حرب أوكرانيا و”البيض المسيحيين المتحضرين”.. هكذا كشفت انهيار النموذج الغربي الإنساني

- ‎فيتقارير

الحرب شر، لكن الأهم في حرب أوكرانيا هو انهيار النموذج الغربي "الإنساني" انهيارا مدويا، حيث كشفت الحرب أن الغرب يعتبر نفسه أمة من دون الناس ، إنهم أوروبيون مثلنا، إنهم مسيحيون مثلنا، نحن لا نتحدث عن فرار سوريين بل أوروبيين ، هكذا تحدثت أوروبا باسم الهوية لا الإنسانية.

من دروس الحرب الأوكرانية الأخرى التي كشفت إنسانية الغرب المزدوجة المزيفة ، كيف أنهم يعتبرون المقاومة أصبحت مشروعة، لكن للأوروبيين البيض المسيحيين لا المسلمين.

احتفت كل وسائل الإعلام بجندي أوكراني وهو يفجر نفسه في الروس ليمنع تقدمهم ، واعتبرته بطلا قوميا يدافع عن أرض بلاده، بينما حينما يفعل ذلك استشهادي فلسطيني دفاعا عن أرض فلسطين يوصف بأنه إرهابي.

أثارت تعليقات مراسلين أجانب وسياسيين أوروبيين حول أوكرانيا، جدلا واسعا بسبب ما تضمنته من تعليقات عنصرية ومسيئة.

فقد ذكر مراسل شبكة CBS الأمريكية، شارلي داجاتا، أنه لا يمكن مقارنة غزو أوكرانيا بالحرب في العراق أو أفغانستان، لأن حرب أوكرانيا أكثر تحضرا وشعبها شعب أوروبي.

زعم أن "أوكرانيا متحضرة نسبيا وأوروبية ، فهي مدينة لا تتوقع فيها حدوث الحرب أو نأمل ألا يحدث ذلك".

ولم يضطر إلى تقديم اعتذار إلا بعدما أثاره تعليقه من غضب عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، حيث اعتبر البعض أنها عنصرية وغير دقيقة.

أيضا قالت كيلي كوبيلا، مراسلة محطة "إن بي سي" عن أوضاع اللاجئين الأوكرانيين "هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا المجاورة، هؤلاء مسيحيون إنهم بيض إنهم مشابهون جدا للأشخاص الذين يعيشون في بولندا".

وقال رئيس وزراء بلغاريا كيريل بيتكوف، في تصريح متلفز "اللاجئون الأوكرانيون ليسوا من اللاجئين الذين اعتدنا عليهم، لذلك سنرحب بهم، هؤلاء أوروبيون أذكياء ومتعلمون ، ولا يملكون ماضيا غامضا، كأن يكونوا إرهابيين".

ومضى المسؤول الأوربي ليقول إن "الأوكرانيين أذكياء ومتعلمين ولا يملكون ماضيا غامضا، كأن العرب والمسلمين والأفارقة أغبياء وارهابيين".

وقال ديفيد ساكفاريليدزي نائب المدعي العام السابق في أوكرانيا على قناة BBC "أنا متأثر وعاطفي جدا لرؤيتي أوروبيين ذوي عيون زرقاء وشعر أشقر يُقتلون".

وتضمنت برامج لقناة BFM الفرنسية اليمينية، خطابا شبيها منذ بداية الغزو الروسي، شمل أوصافا مثل "فنحن لا نتحدث عن سوريين يهربون من قصف نظامهم المدعوم من بوتين، بل نتحدث عن أوروبيين يقودون سيارات كسياراتنا".

وردت على لسان عدد من المذيعين والمراسلين وضيوف قنوات غربية مقارنات كانت محل استهجان، تصب في اتجاه أن اللاجئين الأوكرانيين الفارين من حرب بلادهم يختلفون عن نظرائهم من دول عربية وإسلامية وأفريقية.

كما حاول كثيرون تصوير الأوكرانيين أنهم الأقرب لمواطني دول الجوار الأوروبي ، وليس مثل لاجئي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ونشر مغردون ونشطاء عينة من تعليقات اعتبرت عنصرية وكانت محل استهجان واسع وذهب آخرون إلى اعتبارها انعكاسا لعقدة التفوق للرجل الأبيض تجاه الآخر القادم من دول عدة.

والأكثر غرابة أنهم بعدما وصفوهم بهذه الأوصاف العنصرية، انتشرت حملات تجنيد الأفارقة عبر سفارات أوكرانيا في السنغال ونيجيريا والجزائر وحتى العراق بمقابل مادي يعادل نصف ما يتقاضاه المتطوعون أو المرتزقة الأوروبيين.

فقد قامت سفارتها بنيجيريا بعملية تجنيد الأفارقة، طالبة منهم دفع 1000 دولار للتذكرة والفيزا، مقابل راتبا أقل يعادل 3300 دولار شهريا، بدلا من 7000 للمتطوعين الأوروبيين.

وكشف صحيفة «بانش» النيجيرية  أن السفارة الأوكرانية في نيجيريا، طالبت النيجيريين الراغبين في السفر إلى أوكرانيا للقتال ضد القوات الروسية، بتوفير ثمن التذكرة الجوية ورسوم التأشيرة بعدما تجمع عدد من النيجيريين أمام السفارة في أبوجا، مبدين استعدادهم للقتال مع الجانب الأوكراني، وسط وعود وصلتهم من وسطاء بتقاضي رواتب تصل إلى 7000 دولار شهريا، ثم قيل لهم إنها نصف ذلك المبلغ.

ولم يقتصر تجنيد الأفارقة على نيجيريا وإنما تكرر في الجزائر والسنغال ونشرت السفارات الأوكرانية هناك ما قالت إنه "دعوات للتطوع ونفت أنهم مرتزقة رغم أنه سيتم الدفع لهم كمرتزقة".

واعترفت سفارة أوكرانيا لدى دكار  للخارجية السنغالية بأنها سجلت 36 متطوعا سنغاليا للسفر إلى أوكرانيا للقتال بجانب الجنود الأوكرانيين ضد الروس، فاحتجت الخارجية السنغالية وطالبتها بمنع هذا التصرف اللامسؤول.

ورغم هذا نشرت صحيفة إندبندنت تقريرا قالت فيه إن "عددا من الأفارقة المقيمين في أوكرانيا وجدوا أنفسهم عالقين وسط الغزو الروسي للبلد، انضموا إلى أفواج اللاجئين باتجاه الحدود مع بولندا، ولكن الجنود الأوكرانيين أمروهم بالنزول من الحافلات قائلين “لا سود” يسمح لهم بالركوب، فقط البيض الأوكرانيون".

وقالت الصحيفة إن "عددا من الأفارقة الذين يعيشون في المنطقة تحدثوا عن سوء المعاملة وتركهم عالقين لوحدهم، حيث لجأ الكثيرون منهم إلى “تويتر” للحديث عن تجربتهم".

وفي مقابلة مع الصحيفة، قال أوسارمين، والد ثلاثة أطفال، إنه "وعائلته وعددا من المهاجرين، طُلب منهم النزول من الحافلة التي كانت ستسافر صوب الحدود يوم السبت وأُخبروا لا سود".

 ورغم تحديهم لسائق الحافلة والجنود، إلا أنهم أُجبروا على النزول منعا وتُركوا وحدهم وقال “منذ ذلك الوقت أحاول تجاوز الأمر والتركيز والتصرف بشكل طبيعي، لكن الأمر صعب”.

وأضاف "طوال حياتي كناشط ، لم أرَ مثل هذا، وعندما أنظر في عيون الذين يمنعوننا من الدخول أرى دما وعنصرية، يريدون إنقاذ أنفسهم ولكنهم يخسرون إنسانيتهم، لا أتخيل سيناريو يتم فيه منع لجوء أوكراني أبيض".

وانتشر تسجيل فيديو بشكل واسع على منصات التواصل، حيث مُنع بعض الناس من ركوب القطار، وظهر رجل صيني يصرخ على اللاجئين الأفارقة الذين يحصلون على المقاعد، مشيرا إليهم بـ”الناس السود”.

وتعاني دول في شرق أوروبا من سيادة المشاعر اليمينية المتطرفة، لكن أوكرانيا بجامعاتها الرخيصة أصبحت مقصدا مفضلا للطلاب من أنحاء العالم.