مقطع الفيديو الذي تداوله نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لسيدة تدعى صفاء الكوربيجي يوم الأحد 6 مارس 2022، وهي تصرخ وتهاجم الجنرال عبدالفتاح السيسي ونظامه بسبب الظلم الواقع على موظفي مبنى الإذاعة والتلفزيون "ماسبيرو" يحمل كثيرا من المضامين والدلالات القوية التي تبرهن على أن حجم الغضب ضد نظام السيسي اتسعت رقعته حتى باتت تضم جميع فئات الشعب المصري باستثناء بعض العاملين بما تسمى بالاجهزة السيادية والأحزاب الموالية للسلطة.
السيدة التي قالت إنها من موظفي مبنى ماسبيرو، حيث هاجمت السيسي والمخابرات العامة، واتهمته بمحاولة دعم سيطرة جهاز المخابرات العامة على مبنى ماسبيرو، والعمل على فصل آلاف العمال والموظفين. وقالت في الفيديو الذي لاقى رواجاً كبيراً في منصات التواصل الاجتماعي: "يا سيادة الريس إحنا نور عنيك، إحنا نور عنيك ياريس، إحنا ستات ماسبيرو.. إحنا ستات ماسبيرو المحترمات، عايزة أعرف إيه بيحصل في ماسبيرو ياريس، هو انتوا فتحتوا السجون؟، السجون اتفتحت تاني ولا إيه ياريس؟ يعني إيه واحد بتاع أمن يجيب لنا بلطجية تضرب الستات في المبنى؟!". وأضافت: "يعني إيه اللي إحنا عايشين فيه دا ياريس، هو انتوا علشان ماتدوش للناس حقوقها، تجيبوا للناس بلطجية يضربوهم في مكان عملهم؟!". وتساءلت: "فين الدولة، انتوا ليه بتعملوا في الناس كدا، هنفضل نطلب حقوقنا، وماسبيرو مش هيتباع للمخابرات"، كما قالت: "إحنا الناس اللي رقصت لك قدام اللجان، إحنا نور عنيك ياريس، انتوا شكلكم بتزقوا الناس على ثورة، إحنا جبناكم غلط، والله الناس بتضرب نفسها بالجزمة أنها جابتكم".
واستدعت أجهزة السيسي الأمنية العشرات من العاملين في ماسبيرو للتحقيق الإداري بسبب مظاهرات مستمرة من أسابيع داخل ماسبيرو منذ يناير 2022 بعد الإعلان عن نظام جديد للحضور والانصراف يعرقل ارتباط العمال والموظفين بأعمال إضافية لمواجهة ضعف الرواتب التي يتقاضونها.
الدلالة الأهم في هذا المقطع أن السيسي لم يعد له بين المصريين مؤيد أو نصير، كان الشعب في أعقاب الانقلاب منقسما، وكان السيسي يتمتع بتأييد نصف الشعب ويعارضه النصف الآخر، أما اليوم فلم يعد هناك انقسام بالشكل الذي كان عليه في السنوات التي تلت الانقلاب مباشرة وحتى سنة 2016م، فقد أدرك الكثيرون أنهم خدعوا وأن السيسي مجرد جنرال أرعن طامع في السلطة دمر مصر ومزق نسيجها الوطني وفرط في حصتها من مياه النيل بالتوقيع على اتفاق المبادئ بالخرطوم في مارس 2015م، وهي الاتفاق الذي شرعن بناء السد لأنه حتى قبل هذا الاتفاق كان بناء غير شرعي يخالف نصوص القانون الدولي. كما فرط السيسي في تراب مصر الوطني في إبريل 2016، بالتنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير"للسعودية، ثم أسفر عن تبنيه لنسخة متطرفة من الرأسمالية المتوحشة بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وهو الاتفاق الذي أسقط عشرات الملايين من المصريين تحت خط الفقر. فالذين لم يروا إجرام السيسي ونظامه في الانقلاب والمذابح التي اقترفها برهنت لهم التجربة أنهم كانوا مخطئين، ويكاد هناك إجماع بين المصريين أن الإطاحة بالسيسي ستمثل للجميع يوم عيد سيخرج فيه عشرات الملايين في الشوارع فرحا وابتهاجا.
الدلالة الثانية، أن النظام يمارس البلطجة جهرا دون خوف أو اكتراث في تأكيد على أن مصر تدار حاليا بمنطق العصابة وليس بمنطق الدول التي تحكم بالدساتير القوانين. فكم مارس السيسي إجرامه على ملايين المصريين في أعقاب الانقلاب! وكم ترك كلابه وشبيحته ينهشون أجسام الصادعين بالحق فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، لكنه اليوم ينثر إجرامه وبلطجته على الجميع بعدما هيمن بالبطش والقمع على مفاصل السلطة من الألف إلى الياء.
الدلالة الثالثة، أن حجم الألم الذي يعاني منه الناس قد بلغ مستويات غير مسبوقة، وأن هذا الألم ومستويات الغضب الكبيرة قد تدفع الناس دفعا نحو التمرد على هذه السلطة الباطشة الظالمة، قد ينجح النظام في إجهاض انتفاضة تلو الأخرى لكن بقاء النظام وذات السياسات كفيل بانفجار وشيك قد لا يتمكن النظام من احتوائه. وأجهزته السيسي تعلم ذلك علم اليقين وتخشاه أشد الخشية؛ ليتهم يخشون الله وحسابه يوم القيامة كما يخشون غضبة الشعب ويخافون من ثورته المرتقبة!