« اوعى واحنا بنتفرج على الماتش تبيع الهرم».. مراقبون يرصدون تراجع شغف المصريين بالكرة تحت مطارق العسكر

- ‎فيتقارير

لم تعد كرة القدم مجرد لعبة للفرجة والمتعة، بل تحولت إلى صناعة وتجارة واستثمارات وتسويق، وفوق ذلك هي لدى البعض مخدر لإلهاء الشعوب عن مشاكلها الحقيقية، ولضمان سلم الشارع كي لا تنزعج الأنظمة الحاكمة في مواقعها، ولذلك توفر لها الأموال والعطاءات والتكريمات.

وبرأي مراقبين فإنه بات من الملاحظ، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي، أو في الشارع، أو على المقاهي، أن انشغال الناس بمباراة مصر والسنغال المؤهلة لكأس العالم، أقل كثيرا من المعتاد في هذه الحالة، ووفق هؤلاء فذلك أمر جديد على الشارع المصري، وتحليله اجتماعيا ونفسيا وسباسيا واقتصاديا يبين تحول اهتمام الناس إلى اتجاه آخر.

 

شدة وتزول

"شجعت كرة القدم منذ نعومة أظفاري بين عامي 1986-2011 وأقلعت عنها بعدما وقع في ظني عدم جدوى هذا الأمر، فكرة القدم وسيلة من وسائل إلهاء الشعوب.. لقد كان الطغاة في الأرجنتين وفي إفريقيا يقتلون معارضيهم بينما يلهون الشعوب ببطولات كروية زائفة لا تضر ولا تنفع!"، يقول الكاتب وليد كساب.

ويمضي كساب بالقول:" خدعوكم فقالوا إن تشجيع الكرة من الوطنية.. وما الوطن إلا كيان يسعى في إسعاد رعاياه وتوفير حياة كريمة لهم.. وما الوطنية إلا العمل على تقدم الوطن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا"!

ويختم بالقول:" خدعوكم فقالوا إننا سادة إفريقيا ولسنا كذلك.. فانظروا إلى إفريقيا التي ارتقى كثيرٌ من شعوبها وبلغت من النضج السياسي والاقتصادي والاجتماعي بحيث صرنا في الذيل.. من كان يتخيل أن دولة مثل رواندا التي أنهكتها الحرب وتركتها خرابا ستقوم بكل هذه الإصلاحات.. وكذلك ليبيريا وزامبيا وكينيا وغيرها من الدول التي لا يزال بيننا من يسميها (أحراش) و(مجاهل)".

من جهته يقول الكاتب الصحفي سليم عزوز :" لقد سقطت نظرية أنه لا ثورة من أجل لقمة العيش، فالغلاء الفاحش تجاوز قدرة الناس على الاحتمال، فهم لم يمروا بيوم حلو منذ الانقلاب العسكري، فالغلاء بدأ مبكراً، لكن كانت هناك آمال عريضة لدى قطاع كبير من المصريين بأنها "شدة وتزول"، لكن الأوضاع انتقلت من السيئ إلى الأسوأ، مع عدم وجود أمل في تجاوز هذه الشدة!".

مضيفا: "وانتقل خطاب الجنرال من حديث فترة "الخطوبة"، حيث الإغراق في العواطف، والطلب بأن يصبروا عليه ستة شهور، فعامين، ولنهاية العام، ولآخر العام، إلى الحدة، فهو لا يستطيع أن يعلّم، أو يسكّن، أو يشغّل، ولا يستطيع فعل شيء، وأن القادم هو رفع الدعم تماماً. وقد ذهب يشيد القصور، ويشتري السلاح، ثم إنه ارتكب جريمة التفريط في التراب المصري. ونستطيع القول إنه بالتنازل عن تيران وصنافير، فقد بدأت حركة الرفض السياسي له من داخل دائرته المؤيدة له، لكن عدم وجود الأمل في نهاية السنوات العجاف مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، غير مسار الأمور فدخل العامة وحزب الكنبة على الخط".

وتابع عزوز :"والذي زاد الطين بلة هو هذا الخطاب الأرعن لأبواقه الإعلامية، فظهر إعلاميوه كما لو كانوا يستهدفون الاستهانة بالناس وبأوضاعهم الاقتصادية، وهم يعيشون في كوكب آخر، ليكون البديل لـ"البيض الأورجانيك" الذي لا يعرفونه، هو "البيض العادي" بالبسطرمة التي لا يعرفها كثير من المصريين، وغالبية من يعرفونها لا يستطيعون شراء الكيلو منها بثلاثمائة جنيه، فهي أغلى من اللحوم!".

وختم بالقول:"إنه خطاب بائس يمثل الامتداد الطبيعي، لخطة السيسي في حل أزمة الغلاء، فالسلعة التي يزيد سعرها لا تشتريها، فما العمل إذا كان الغلاء شمل كل السلع والأخذ بهذه النظرية الاقتصادية "الفخيمة" يعني انتظار الموت!".

 

توأم السيسي

عام 1976 قام خورخيه رفائيل فيديلا بانقلاب عسكري على رئيسة الجمهورية الأرجنتينية إزابيل بيرون، وكأنه توأم الانقلاب الذي قام به السفاح السيسي عام 2013، وقام فيديلا بتصفية كل معارضيه،  قتل وشرد واغتصب، واستغل الرغبة الأمريكية في نشر مبادئ النيولبرالية والقضاء على اليسار الشيوعي في دول أمريكا الجنوبية، فخصخص الشركات، ورفع الدعم عن المنتجات الأساسية، وفتح السوق أمام التوحش الرأسمالي.

وسع فيديلا حربه على اليساريين، وأصبح يصفي كل معارض له، فلا يكفي أن لا تكون معارضا حتى لا تتعرض للتصفية، بل اعتبر كل من تأخر في دعمه معارضا، وكل من سكت ولم "يطبل" معارضا كذلك، تصفيات جسدية بالآلاف، ويروي شهود عيان بأن جنود فيديلا قبل قتل النساء الحوامل يأخذون منهن أبنائهن ويسلمونهم لعائلات تؤيد الانقلاب، لم يكن هدف فيديلا هو التصفية الجسدية فقط، وإنما القضاء على أي فكرة معارضة لمشروعه الانقلابي.

يقدر عدد ضحايا فيديلا بثلاثين ألف شخص على الأقل ما بين مختف ومقتول، كل هذا الكلام كان يحصل بمساندة رسمية من الكنيسة الكاثولكية في الأرجنتين بقيادة بابا الڤاتيكان الحالي، في وسط هذا الفقر والهم والاستبداد، ووقمع آراء كل معارض، في وسط هذا كله فازت الأرجنتين بتنظيم كأس العالم لسنة 1978 وفازت في المباراة النهائية على المنتخب الهولندي، رغم الاعتراضات الواسعة التي قوبل بها تنظيم الأرجنتين لتلك النسخة من البطولة عقب الانقلاب العسكري الذي شهدته، وهي المرة الأولى، وفق مراقبين، التي تمتزج فيها الرياضة بالسياسة بشكل صريح. 

أفيون الشعوب.. الشيء الذي سينسي الأمهات حرقتهم على فلذات أكبادهم الذين كان فيديلا يلقيهم من الطائرات على البحر بعد أن يصفيهم جسديا، الشعب الميت من الجوع أصلا، والذي انسحقت فيه الطبقة المتوسطة بسبب توغل الرأسمالية، وأصبح ينقسم إلى أغنياء مترفين وفقراء معدمين.