تسود الأوساط الحكومية حالة من الارتباك الواسع حول طريقة التعامل مع موجات الغلاء الفاحش التي طالت كل شيء، وهناك تقديرات موقف رفعتها ما تسمى بالأجهزة السيادية لمكتب رئاسة الانقلاب تحذر من تصاعد مستويات الغضب الشعبي جراء ارتفاع الأسعار، وسط مخاوف من اندلاع احتجاجات شعبية واسعة جراء هذه الأوضاع وسقوط عشرات الملايين من المواطنين تحت خط الفقر.
وزاد منسوب الغضب الشعبي بعد قرار الحكومة ليل الخميس 17 مارس 2022م، رقم 1065 لسنة 2022 بشأن زيادة أسعار أسطوانات الغاز السائل (البوتاجاز) للأغراض المنزلية والتجارية بنسبة 7.1%، بحجة ارتفاع أسعار الغاز كباقي المنتجات البترولية في الأسواق العالمية، وذلك للمرة الثانية خلال فترة وجيزة لم تتجاوز 3 أشهر ونصف شهر. ونص القرار على زيادة سعر الغاز السائل (البوتاجاز) من 70 جنيهاً إلى 75 جنيهاً للأسطوانة المنزلية الصغيرة (سعة 12.5 كيلوجراماً)، ومن 140 جنيهاً إلى 150 جنيهاً للأسطوانة التجارية الكبيرة (سعة 25 كيلوجراماً)، فضلاً عن زيادة سعر الطن من الغاز الصب غير شامل "نولون النقل" من 5600 جنيه إلى 6000 جنيه. وفي 4 ديسمبر2021 الماضي، رفع مجلس الوزراء أسعار أسطوانات البوتاجاز المبيعة في السوق المحلية سواء للاستهلاك المنزلي أو التجاري، بقيمة تراوح بين 5 و10 جنيهات للإسطوانة، وبنسبة زيادة تبلغ 7.7%، رغم الادعاءات المستمرة للحكومة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز، والتوسع في تصدير الفائض منه للخارج. وكان مدبولي قد أصدر قراراً برقم 2902 لسنة 2021، بزيادة أسعار بيع الغاز الطبيعي المورد للأنشطة الصناعية بنسبة 28%، اعتباراً من 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بناءً على نتائج أعمال لجنة حكومية مشكلة بموجب القرار رقم 1884 لسنة 2019، وموافقة مجلس الوزراء على توصياتها.
مخاوف أجهزة السيسي وتفشي حالة الغضب بين المواطنين والتي تجلت بوضوح شديد على مواقع التواصل الاجتماعي واستغاثة المواطنين من عدم قدرتهم على مواجهة تكاليف الحياة في ظل الغلاء الفاحش الذي يعصف بالمواطنين عصفا فيتساقطون كأوراق الشجر اليابسة في يوم عاصف.
هذه المخاوف دفعت نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي نحو رفع حالة الطوارئ القصوى في صفوف الجيش والشرطة؛ لا سيما مع اقتراب شهر رمضان؛ وهو ما يثير كثيرا من التساؤلات حول الأسباب والأهداف؛ وهل يستنجد السيسي بأجهزته من أجل مكافحة الغلاء وأزمة الخبز في ظل التداعيات الكارثية لتفشي جائحة كورونا من جهة ثم الحرب الروسية الأوكرانية من جهة أخرى.
بحسب المعلن، فإن حالة الاستنفار والاستعانة بإمكانيات الجيش والشرطة إنما تتم لتوفير سلع غذائية بأسعار مخفضة من خلال منافذ البيع الكثيرة التي يمتلكانها في أنحاء الجمهورية، لمواجهة تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا وما نتج عنها من اضطراب سلاسل الإمداد والتوريد، والارتفاع الحاد في تكاليف الشحن والأسعار العالمية للسلع والخدمات، فضلا عن تنامي غضب المواطنين من الغلاء، خاصة مع قرب حلول شهر رمضان المبارك.
وبحسب بيان للجيش فإن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية وجهاز الخدمات العامة مكلفان بتوفير سلع غذائية من خلال المنافذ الثابتة والمتحركة بأسعار مخفضة لرفع الأعباء عن كاهل المواطنين خلال شهر رمضان. وتم تبعئة وتجهيز مليون حصة غذائية لطرحها بالأسواق بنسبة خصم تصل إلى 60%، وهو حجم هزيل مقارنة بحجم الأزمة ومداها. كما بدأت وزارة الداخلية في طرح سلع غذائية بتخفيضات تصل إلى 60% عبر نحو ألف فرع ومنفذ في إطار إطلاق فعاليات المرحلة الـ22 من مبادرة "كلنا واحد"، وتستمر حتى منتصف الشهر المقبل. وهو أمر مثير للاهتمام ويؤكد أن الجهازين (الجيش والشرطة) باتا يقومان بأدوار ليس من اختصاصهما على الإطلاق ما يعني أن ثمة تحولات كبرى في بنية الدولة وهيكلها على نحو يضمن سيطرة المؤسسة العسكرية والأمنية على مفاصل الحياة والاقتصاد.
لكن هناك قراءة أخرى، تؤكد أن الهدف من حالة الاستنفار هو مواجهة أي انتفاضة شعبية محتملة في ظل الضغوط الواسعة التي يتعرض لها ملايين المواطنين بسبب الغلاء. وبالتالي فإن الهدف هو احتواء تنامي غضب الشارع من ارتفاع الأسعار بشكل كبير، خاصة أسعار الحبوب والزيوت واللحوم والخبز غير المدعوم الذي ارتفع سعره بنسبة 50%.
وتمتلك القوات المسلحة 202 منفذ ثابت و1187 منفذا متحركا، وتساهم وزارة الداخلية بـ740 منفذا ثابتا و190 منفذا متحركا ضمن جهود الدولة لتوفير متطلبات المواطنين من السلع. بالتوازي، تقول وزارة الداخلية إنها تقوم بشن حملات أمنية رقابية موسعة بدعوى متابعة توافر السلع الغذائية في السوق المحلي، وأسفرت تلك الجهود خلال الفترة من 9 إلى 12 مارس الجاري عن تحرير 5476 قضية، منها 1216 مخالفة تتعلق بالمخابز والقمح، ومصادرة آلاف الأطنان من المواد والسلع الغذائية وعرضها في المنافذ التابعة للدولة.
وتحذر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" (FAO) إن الأسعار العالمية للأغذية والأعلاف قد ترتفع بما يتراوح بين 8 و20% نتيجة الحرب على أوكرانيا، مما سيؤدي إلى قفزة في عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية في شتى أنحاء العالم. وحذرت المنظمة من تعرض نحو 9.6% من السكان في مصر (نحو 10 ملايين مصري) لخطر عدم القدرة على توفير طعام صحي لو تراجعت قدراتهم الشرائية بنسبة الثلث، خاصة على الطبقات الأكثر فقرا في العالم والتي تنفق معظم دخلها على الغذاء، مع اضطرابات عروض الأغذية في السوق العالمي.