يُعرف الشيخ محمد متولي الشعراوي بأنه عالم تقي، ومفسر بارع يمتلك الكثير من الأدوات، ما مكنه أن يكون على دراية بدقائق الأمور الفقهية، والتف حوله الجميع لبراعته في التفسير الذي كان يعتمد خلاله على أسلوب ميسر يسهل معه الفهم، ما جعله قبلة لمن أراد تحليل مسألة فقهية أو أمر ديني أو دنيوي، ومن أشهر عباراته في الدجالين والطبالين الذين يرتدون عباءة الدين "إذا رأيت الخطيب يعتلي المنبر ويحث الفقراء على الزُهد دون الحديث عن سارقي قوتهم ، فأعلم أنه لص بملابس واعظ ".
وكأن مختار جمعة وزير الأوقاف في حكومة الانقلاب، جعل عبارة الشعراوي مُفصلة على مقاسه تماما، عندما خطب الجمعة الماضية ، بمسجد "السلام" بطابا بمحافظة جنوب سيناء، وذلك بحضور شوقي علام مفتي العسكر، على هامش الاحتفال بذكرى رفع العلم المصري على أرض طابا المحتلة.
ويعد "جمعة" أو "المخبر" من فئة الشيوخ الذين اتخذوا من العمائم ستارا، ومن جلبابهم واجهة، تضفي قداسة وتخفي وراءها ركاما من الفساد، وثروات بالملايين مسكوت عنها، ومخالفات مالية وإدارية وصلت إلى حد غير مسبوق، وقائع جعلته في حرج بعدما تحولت الوزارة إلى بؤرة من الفساد في عهده.
جوعوا حتى يشبع العسكر..!
وفي خطبته أكد وزير أوقاف الانقلاب أن قضية بناء الدول والحفاظ على الأوطان وفهم التحديات التي تواجه الأوطان أمر يحتاج إلى وعي كبير وحكمة بالغة وخبرة واسعة في إدارة الدول في عالم كثير التشابك والتعقيد، ولا أدل على هذا من نموذج مدينة طابا ورفع العلم المصري عاليا خفاقا، إلا أنه لم يفسر للمصلين ، لماذا عادت طابا وذهبت بعدها تيران وصنافير إلى السعودية ومنها إلى إسرائيل ومساحات شاسعة من البحر المتوسط غنيه بالثروات ذهبت إلى قبرص واليونان مجانا على يد العسكر؟
وتابع جمعة "وفي الظروف الحالية الآنية ، العالم أمام تحدٍ جديد وهو تحدٍ اقتصادي بحت ، فمعظم دول العالم تعاني من موجات التضخم وغلاء في الأسعار ونقص في الإمدادات الأساسية ، وهذا يتطلب من كل وطني أمرين، أن تسود بيننا روح التراحم والتكافل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى" إلا أنه لم يفسر كيف يشتكي الشعب من الفقر والديون التي يضعها العسكر فوق ظهره، في الوقت الذي تعوم فيه عصابة الانقلاب فوق تلال من مليارات الدولارات والقصور لا سيما في العاصمة الإدارية الجديدة.
كما حذر جمعة من الجشع والغش والاحتكار والاستغلال، وإنها مرفوضة مذمومة خبيثة في كل وقت، وفي وقت الأزمات أشد جرما وإثما ، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" إلا أن جمعة لم يفسر كيف أطلقت وزارة الداخلية في الحكومة مبادرة "كلنا واحد" لمدة 30 يوما، تحت رعاية السفاح السيسي، وذلك لطرح السلع الغذائية المُستولى عليها من التجار غصبا وقهرا وظلما للبيع لصالح عصابة الانقلاب بخصم كبير يصل إلى 60%.
وكانت مصادر مطلعة قالت إن "عصابة الانقلاب شنت حملة موسعة طاولت أغلب المحافظات، بغرض الاستيلاء على السلع الغذائية المخزنة لدى التجار، وإعادة بيعها في المنافذ الاستهلاكية التابعة لوزارات الداخلية والدفاع والتموين بأسعار أقل في الأسواق، للإيحاء بأن عصابة الانقلاب تحارب موجة الغلاء الحالية بفعل التضخم العالمي، وتداعيات الحرب في أوكرانيا".
التاجر.. أم الجنرال اللص؟
وقال جمعة أيضا لو أن التاجر الصدوق الأمين في وقت الأزمات خفض هامش ربحه إلى أدنى درجة ممكنة فإن ما يخفضه فهو له صدقة بنيته ، حيث يقول صلى الله عليه وسلم "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" ولهذا فإن من يقدم الآخرة على العاجلة ولا يحتكر ولا يغش ويراعي أحوال الناس يكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، فالتاجر الصدوق لا ترفعه صلاته ولا صدقته بقدر ما ترفعه أمانته وحرصه على المجتمع ومراعاته لظروف الناس.
ونسي جمعة أو ظن ان المصريين نسوا العبارة الشهيرة للمخلوع مبارك "هنجيب منين؟ والتي طالما صفع بها وجه المصريين الذين عصف بهم الفقر والجوع والبطالة ، وبلادهم ترقد فوق ثروات طائلة ينزح منها العسكر ما شاءوا ومتى شاءوا، بعدها جاء السفاح السيسي مجددا في العبارة بقوله "إحنا فقرا أوي".
وأحصى مراقبون للانقلاب العسكري 3 عواصم يتنقل فيما بينها، منها القاهرة والعلمين والإدارية الجديدة، ما يعد بذخا وترفا وإسرافا في دولة يعصف باقتصادها سيل عارم من الديون الخارجية المتعمدة، مع سياسة اقتصادية تتعمد إفقار البلاد وإغلاق المصانع والشركات وتصفيتها لصالح الجيش، ما زاد رقعة الفقر لتصل إلى ما فوق 45 % من مجموع المصريين.
واختتم وزير أوقاف الانقلاب، قائلا "اليوم هو يوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل ، فالعاقل هو من يأخذ من دنياه لآخرته فيربحهما جميعا ، لا من يقتطع من آخرته لدنياه فيخسرهما جميعا ، ونقول لكل تاجر ولكل صانع ولكل أحد خذ من دنياك لآخرتك ، وقدم شيئا لآخرتك تجده خيرا في دنياك وأمامك غدا في أخراك".
مختار جمعة، الذي شغل منصب عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة، تم تعيينه وزيرا للأوقاف في 16 يوليو 2013 ضمن وزارة حازم الببلاوي الانقلابية، ورغم أن تلك الوزارة تقدمت باستقالة جماعية في 24 فبراير 2014، إلا أن جمعة استمر في منصبه بالرغم من تداول تقارير عدة تشير إلى فساد جم اعترى وزارته.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه البيانات الأولية الصادرة عن هيئة الأوقاف عن ملياري جنيه من الأموال السائلة، و500 مليون جنيه إيرادات سنوية، وحصر أراض بقيمة 450 مليون جنيه لعام 2017، توجد مئات المساجد في أنحاء الجمهورية مغلقة، لحاجتها إلى إحلال وتجديد؛ وهنا يتبادر السؤال أين يذهب ما تكتنزه وزارة الأوقاف من مليارات الجنيهات؛ وهل صنع جمعة من نفسه طريقا لتلك الأموال حتى تصل إلى خزائن العسكر؟