بعد خفض دعم الصحة والتأمين ولبن الأطفال.. الانقلاب يواجه العجز المالي ببيع المستشفيات الحكومية

- ‎فيتقارير

في توحش غير مسبوق، قد يفجر الأوضاع الاجتماعية وينذر بثورة جياع وثورة مرضى تطال جميع المصريين، وبدلا من زيادة الدعم للقطاعات الحيوية التي تخص المصريين، ذهب السيسي ليقلص دعم الصحة والتأمين الصحي وألبان الأطفال ، بل وجاءت الكارثة باتجاه حكومة السيسي للتخلي عن عدد من المستشفيات الحكومية والتنصل عن تقديم واجبها ودورها الدستوري بتوفير الدواء والخدمات الصحية للمصريين بأسعار معقولة ، حيث بدأ مجلس وزراء الانقلاب في نظر طلبات استحواذ القطاع الخاص، للسيطرة على عدد من المستشفيات الحكومية لإدارته وفق قواعد الربح والخسارة، دون اكتراث بزيادة نسب الفقر والغلاء التي تضرب المجتمع المصري دون هوادة، والتي قذفت بأكثر من 8 مليون مصري في دائرة الفقر، وأنهكت عموم الشعب المصري، الذي لا يكاد يجد قوت يومه إثر انفلات الأسعار وغياب دور الحكومة.

ووافق مجلس وزراء الانقلاب، مؤخرا، على طلبات الاستحواذ والاستثمار المقدمة من القطاع الخاص في قطاع الرعاية الصحية، والتي تصل نسبة أسهم الاستحواذ فيها بعد التنفيذ إلى 10%، واستكمال دراسة باقي الطلبات المقدمة من القطاع للمجلس، والتي تزيد نسبة أسهم الاستحواذ فيها بعد التنفيذ على 10%.

وشهد الاجتماع الأسبوعي للمجلس استعراضا للمقترحات المقدمة من وزارة الصحة، والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، بشأن الاشتراطات والضوابط المقترحة لعمليات الدمج والاستحواذ في القطاع الصحي الحكومي، على أن تتولى اللجنة الوزارية المعنية وضع ضوابط عمليات الاستحواذ في الرعاية الصحية للقطاع الخاص، بعد مناقشة المقترحات الخاصة بنسب الاستحواذ المختلفة.

الاستحواذ، الذي يصفه خبراء ومراقبون بكارثة صحية ، هو أحد أشكال الخصخصة، التي ترى ضرورة تحقيق مكاسب وأرباح من وراء إدارة الخدمات الصحية، بالمخالفة للدستور، الذي نص على دور الدولة في توفير الرعاية الصحية المناسبة للمصريين وبأسعار في متناول أيديهم.

ويشكو أغلب المصريين من انفلات أسعار خدمات الرعاية الصحية، لا سيما في أعقاب جائحة كورونا، على خلفية التكتلات الاحتكارية الخليجية في القطاع الطبي الخاص، في وقت يسعى فيه نظام السيسي لإشراك القطاع الخاص في إدارة وتشغيل المستشفيات الحكومية بصورة تدريجية، تحت مظلة المنظومة الجديدة للتأمين الصحي الشامل.

وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، استحوذت شركة "أبراج كابيتال" الإماراتية على مجموعة من المستشفيات الكبرى في مصر، مثل كليوباترا والقاهرة التخصصي والنيل بدراوي، بخلاف سيطرة الشركة على سلسلتين من أكبر سلاسل معامل التحاليل، وهما "البرج" التي تضم 926 فرعا و55 معملا بيولوجيا، ومعامل "المختبر" التي تضم 826 فرعا في كافة المحافظات.

وفي سياق انسحاب دور الدولة من القطاع الطبي، استحوذت مجموعة علاج الطبية السعودية على 9 مستشفيات كبرى، منها الإسكندرية الدولي، وابن سينا التخصصي والأمل والعروبة، بالإضافة إلى معامل "كايرو لاب" للتحاليل الطبية واسعة الانتشار في مصر ومراكز "تكنو سكان" للأشعة التي تمتلك بدورها 24 فرعا في محافظات مختلفة.

وكان عضو لجنة الصحة في مجلس نواب الانقلاب، فريدي البياضي، تقدم بطلب إحاطة إلى رئيس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي، ووزير التعليم العالي القائم بأعمال وزيرة الصحة خالد عبد الغفار، لاستبيان موقف الحكومة من تزايد الاستثمارات الخاصة في القطاع الصحي، ومخاطر احتكار القطاع الخاص على الخدمات الطبية صحيا وأمنيا.

وحذر البياضي في طلبه من زيادة وتيرة الاندماجات والاستحواذات في القطاع الصحي الخاص الذي أصبح جاذبا بشكل كبير للمستثمرين المصريين والعرب، نتيجة الأرباح والعوائد الضخمة التي تحققها المستشفيات المصرية مقارنة مع الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما ظهر جليا إبان أزمة فيروس كورونا، واستغلال المستشفيات الخاصة للجائحة في جلب عوائد وأرباح خيالية من جيوب المواطنين.

وكانت بيانات الموازنة عن العام 2022-2023  أظهرت خفض العديد من بنود الدعم المتعلقة بالأدوية وألبان الأطفال، والتأمين الصحي على المرأة المعيلة وطلاب المدارس والجامعات، والإبقاء على نفس مخصصات بنود مهمة أخرى، من دون مراعاة فقد الجنيه نحو 18% من قيمته أمام العملات الأجنبية مؤخرا، وهي نسبة مرشحة للزيادة عقب اجتماع البنك المركزي، في 19 مايو الجاري، بشأن رفع سعر الفائدة مجددا للإيداع والإقراض، ووصل سعر الدولار إلى 18.5 جنيها.

وكشف البيان المالي للموازنة الجديدة عن تراجع الدعم المقدم للمزارعين من 665 مليون جنيه إلى 545 مليونا، بخفض مقداره 120 مليون جنيه، ودعم الأدوية وألبان الأطفال من مليارين و500 مليون جنيه إلى ملياري جنيه بخفض 500 مليون جنيه، ودعم التأمين الصحي للمرأة المعيلة من 179 مليون جنيه إلى 93 مليونا بخفض 86 مليون جنيه، والتأمين الصحي على الطلاب من 371 مليون جنيه إلى 348 مليونا بخفض 23 مليون جنيه.

وأبقت حكومة الانقلاب على بعض مخصصات الدعم من دون زيادة، مثل دعم التأمين الصحي على الأطفال دون السن المدرسية بواقع 210 ملايين جنيه، والتأمين الصحي لغير القادرين من أصحاب معاش التضامن الاجتماعي بإجمالي 200 مليون جنيه، وللفلاحين بواقع 100 مليون جنيه، ودعم معاش الطفل بقيمة 70 مليون جنيه، وإعانات الشؤون الاجتماعية بواقع 147 مليون جنيه.

يذكر أن حكومة الانقلاب خالفت المواد 18 و19 و21 و23 من الدستور للعام السابع على التوالي، والتي تلزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 3% من الناتج القومي لقطاع الصحة، و4% للتعليم ما قبل الجامعي، و2% للتعليم العالي، و1% للبحث العلمي، في حين خصص مشروع الموازنة الجديدة أقل من 4% لكل هذه القطاعات مجتمعة، بما يعادل نحو ثلث مخصصاتها الدستورية.

وبلغت مخصصات قطاع الصحة نحو 128 مليارا و114 مليون جنيه في موازنة العام 2022-2023، مقارنة بـ108 مليارات و761 مليون جنيه في موازنة العام 2021-2022، ومخصصات قطاعات التعليم ما قبل الجامعي والتعليم العالي والبحث العلمي نحو 192 ملياراً و677 مليون جنيه، مقارنة بـ172 مليارا و646 مليون جنيه.

وبتلك السياسة المتوحشة والتي لا تراعي البعد الاجتماعي وفقر الشعب، يقف المصريون على أعتاب ثورة لا محالة، وسط انهيار منظومة الصحة وتفشي الجوع وسوء التغذية إثر الغلاء وانفلات الأسعار دون تدخل حكومي، وهو ما يمثل قمة الانفجار المجتمعي القادم والذي سيأكل كل مقدرات المجتمع المصري، انطلاقا من أن للصبر حدودا ، وأن المصريين إذا لم يجدوا دواء لأمراضهم أو طعاما لجوعهم فلن يبقي على شيء، إذ أن سياسات الاستحواذ والخصخصة التي يتبعها السيسي مع المستشفيات الحكومية سترفع أسعار العلاج والخدمات الصحية بالمستشفيات، لتكون فوق طاقة الشعب الفقير.