غرق 20 مصريا على شواطئ لبيبا …من المسئول؟ وما التداعيات؟

- ‎فيتقارير

حينما تتساوى الحياة مع الموت، فإن ركوب البحر قد يكون السبيل لإنهاء معاناة شباب مصر، الذين يكابدون إجرام وخيانة المنقلب السفاح السيسي ونظامه العسكري الذي أفقرهم وقمعهم سياسيا واجتماعيا، وهو ما يحدث يوميا، بل وتدفعهم إليه الأجهزة الأمنية ، هروبا من مسئولية النظام عن توفير بيئة آمنة سياسيا واقتصاديا للمصرريين، فقد أعلن المدير التنفيذي لـمؤسسة العابرين لمساعدة المهاجرين في ليبيا، أسر صالح، مؤخرا، عن غرق مركب هجرة غير شرعية على متنه 23 شخصا، 20 مصريا و3 سوريين، قبالة شاطئ رأس بياض بالقرب من مدينة طبرق شرقي ليبيا.

أحوال الطقس 

وقال صالح، في تصريحات صحفية إنه "عُثر على ثلاثة مهاجرين على قيد الحياة وجثة واحدة، بينما لا يزال البحث جاريا عن 19 آخرين، مشيرا إلى أن أحوال الطقس السيئة أثرت بشكل كبير على عمليات البحث عن المفقودين".

وأضاف أن هذه الواقعة ليست الأولى في مجال الهجرة غير الشرعية، ولن تكون الأخيرة في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها ليبيا، موضحا أن تجار الهجرة يغرون المهاجرين بإخبارهم أن شواطئ أوروبا تبعد ثلاث ساعات فقط عن سواحل مدينة طبرق الليبية، ما أدى إلى تزايد أعداد مراكب الهجرة السرية في هذه المنطقة".

 

23 مهاجر ا

وبحسب مصادر أمنية ليبية، فإن قوات الإنقاذ التقطت مصريين اثنين وسوريا واحدا، من أصل 23 مهاجرا غير شرعي من الجنسيتين المصرية والسورية، كانوا على متن المركب الذي غرق في ساعة متأخرة من ليل الجمعة، نتيجة عطل طرأ على محركه، ما أدى إلى انقلابه في البحر من جراء الأمواج العالية.

 

الحادث الأليم 

ويأتي الحادث الأليم بعد أيام من غرق 18 مصريا من شباب تلبانة بالمنصورة، وقبلهم غرق 11 آخرين من محافظة الشرقية ومحافظات الصعيد، وهو ما يترافق أيضا مع إقرار تعديلات قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية ، والذي يغلظ العقوبات المالية على مرتكبي الهجرة وممساعديهم ، والذي ينطلق من فلسفة تغليظ العقوبات دون فتج بدائل للشباب لاحتوائهم في أوطانهم، وتيسير حياتهم العملية أو السكن أو الزواج وهي غالب الأهداف التي تدفعهم نحو الهجرة.

وقد أشار النائب عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي فريدي البياضي، في جلسة التصويت على القانون بقوله "يجب على مؤسسات الدولة المصرية النظر بصورة أعمق إلى أسباب إلقاء الشباب بأنفسهم في مراكب الموت في البحر المتوسط، أملا في الوصول إلى أوروبا بشكل غير شرعي".

مضيفا، "الشباب يلجأون إلى مثل هذه الحلول حينما يتساوى الموت في البر مع الموت في البحر، وأطفال وشباب مصر الذين يلقون حتفهم غرقا في البحر هم قضية أمن قومي، ومحاربة الهجرة غير الشرعية ليست فقط بتغليظ العقوبة، وإنما بتحسين نوعية الحياة الكريمة لهم، وهذا لن يحدث إلا بالمزيد من الإنفاق الحكومي على قطاعات مثل التعليم والصحة، حتى لا يفقد الشباب الأمل في الحياة ببلدهم، ويخاطروا بالموت للهرب منه".

 

برلمان الانقلاب وقانون الهجرة 

ويوم الثلاثاء الماضي، وافق البرلمان الانقلابي على تعديل بعض أحكام قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين الصادر في عام 2016، بذريعة مواجهة هذه الظاهرة تماشيا مع الأطر الدولية، من خلال تغليظ عقوبات الهجرة السرية لتصل إلى السجن المؤبد مع توقيع غرامة مقدارها 5 ملايين جنيه.

ونص تعديل القانون على توقيع عقوبة السجن المشدد مع غرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه، ولا تزيد على 500 ألف جنيه، أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر، لكل من ارتكب جريمة تهريب المهاجرين أو شرع فيها أو توسط في ذلك.

وتكون العقوبة السجن المشدد مع غرامة لا تقل عن خمس مئة ألف جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه، أو غرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع (أيهما أكبر) في حال كان الجاني قد أسس أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض تهريب المهاجرين، أو تولى قيادة فيها، أو كان أحد أعضائها، أو منضما إليها.

وتوقع العقوبة ذاتها إذا كانت الجريمة ذات طابع غير وطني أو إذا تعدد الجناة أو ارتكب الجريمة شخص يحمل سلاحا أو إذا كان موظفا عاما أو مكلفا بخدمة عامة وارتكب الجريمة باستغلال الوظيفة أو الخدمة العامة، أو إذا كان من شأن الجريمة تهديد حياة من يجرى تهريبهم من المهاجرين أو تعریض صحتهم للخطر أو تمثل معاملة غير إنسانية أو مهينة لهم أو إذا حصل الجاني على منفعة لاحقة من المهاجر المهرب أو ذويه.

 

واقع مغاير للتشريع

وعلى الرغم من أن  التشريع الذي يأتي ترويجا إعلاميا لا أكثر ولا أقل  للسيسي أمام أوروبا والمانحين الغربيين، إلا أنه يأتي عكس الواقع، إذ أن أغلب الشباب الذي يهاجر إلى إيطاليا عبر ركوب البحر من ليبيا، غالبا ما يخرجون من مصر دون جوازات سفر أو بطاقات إثبات الهوية، ويمرون بتنسيق بين عصابات التهريب وقيادات حرس الحدود الذين يسمحون بمرورهم مقابل حصولهم على أموال يحصلها لهم رجال العصابات، وفق شهادات أهالي تلبانة بالمنصورة، أي أن المسئول عن تسهيل الهجرة غير الشرعية هم  قياددات نظام السيسي، وذلك من أجل تخفيف الأحمال الاقتصادية عن النظام، ومن أجل زيادة عوائد التحويلات المالية إلى مصر، وتحقيق مكاسب مالية لعناصر الأمن.

كما أن ما يدفع الشباب لركوب البحر عبر مراكب آيلة للغرق هو ظروفهم الاقتصادية الصعبة التي يحيونها بمصر، حيث لا عمل ولا وظائف ولا زواج ولا مسكن، إثر سياسات الإفقار التي  تستهدفها إستراتيجية نظام السيسي، التي ترى في الشعب الفقير شعبا مثاليا للديكتاتور ، يسهل قيادتهم سياسيا إذ أن أهم ما يشغل بالهم هو أمن الثلاجة والمطبخ فقط، وليس سياسات النظام.

كما تعد الهجرة غير الشرعية ورقة بيد نظام  السفاح السيسي للضغط على أوروبا ، من أجل تفادي انتقادات حقوق الإنسان التي يمارسها السيسي، كما يبتز بها أوروبا ماليا لتقديم مساعدات لنظام السيسي المأزوم اقتصاديا.

بل بات شباب مصر يعيشون تحت وطأة أزمات معيشية متصاعدة في ظل ضعف الأجور وغلاء المعيشة الفاحش.

وما يفاقم من أزماتهم هو تأخر صرف الرواتب في الكثير من الشركات وعدم وفاء إداراتها بدفع الحوافز بانتظام، ما دفع آلاف العمال إلى اللجوء للإضرابات والاحتجاجات الساخطة من أجل استرداد حقوقهم، بل لجأ البعض منهم للانتحار مع تفاقم الديون عليهم، وهو ما ينطبق على أغلب شباب مصر ويدفعهم نحو الهجرة بأي شكل.

وحسب مراقبين، زادت معاناة الشباب مع موجات غلاء المعيشة المتواصلة بسبب قيام الحكومة برفع أسعار الكهرباء والوقود وبدء التخلي عن دعم المواد التموينية الضرورية والخبز.

هذا الأنين المكتوم ازداد مع تدهور أوضاع العمال في مصر كثيرا ، بعد انتشار جائحة فيروس كورونا الجديد "كوفيد-19"

وأكدت تقارير دولية، مؤخرا، أن الأزمة الغذائية وارتفاع الأسعار قد يؤديان إلى خروج تظاهرات جديدة وعدم الاستقرار في عدة دول بالمنطقة ومنها مصر.

وتبقى الهجرة غير الشرعية أحد المخارج لشباب مصر من القهر والفقر، إما إلى حياة رغيدة بأوروبا أو موت عاجل يفجع الأهل ومصر جميعها، إلا نظامها الذي لا يرى إلا مصالح فئة محدودة جدا قد لا تتجاوز 2% من الشعب المصري، تبني لهم المدن الذكية والمدن الترفيههية وخدمات المونوريل والقطارات المكهربة، فيما يعج الملايين تحت الفقر والمرض والعوز، ما يؤدي للانتحار أو الموت غرقا بمراكب الموت.