على عكس ما يرى الدكتاتور عبدالفتاح السيسي وأجهزته الأمنية من أن الخطر الأكبر على نظام 03 يوليو هو فريق ثورة يناير بما يضمه من إسلاميين ونفر من الليبراليين واليساريين ومنظمات المجتمع المدني، والإعلام الحر ومواقع التواصل الاجتماعي؛ تذهب تقديرات إسرائيلية ــ حريصة للغاية على بقاء نظام السيسي لما يقوم به من أدوار إيجابية للغاية في خدمة المشروع الإسرائيلي في المنطقة ــ إلى أن «صندوق النقد الدولي» هو أكبر تهديد لنظام الجنرال عبدالفتاح السيسي.
هذه التقديرات نشرتها صحيفة Haaretz الإسرائيلية في أغسطس 2019م؛ حين صاحت في حكومة الاحتلال الحليف الوثيق والحريص على السيسي ونظامه بقولها «دعكم من الإسلاميين .. فصندوق النقد الدولي هو التهديد الحقيقي لنظام السيسي. وراحت الصحيفة تشرح ذلك حيث اعترفت في البداية بهوس السيسي بالتهديدات المحتملة لنظامه وضمان بقائه واستمراره؛ لذلك لاحق الإسلاميين وحظر جماعة الإخوان المسلمين، ويخشى على وجه الخصوص جيل الألفية من الطبقة الوسطى وهو الجيل الذي أشعل فتيل ثورة 25 يناير2011م، كما أحكمت أجهزته الأمنية قبضتها على وسائل الإعلام والإنترنت والمنظمات غير الحكومية. وتؤكد الصحيفة الإسرائيلية أنه حتى المصابين بجنون الارتياب قد يكون لهم أعداء، لكن في حالة السيسي يبدو أن هوسه أغفل أكبر التهديدات على الإطلاق وهم جماعة التكنوقراطيين معسولو اللسان في صندوق النقد الدلي.
وتشير الصحيفة إلى مفارقة عجيبة، فإن الصندوق على عكس ـ الإخوان ونشطاء والثورة والمنظمات الحقوقية ـ لا يريد إسقاط نظام السيسي، بل إنه مد له يد العون قبل سنوات عندما وجد النظام نفسه في ورطه وأقرضه 12 مليار دولار(اقترض السيسي نحو 8 مليارات أخرى من الصندوق لاحقا ويتجه لقرض جديد حاليا في سنة 2022). لكن شروط الصندوق كانت قاسية تضمنت تحرير أسعار الصرف وتخفيض دعم الوقود والغذاء وخصخصة الشركات وفرض ضرائب جديدة. وقد لبَّى السيسي معظم ما طُلِب منه في عملية مؤلمة.
وفقا للصحيفة العبرية، فإن الاتفاق بين السيسي وصندوق النقد لم يحقق نجاحا يذكر؛ فتزايدت معدلات الفقر، لكن المؤلم أكثر أن النمو الذي تلا الاتفاق مع صندوق النقد لم تنعكس آثاره على المواطنين، لكن الانتعاش الاقتصادي كان لصفوة الـ1% من المصريين أكثر من أي أحدٍ آخر. لينتهي تقدير الموقف إلى أن المشاكل الاقتصادية في مصر تبدو أعمق من تحسين أوضاع مصادرها التمويلية. ويحذر من التداعيات المحتملة على المشهد المصري جراء الشروط القاسية التي وضعها صندوق النقد، فما زال الاقتصاد خاضعاً لرقابةٍ مشددةٍ، ويتفشَّى فيه الفساد، وصارت إمبراطورية أعمال الجيش أكبر وأكثر تحصيناً من أي وقتٍ مضى. ويصل التحذير منتهاه بالخوف من اندلاع ثورة جديدة يكون سببها الشروط القاسية التي وضعها صندوق النقد ولبَّاها السيسي على الفور دون خوف من العواقب المحتملة.
وكان تقدير موقع أعده موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في سبتمبر 2016م، يذهب إلى أن المعادلة القائمة في الحالة المصرية والتي تضم دكتاتورا (السيسي) ذا سجل حافل بإنفاق مليارات لا تحصى على مشروعات لتمجيد نفسه وكيان اقتصادي غربي ضخم (الصندوق) تتمثل حلوله في "حجم واحد يقلص كل الاقتصاد" سيشقان طريقاً مختصراً لانفجار جديد.
اليوم مضى نحو ست سنوات على اتفاق السيسي مع صندوق النقد، بل إنه حصل على قرضيين آخرين في ظل تفشي جائحة كورونا سنة 2020م، حيث حصل على دعم يقدر بنحو 2.8 مليار دولار، ثم قرضا ثالثا بنحو 5.2 مليارات دولار، ويتجه نحو قرض رابع حاليا في ظل التداعيات الضاغطة للحرب الروسية الأوكرانية وفشل النظام في إدارة موارد الدولة على نحو صحيح. فلماذا لم يحدث الانفجار المتوقع؟
تذهب تقديرات إلى أن التطرف في البطش والقمع حال حتى اليوم دون حدوث هذا الانفجار، لا سيما وأن أجهزة السيسي الأمنية تمكنت من إخماد كل صور التمرد والاحتجاج التي اندلعت في مئات المصانع والشركات والمناطق لأسباب متباينة كلها تدور حول تدني مستويات المعيشة، لكن لم يربطها رابط واحد، في ظل تفكك معسكر الثورة جراء حملات السحق المستمرة منذ سنوات.
وتذهب تقديرات أخرى إلى أن عدم حدوث الانفجار على النحو المتوقع في هذه التحليلات لا يعني أنها لن تحدث؛ فقد تحدث خلال أسابيع أو شهور أو سنوات لا سيما في ظل عدم قدرة النظام على إدارة موارد الدولة على نحو صحيح، وفشله في تحسين مستويات المعيشة التي تدهورت بشدة جراء إذعانه الكامل لشروط وإملاءات الصندوق من جهة والتداعيات السلبية لتفشي جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية من جهة ثانية. يعزز من هذه الفرضية أن النظام سقط فعليا في دوامة الديون الجهنمية؛ يقترض ليسدد قروضا وفوائد قروض؛ حتى إن خدمة فوائد الديون وفقا لأرقام الموازنة الجديد (2022/2023) وصلت إلى نحو (1655) مليار جنيه، وهو ما يفوق جملة إيرادات الدولة المتوقعة (1517) مليار جنيه! معنى ذلك أن جميع إيرادات الدولة لا تكفي حتى لسداد بند خدمة الديون فقط؛ فماذا تبقى للأجور والمرتبات والاستثمار والدعم؟ كل ذلك يتم بالقروض وهذا وضع يستحيل بقاؤه واستمراره. لهذا فإن نهاية السيسي وشيكة وقد تكون أقرب مما نتخيل.