قالت دراسة إنه "حال وقوع صراع على السلطة فلن يُلجم الأجهزة (المخابرات والأمن الوطني) دستور أو قانون، ولن تتورع عن فعل أي شيء لبسط سلطانها على حساب الآخرين؛ ما يجعل مستقبل مصر مرهونا بهذه الأجهزة ومدى قدرتها على الحسم وبسط النفوذ ومدى تشابك علاقتها بقوى أجنبية تتمتع بنفوذ واسع في مصر".
وأشارت الدراسة التي نشرها موقع الشارع السياسي بعنوان "تعديلات قانون المخابرات ، قراءة في الخلفيات والمآلات" إلى أن التعديلات التي أقرها برلمان العسكر على قانوني المخابرات رقم 100 لسنة 1971، والقانون رقم 80 لسنة 1974، والتي تمنح المخابرات حق إنشاء الشركات وإدارتها ، كما تمنح قيادت الجهاز والعاملين به امتيازات إضافية مالية وإدارية، إنما تستهدف أولا، تعزيز نفوذ الجهاز واسترضاء قياداته، بمنحه امتيازات اقتصادية مهمة، فمعلوم أنه وفق المادة 77 من قانون المخابرات العامة ، فإن ميزانية الجهاز تدرج كمبلغ إجمالي في ميزانية وزارة الحربية أو القوات المسلحة، على أن يتم التصرف فيها من دون الرجوع إلى السلطات المالية بهاتين الجهتين”.
مزايا إضافية
وأضافت أنه على المستوى الاقتصادي فإن هذه التعديلات ستمنح الجهاز مزايا إضافية على باقي مشروعات القطاع الخاص؛ لتجعل المنافسة غير عادلة، لا سيما مع وجود قوانين تسمح بمنح الأعمال الحكومية بالأمر المباشر للشركات، والتي بالطبع تكون من نصيب شركات المخابرات والقوات المسلحة، علاوة على ذلك فإن قانون المخابرات الأصلي قبل تعديله، ينص في المادة 79 منه على أن “تعفى المخابرات العامة من أداء الضرائب والرسوم الجمركية على الأصناف اللازمة لأعمالها التي تستوردها من الخارج، وبالتالي ستتمتع جميع شركات المخابرات بالإعفاءات الضريبية والجمركية، عكس باقي الشركات التي تجبر على دفع أموال طائلة لكلتا الجهتين".
بسط السيطرة
وقال إن "التعديلات تستهدف السيطرة بشكل كامل على هذا الجهاز، وهي خطوة ضمن مخطط مرسوم بدأ بالإطاحة بعدد من قيادات الجهاز، ثم تعيين عباس كامل رئيسا له، ثم دعمه بنجل السيسي الضابط محمود الذي بات يحظى بنفوذ واسع داخل الجهاز، وهذه التعديلات هي خطوة على طريق السيطرة على الجهاز بأدوات الترغيب والمكاسب وبسط النفوذ".
وأوضحت أن سيطرة الجهاز على الشركات كانت تتم عبر وكلاء من الباطن، لكن هذه التعديلات تجعل اللعب على المكشوف وتستهدف تعزيز نفوذ الأجهزة على حساب النشاط الأهلي والمدني وحتى الحكومي التقليدي (القطاع العام) هذه التعديلات تبرهن على أن أجهزة النظام العسكرية والأمنية هي أول من يدهس القانون ويخالفه عبر انحرافات وأنشطة غير مشروعة، ثم يتم سن القوانين لاحقا لشرعنة هذه الانحرافات وتلك الأنشطة، وهذه التعديلات خير برهان على ذلك.
شرعنة مشروعات
وألمحت أن التعديلات من شأنها "شرعنة مشروعات المخابرات، لأن التعديلات لا تؤسس النشاط الاقتصادي للجهاز، بل تقننه لأنه قائم بالفعل منذ عقود طويلة؛ وقد كان الجهاز يؤسس شركاته بالتحايل على القانون عبر تصدير شخصية من قيادته السابقة لتكون الشركة باسمه أو حتى من الشخصيات المدنية".
تعزيز الفساد
وحذرت الورقة من أن التعديلات تعزز من حجم الفساد داخل الجهاز الذي يحظى بامتيازات واسعة وأنشطة كبرى لا يعلم الشعب عنها شيئا، ومن أبرز الملفات التي كشفت حجم الفساد الرهيب في بيزنس المخابرات هو قضية فساد بيع الغاز لإسرائيل في عهدي مبارك والسيسي؛ في عهد مبارك كان شركة حسين سالم سببا في خسارة مصر نحو 10 مليارات دولار عبر توريد الغاز للصهاينة بأقل من سعره العالمي.
وأبانت أنه في عهد السيسي؛ كشف تحقيق استقصائي نشره موقع مدى مصر أن الشركة التي تعاقدت مع إسرائيل لشراء الغاز تابعة لجهاز المخابرات العامة، وهي شركة غاز الشرق التي يهيمن جهاز المخابرات على أغلب أسهمها بالكامل، وهي الشركة التي استحوذت على صفقة الغاز مع إسرائيل والتي تقدر بنحو 19.5 مليار دولار أمريكي.
وبالتالي فإن هذه التعديلات سوف تكون سببا في إغراء قيادات الجهاز وغوايتهم على نحو يعزز حجم الفساد، ويجعل من أجهزة الدولة مجرد مراكز قوى تتصارع على المكاسب والامتيازات، بينما تتحول الدولة إلى أنقاض، تفتقر بهم وبفسادهم كل يوم، بينما هم كأجهزة وأفراد يزدادون غنى وثراء، فإما أن يكون هناك بأجهزة الدولة عقلاء وطنيون بحق يوقفون هذا العبث وإلا فإن الانفجار ـ حتى لو تأخر قليلا ـ فإنه قادم لا محالة؛ لأن هذا الوضع غير قابل للاستمرار.
صراع الامتيازات
وأكدت أن من أهم المخاطر أن صراع الأجهزة الحالي هو صراع على الامتيازات وعوائد المشروعات وبسط النفوذ، وليس صراع وجود بمعنى أن يحرص كل جهاز على القضاء على الآخر، لكن ذلك لا يمنع من توظيف هذه الأجهزة لنفوذها حال جرت تغيرات كبرى في المشهد تسمح بإعادة تصميمه من جديد.
موافقة!
وفي الثلاثاء 22 من فبراير 2022م، وافق برلمان العسكر بغالبية ثلثي أعضائه ــ وقوفا ــ على تعديلات قانوني جهاز المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971، والقانون رقم 80 لسنة 1974 الخاص بالأفراد العاملين بالجهاز، وهي التعديلات التي تتضمن منح الجهاز حق تأسيس الشركات بجميع أنواعها أو المساهمة في شركات قائمة أو مستحدثة، وتعيين أعضائه كرؤساء أو أعضاء مجالس إدارة تلك الشركات بعد موافقة الجهاز، إلى جانب إعادة معاملة رئيس الجهاز معاملة وزير ونائبه نائب وزير فيما يتعلق بالمستحقات المالية، فضلا عن ترتيب الهيكل الوظيفي للمخابرات، وتشديد العقوبة على كل من ينتحل صفة العمل بالجهاز.