تعكس الخلافات تحت قبة البرلمان حول قانون الإيجار القديم عن صراع خفي وتباين في المواقف بين الأجهزة الأمنية المختلفة بشأن التداعيات والمخاوف المحتملة من تمرير تعديلات القانون على نحو يفضي إلى طرح نحو عشرة ملايين مستأجر من مساكنهم وانكاسات ذلك على بنية المجتمع وتهديد حالة الاستقرار الأمني التي يمر بها النظام في أعقاب سنوات من القمع الوحشي في أعقاب انقلاب 3 يوليو 2013م.
هذه الخلافات داخل البرلمان إنما تبرهن على أن هناك تقديرات موقف متباينة بين أجهزة السيسي الأمنية (المخابرات العامة والأمن الوطني على نحو مخصوص) لاعتبارات تتعلق بنفوذ الجهازين على عدد من نواب البرلمان، فلكل جهاز منهما مجموعة من النواب يدينون له بالولاء ويتلقون منه التعليمات الخاصة بالمواقف والتشريعات. يبرهن على ذلك أن الجهازين كان لهما دور كبير في تشكيلة المجلس واختيار قوائم المرشحين الذين حظوا بعد ذلك بعضوية المجلس في انتخابات صورية أشرفت عليها الأجهزة من الألف إلى الياء.
وبينما يرى فريق من النواب ضرورة سن تعديلات لقانون الإيجار بالنسبة للأشخاص الطبيعيين لأغراض السكن في أعقاب تمرير التعديلات الخاصة بالأشحاص الاعتبارية لغير أغراض السكن والذي منحها 5 سنوات لترتيب أوضاعها مع زيادة سنوية لقيمة الأجرة. وهو الفريق الذي يبدي إذعانا كاملا للسيسي الذي صرح من قبل أهمية تعديل قانون الإيجارات القديمة. وقال إنّ "هناك وحدات سكنية في مناطق وسط القاهرة لا يتعدى إيجارها الشهري 20 جنيهاً، بينما قيمتها تصل إلى ملايين الجنيهات. وإذا كان من حق المستأجر أن يعيش فيها، فمن حق مالكها أيضاً أن يستمتع بقيمتها".
في المقابل، يتبنى فريق آخر داخل سلطة الانقلاب تأجيل البت في هذه التعديلات استنادا إلى أن السياق العام حاليا في ظل موجات الغلاء وتداعيات تفشي جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية يجعل من مصلحة النظام عدم إشعال أزمة جديدة لا سيما وأن عدد المتضررين من هذه التعديلات يقدرون بالملايين.
وافادت صحيفة "العربي الجديد" نقلا عن مصادر مطلعة أن تقريراً لجهة أمنية أفاد بأن الضغط أكثر على الناس، خصوصاً في ظل الظروف الحالية، من شأنه أن يهدد بتفجر الوضع في الشارع، مذكرة بتظاهرات سبتمبر 2019، التي دعا لها المقاول والممثل المصري المقيم بالخارج محمد علي، ثم انتفاضة الجلاليب في 2020م. معنى ذلك أن هناك جناحا داخل النظام يدرك تماماً أن العبث بالمتطلبات الأساسية للناس في البلاد، مثل رغيف الخبز والمأوى، يشكل مصدر تهديد خطيراً. لا سيما وأن قضية "الإيجارات القديمة" تشكل حالة ظاهرة من الانقسام المجتمعي، فالملاك يشعرون بالظلم الواقع عليهم نتيجة تدني إيجارات العقارات التي يمتلكونها، ولهم الحق في ذلك، والمستأجرون أيضاً، الذين تقدر أعدادهم بالملايين، يشعرون بالتهديد، وأن مصير الطرد في انتظارهم، ولهم الحق أيضاً بهذا الأمر؛ لذلك فإن النظام يواجه مشكلة خطيرة، تتطلب عدم التعجل ودراسة الأمر جيداً قبل الشروع في أي إجراء قد يهدد سلامة المجتمع.
ومن الأهداف الرئيسية لسن تشريع الإيجار القديم في هذا التوقيت هو إدخال ما يزيد على 9 ملايين وحدة تخضع لأحكام قانون الإيجارات القديمة في المنظومة الجديدة لتسجيل العقارات والأراضي في مصر، والهادفة إلى تخصيص رقم قومي لكل عقار، وآخر للأرض المقام عليها، وثالث لكل وحدة داخل العقار، في إطار حصر الثروة العقارية داخل البلاد". فالمنظومة الجديدة تستهدف تسجيل جميع العقارات في مصر خلال خمس سنوات، وإلزام جميع المواطنين بتوثيق وحداتهم في الشهر العقاري (جهة تابعة لوزارة العدل منوط بها توثيق العقارات)، بما في ذلك الخاضعة منها لأحكام قانون الإيجارات القديمة، فور انقضاء المدة المحددة لتحرير عقودها بين الملاك والمستأجرين".
من ضمن الأهداف أيضاً إخضاع الإيجارات السكنية القديمة لضريبة التصرفات العقارية، بواقع 2.5 في المائة من قيمتها الشرائية، في حال بيعها من قبل المالك بعد تحرير العقد مع المستأجر، ما يدر أموالاً طائلة على خزينة الدولة، نتيجة ارتفاع رسوم التوثيق من جهة، وسداد ضريبة التصرفات من جهة أخرى".
من جانب آخر فإن هذه القانون قد يسهم في تحريك عمليات شراء الوحدات السكنية في المدن الجديدة التي أهدر النظام عليها مئات المليارات دون جدوى حقيقية، فملايين المستأجرين المرتب طردهم سيحتاجون إلى وحدات سكنية بديلة وهو ما يفتح الباب أمام تحريك سوق العقارات الذي أصابه الركود في ظل موجات الغلاء الفاحش التي طالت كل شيء في مصر. ورغم أن الدستور ينص في المادة 78، على أن "تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والآمن والصحي، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية". لكن السلطة لا تراعي ذلك عند مناقشة تعديلات قانون الإيجارات القديمة.