، وفي الطاقة بما فيها الطاقة النووية، وفي الإشراف، والتنظيم، والتدقيق المحاسبي، وفي الإحصاءات، وتولى متقاعدو القوات المسلحة أيضا رئاسة مجالس الإدارة – أو شغلوا مقاعد العضوية فيها – في 128 من أصل 374 شركة تابعة للقطاع العام (35 في المئة) خلال العام نفسه.

توزيع الإقطاعيات
وأشار إلى أن الفروع المختلفة للقوات المسلحة تدير إقطاعيات مدرة للدخل خاصة بكل منها، ويتجلى ذلك بصورة خاصة في البنى التحتية للنقل (البري والبحري والجوي) والخدمات المتصلة بها، وفي الإسكان والمجتمعات العمرانية، واستصلاح الأراضي، والمياه والصرف الصحي، والتعدين والمحاجر والبترول والسياحة والاتصالات والإعلام والأوقاف الدينية التي تملك مساحات عقارية شاسعة في مواقع مرغوبة، وهكذا يفرض متقاعدو سلاح الجو سيطرتهم على شركات الطيران، وعلى أغلبية فروعها والمطارات الإقليمية وشركات الخدمات المتصلة بها؛ ويحكم متقاعدو سلاح البحرية سيطرتهم على هيئة قناة السويس والأجهزة والشركات التابعة لها، وشركات الشحن والتخليص البحرية، وعلى معظم هيئات الموانئ المصرية البالغ عددها 43.

وأضاف أن متقاعدي القوات البرية والهيئات المتخصّصة، على غرار الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وإدارة المياه، في الهيئات والشركات العامة المرتبطة بالمؤسسة العسكرية يتركزون في مجالات النقل البري، والبنية التحتية والإسكان والمياه والصرف الصحي والبناء والمقاولات، وينتقل متقاعدو سلاح الإشارة إلى العمل في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات كما يشغل رئيس السلاح مقعدا في مجلس إدارة الشركة المصرية للاتصالات Egypt Telecom ، ونظراؤهم من إدارة النوادي والفنادق وإدارة الشؤون المعنوية التابعتين للقوات المسلحة إلى العمل في المرافق السياحية المملوكة للقطاع العام وفي الهيئة الوطنية للإعلام  وغيرها من الشركات الإعلامية، على التوالي.

الحكم المحلي
وأضاف أن الحكم المحلي أحد أهم معاقل جمهورية الضباط، وهو يتفرع إلى مجالس منتخبة لا تتمتع بأي دور أو صلاحية تنفيذية بما في ذلك وضع الميزانيات أو إنفاقها، وإلى هيكلية تنفيذية تمسك زمام السلطة الحقيقية وتضم في جميع مستوياتها عسكريين متقاعدين يتم تعيينهم بالكامل، فبدءا من أعلى الهرم التنفيذي، يعين رئيس الجمهورية المحافظين الذين يرأسون محافظات مصر الـ27 ويتبعون له، وتنقسم المحافظات بدورها إلى 166 مركزا أو مجموعة مدن و200 منطقة حضرية، والمئات من الأحياء المدنية وما لا يقل عن 920 مجلسا قرويا، إذ يعتبر الحكم المحلي بالدرجة الأولى وسيلة لتأكيد السيطرة الرئاسية والأمنية.