على طريقة الحاوي والساحر، ومع تفاقم أزمة التضخم بصورة غير مسبوقة وتوالي ارتفاعات الأسعار لكل شيء داخل مصر والتي تفجرت موجتها الأولى إثر الديون وفوائدها والفشل الاقتصادي في علاج نقص الإنتاج المصري، والتي فاقمتها الأزمة الروسية الأوكرانية ، والتي تركزت تاثيراتها الكارثية على الطعام والخبز والنقل والطاقة إثر توقف إمدادات القمح وارتفاع تكلفة الشحن البحري وغلاء الوقود، حتى جاءت الطامة الكبرى بالأمس ، حيث قرر السيسي الفاشل ونظامه العسكري إطلاق رصاصة القتل غير الرحيم للجنيه المصري، محطما آمال المصريين في استقرار معيشي أو توافر الغذاء واحتياجات المعيشة بأسعار في متناول الأيدي.
مخدرات
وعلى طريقة الحاوي سعى السيسي وحكومته لامتصاص الغضب الشعبي المتصاعد بين المصريين عقب الغلاء الفاحش للأسعار وتآكل مدخراتهم المالية إثر التعويم الكارثي.
وتراوحت آليات امتصاص الغضب وتنويم غضب المصريين، بين قرارات اقتصادية وآلاعيب إعلامية وتسكين سياسي ، بتأجيل إقرار تعديلات تشريعية لقوانين تزيد أزمة المصريين الاقتصادية.
وتقدم سحرة فرعون وإعلاميو الحظيرة العسكرية، كأحمد موسى وعمرو أديب، باستضافة أطباء نفسيين طالبوا الشعب بعدم الحديث حول الأزمة الاقتصادية، زاعمين أن ذلك ينشر الأجواء السلبية والتشاؤم ولا يحل الأزمة الاقتصادية، وأن جميع دول العالم تعاني أكثر من مصر.
ومع عدم جدوى إعلام السيسي في تخدير المصريين، قررت حكومة السيسي تبكير صرف الزيادة في رواتب الموظفين إلى مطلع أبريل المقبل بدلا من يوليو ، ضمن حزمة إجراءات اتخذتها للحد من تأثيرات متوقعة بارتفاع التضخم بعد انهيار قيمة الجنيه.
جاء الإعلان على لسان رئيس الوزراء الانقلابي مصطفى مدبولي، الاثنين، في مؤتمر صحفي بحضور عدد كبير من الوزراء.
وقال مدبولي "تقرر تبكير تطبيق زيادة المرتبات التي كانت مقررة مع بداية العام المالي الجديد 2022- 2023، ليتم تطبيقها اعتبارا من أول أبريل المقبل بدلا من أول يوليو 2022، بتكلفة إجمالية إضافية على موازنة الدولة، تصل إلى 8 مليارات جنيه.
كما قررت الحكومة، إضافة 450 ألف أسرة جديدة لبرنامج المساعدات النقدية "تكافل وكرامة" بتكلفة سنوية إضافية تبلغ 2.4 مليار جنيه.
وتشمل الإجراءات الجديدة تحمل الدولة للضريبة العقارية عن القطاعات الصناعية لمدة 3 سنوات، بتكلفة إجمالية تبلغ 4 مليارات جنيه.
وكانت وزارة المالية بسلطة الانقلاب قد أعلنت الاثنين أيضا، تخصيص 130 مليار جنيه لمواجهة التداعيات الاقتصادية للحرب في أوكرانيا.
وشملت الإجراءات التي أعلنتها وزارة المالية أيضا رفع سقف الإعفاء الضريبي إلى 30 ألف جنيه، وتحديد سعر الدولار الجمركي بـ16 جنيها، وخصم 50% من الضريبة على الأرباح الرأسمالية.
تنويم سياسي
وفي سياق محاولة امتصاص الغضب وتغيير لغة خطاب الحكومة القمعية التي ظلت توجه اتهاماتها للمواطنين وتحملهم مسئولية الغلاء والأزمة الاقتصادية، خاطب رئيس الوزراء بحكومة الانقلاب، رئيس مجلس النواب حنفي جبالي بصورة رسمية، لطلب تأجيل مناقشات بعض مشاريع القوانين المطروحة أمام البرلمان إلى دور الانعقاد السنوي الثالث الذي يبدأ في أكتوبرالمقبل. وطلب مدبولي التأجيل، إلى حين إدخال الحكومة مجموعة من التعديلات على مواد القوانين، لا سيما إثر خفض الجنيه مجددا أمام الدولار في تعويم ثانٍ للعملة المحلية، وارتباط تلك التشريعات بقطاعات عريضة في المجتمع.
وشملت قائمة التشريعات التي طلب مدبولي إرجاء مناقشاتها تعديلات قوانين الإيجارات القديمة لأغراض السكن، والأحوال الشخصية والأسرة والإدارة المحلية والمرور، على أن يتم الاكتفاء في دور الانعقاد الثاني/الحالي بـ"تمرير تعديلات قوانين الضريبة على الدخل، في ما يخص ضريبة التصرفات العقارية، والتأمين الموحد والعمل، بالإضافة إلى مشاريع ربط الموازنة العامة للدولة عن العام المالي 2022-2023".
ويأتي طلب تأجيل القوانين الأربعة كمحاولة لتهدئة الشارع المصري، في ظل حالة الاحتقان التي يشهدها على وقع قرار التعويم، ما ينذر بارتفاع جديد في أسعار السلع الأساسية، والتي شهدت زيادات بلغت 50 % منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.
وتخشى الحكومة غضب المواطنين والدعوات إلى تظاهرات شعبية، كتلك التي اندلعت في القاهرة ومحافظات رئيسية أخرى في عام 2019، و2020.
يشار إلى أن قوانين مثل الإيجارات القديمة والأحوال الشخصية تمس أوضاع الملايين من المصريين الذين يعانون من أوضاع اقتصادية شديدة الصعوبة، وبالتالي يجب تأجيل مناقشتها أمام مجلس النواب تجنبا لاستعداء أو إثارة شرائح كبيرة منهم، خصوصا مع إمكانية اتخاذ إجراءات اقتصادية صعبة أخرى في الأسابيع المقبلة، في حالة اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي على قرض جديد.
وأيضا هناك مخاوف داخل أروقة النظام من الآثار السلبية المحتملة لتمرير تعديلات قانون الإيجارات السكنية القديمة، الذي يقضي بتحرير عقود الإيجار بين الملاك والمستأجرين خلال مدة زمنية أقصاها خمس سنوات، ومن ثم تهديد نحو تسعة ملايين أسرة بالطرد من منازلها من دون توفير بدائل لها، الأمر الذي من شأنه تفجير الوضع في الشارع.
ومع تعويم الجنيه وفقدانه أكثر من 60% من قيمته، منذ العام 2016 تتفاقم الأوضاع المعيشية بمصر، ويحذر خبراء من أن زيادات كبيرة في أسعار الطاقة والغذاء واحتمال هبوط حاد في أعداد السياح الروس والأوكرانيين هذا العام سيزيدان الضغوط على مالية مصر.
كما أن القرض المزمع الحصول عليه من صندوق النقد الدولي سيفاقم الأوضاع الاقتصادية لما سيتضمنه من اشتراطات كارثية للصندوق ، قد تطال الموظفين وخفض ثالث للجنيه، وتقليص الدعم التمويني.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية في مصر حتى من قبل غزو روسيا لأوكرانيا، لكن الآن أصبح الخبز، الغذاء الأساسي المؤثر سياسيا، والذي يعتمد عليه أغلب المصريين بشدة، أغلى سعرا بعد أن تعطلت إمدادات القمح من منطقة البحر الأسود.
وينتظر المصريون، خلال الساعات المقبلة، موجة تضخم جديدة واسعة بعد انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار.