تكسو الأعلام شوارع القاهرة في الذكرى العاشرة لانقلاب 23 يوليو 1952، والتي تزامنت مع ترقب الإنجاز الفريد من نوعه بإطلاق صاروخ "الظافر" من قلب الصحراء بحضور الطاغية جمال عبدالناصر ونائبه المشير عبدالحكيم عامر، لتعنون صحيفة الأخبار عددها في اليوم التالي بـ"الصاروخ" وفسرت صاروخ عربي يستطيع إصابة تل أبيب إذا أُطلق من القاهرة.
ومرت السنوات وحلت الهزيمة على المصريين في 5 يونيو 1967، وتساءلت الأغلبية عن مصير ذلك الصاروخ الذي أضيف إليه آخر باسم "القاهر" والذي وصفه الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة أثناء حرب أكتوبر 1973، بأن هذا السلاح أقرب ما يكون إلى منجنيق العصور الوسطى.
واليوم تعيد عصابة الانقلاب أوهام الطاغية عبد الناصر بالإعلان عن دخول مصر عصر صناعة التوكتوك، بعد قيام حكومة الانقلاب بالتفاوض مع شركة هندية لتصنيع 100 ألف توك توك كهربائي، ليكون بديلا عن التوك توك الحالي، مؤكدة أن تصنيع التوك توك الكهربائي سيكون محليا بنسبة 100% .
منجانيق عبد الناصر.
في أكثر من مناسبة عبر السفاح السيسي عن استيائه من الإعلام بسبب ما وصفه بتصدير التشاؤم للشعب، وقال السفاح عن الطاغية "الزعيم الراحل عبد الناصر كان محظوظا، لأن هو اللي كان بيتكلم والإعلام معه" هكذا وصف السفاح السيسي الإعلام في عهد الطاغية ناصر، خلال كلمته في احتفالية تدشين محور تنمية قناة السويس في نوفمبر 2015، عبد الناصر محظوظ لأن إعلامه كان لا ينشر إلا الإيجابيات، فما الذي كان ينشره الإعلام في عهد عبد الناصر؟
في إعلام العسكر كان زوال إسرائيل مسألة وقت، وكان الشعب ينتظر الحرب لقصف تل أبيب، وحينما جاءت الحرب لم يخسر المصريون سيناء فقط ولكن خسروا أيضا الروح المعنوية التي كانت من ضمن أهداف الكذب الإعلامي.
المشير عبد الحكيم عامر يعلن في العرض العسكري الكبير، الصواريخ الجبارة الطائرة القاهرة 300 من أقوى الطائرات في العالم “مانشيت الأخبار في يوليو 1965“.
قبل أعوام من الهزيمة التي تم تجميلها وإطلاق وصف “النكسة” عليها، كان يشارك الصاروخان القاهر والظافر في عروض عسكرية في الشوارع الرئيسية بالعاصمة، وكان الطاغية عبد الناصر يقول في خطبه إن "مدى القاهر يصل إلى 600 كيلو مترا، والظافر يصل إلى 350 كيلو مترا، ويستطيعان بكل سهولة قصف إسرائيل".
يقول الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة أثناء حرب أكتوبر 1973 “عندما استلمت مهام رئاسة أركان الجيش لم يتطوع أحد ليخبرني بشيء عن القاهر أو الظافر ، لكنني تذكرتهما فجأة وأخذت أتقصى أخبارهما إلى أن عرفت القصة بأكملها، لن أقص كيف بدأت الحكاية؟ وكيف أُنفقت ملايين الجنيهات على هذا المشروع؟ وكيف ساهم الإعلام في تزوير الحقائق وخداع شعب مصر؟ ولكنني سأتكلم فقط عن الحالة التي وجدت فيها هذا السلاح وكيف حاولت أن أستفيد -بقدر ما أستطيع- من المجهود والمال اللذين أنفقا فيه”.
يضيف في مذكراته عن حرب أكتوبر “لقد وجدت أن المشروع قد شطب نهائيا وتم توزيع الأفراد الذين يعملون فيه على وظائف الدولة المختلفة، أما القاهر والظافر فكانت هناك عدة نسخ منهما ترقد في المخازن، لقد كانت عيوبهما كثيرة وفوائدهما قليلة، لكنني قررت أن أستفيد منهما بقدر ما تسمح به خصائصهما، ولقد حضرت بنفسي بيانا عمليا لإطلاق القاهر، ووجدت أن هذا السلاح أقرب ما يكون إلى منجنيق العصور الوسطى، وأقصى مدى يمكن أن يصل إليه المقذوف هو ثمانية كيلو مترات”.
“وفي أثناء التجربة أطلقنا 4 قذائف على نفس الهدف بنفس الاتجاه ونفس الزاوية فكانت نسبة الخطأ 800 متر ، و هذا يعني أننا إذا قمنا باستخدام هذا السلاح خلال الحرب فإن الرابح الوحيد هو العدو لأننا حينها سنقصف أنفسنا”.
انتهت شهادة الفريق سعد الدين الشاذلي لكن لم تنتهِ عملية الكذب الإعلامي الذي كان أحد أسباب الهزيمة، فمصر لديها 10 أنواع من الطائرات و6 أنواع من الصواريخ منها القاهر والظافر والرائد بالإضافة إلى غواصات ولديها أيضا سفينة فضاء بحسب إعلام العسكر.
توكتوك السيسي.
سر وجود سفينة فضاء مصرية أذاعته مجلة المصور في أبريل عام 1965 قبل الهزيمة بعامين، وعلى 10 صفحات كتب حمدي لطفي ما اعتبره تحقيقا كاملا بالصور عن سفينة الفضاء المصرية التي وصفها بقصة الكفاح العلمي والعسكري لإرسال كبسولة فضاء عربية تحمل مصريا إلى الفضاء، لكن يبدو أنها حتى الآن لم تعد من الفضاء.
وسفينة الفضاء التي كشفت عنها مجلة المصور كانت من ضمن البرنامج المصري لغزو الفضاء، فحسب مانشيت جريدة الجمهورية مصر ثالث دولة بعد أمريكا والاتحاد السوفيتي التي تُصنّع صواريخها بنفسها، وجريدة الجمهورية -التي أسست عام 1954 لتكون لسان حال انقلاب يوليو- خرجت قبل الهزيمة بـ3 أسابيع لتؤكد أن دخل مصر البترولي سيكون أكبر من السعودية وليبيا وإنتاج البترول في الجمهورية سيتضاعف 4 مرات.
وبعد انقلاب 30 يونيو 2013 قال السفاح السيسي “انشروا الإنجازات” و “لازم الإعلام يبقى تعبوي” إعلام أشبه بإعلام ما قبل هزيمة يونيو 67 الذي كلما زاد كذبه اقتربت كارثة جديدة، فبعد نصف قرن من النكسة لم يتعلم العسكر أو الإعلام أن نشر الإنجازات فقط هو جزء من بيع الوهم للشعب لتدعيم الانقلاب ولن يؤدي إلا إلى كارثة وفضائح.
من فبراير 2014 وحتى يونيو من نفس العام كان الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في سجال عنيف بسبب جهاز كشف وعلاج فيروسيي “الكبد الوبائي C” و”الإيدز” الجهاز الذي أعلنت عنه القوات المسلحة في مؤتمر بحضور السفاح السيسي سيغير وجه مصر حسب الفريق المشرف على الجهاز، وأعلن الجيش عن بدء التسجيل لعلاج المصابين في أول يوليو 2014، لكن حتى الآن لم يبدأ العلاج.
الوهم لم يقتصر على الجهاز فقط، ففي مارس عام 2015 عقدت عصابة الانقلاب مؤتمرا اقتصاديا في مدينة شرم الشيخ انتهى باستثمارات بلغت 175 مليار دولار حسب مانشيت جريدة الأهرام، لكن في نوفمبر 2019 قررت حكومة الانقلاب تعويم الجنيه كأحد شروط صندوق النقد الدولي لإقراض عصابة الانقلاب 12 مليار دولار.
ويسيطر العسكر في مصر على الإعلام إلا أنه يواجه حربا ضارية مع شبكات التواصل الاجتماعي، وقنوات المعارضة المصرية التي تبث من الخارج.