"اللهم أجرنا من حر جهنم"، دعاء الحر الشديد الذي يردده المصريون بالتزامن مع الموجة شديدة الحرارة التي تشهدها البلاد، إذ أعلن خبراء الأرصاد الجوية أن درجات الحرارة تتجاوز 40 درجة على معظم الأنحاء مع انخفاض في نسب الرطوبة، طقس أعاد للأذهان احتجاجات يناير 2011، عندما أحرق الثوار عربات ترحيلات عدة كانت تقف أمام بعض أقسام الشرطة الانتقام من كل مظاهر القمع والظلم والقهر.
لكن إلى العام التاسع في عداد انقلاب 30 يونيو 2013، ظلت عربة الترحيلات أقرب إلى وحش يتغذى على كرامة المصريين وأمنهم، تراها تسير في الشوارع وداخلها عشرات المحتجزين في جحيم حقيقي، رغم ارتفاع درجات الحرارة فالقاهرة سجلت 41 درجة والإسكندرية 39 والأقصر 44 وأسوان 43 والغردقة 40 درجة مئوية، بينما تطالب منظمات حقوق الإنسان بأبسط حق للمعتقل وهو نقله في عربات آدمية أو حتى بعربات أكثر تجهيزا معدة لغير الآدميين.
سيارة جهنم..!
"نعم هي الجحيم بعينه" يقول الناشط الحقوقي عطية أبو العلا الذي اتُّهم عام 2010 بالعمل على قلب نظام الحكم، وواجه أبو العلا تعذيبا لا يتخيله إنسان داخل أحد سجون الانقلاب بحسب شهادته، لكن التعذيب الذي لن ينساه أبدا شهده في عربة الترحيلات.
يتذكر الناشط المقيم حاليا في تركيا بمرارة تجربته مع تلك العربة، ويروي "كنا وقتها في فصل الشتاء، رغم ذلك كانت درجة الحرارة شديدة جدا داخل العربة التي وُضعت فيها مع عشرات المساجين الآخرين من مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، لتنقلنا من مكان احتجازي إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا في منطقة التجمع بالقاهرة".
عدد ساعات كبيرة قضاها أبو العلا داخل العربة التي تعطلت أكثر من مرة بسبب حالتها الرديئة، والأسوأ أن جوها كان خانقا بسبب رائحة البول التي تفوح من كل مكان داخلها، بحسب قوله.
ويضيف أن السائق كان يعذبهم بطريقته الخاصة عن طريق السير بتهور والقفز بدون إبطاء سرعة العربة على المطبات في الشوارع عند كل مطب تمر فوقه العربة، كانت تصطدم رؤوسنا بسقفها الحديدي القوي، لن أنسى أبدا هذا الصندوق اللعين".
كان أبو العلا وباقي المتهمين داخل العربة يحتاجون إلى تناول الماء، لكن الضباط المجرمين رفضوا تزويدهم به، فأخذوا يصرخون "الحقونا بنموت" إلا أن رجال الأمن المكلفين بحماية العربة اكتفوا بالضحك.
اختناق
وأفادت مصادر حقوقية بحدوث حالات اختناق داخل سيارات الترحيلات بسبب ضيق المساحة وارتفاع درجة الحرارة، وتعليقا على ذلك قال الناشط هيثم غنيم إن "من المعروف عن سيارات الترحيلات في مصر إنها سيئة التهوية ومصنوعة من الحديد والصفيح المبطن ومع درجات الحرارة العالية تتحول إلى فرن متحرك".
وتساءل ، لماذا تتعمد السلطات الأمنية ترك المساجين في سيارات الترحيلات لفترات زمنية طويلة بدون ماء أو طعام بدلا من نقلهم إلى مكان آخر ينتظرون فيه جلسات المحاكمة؟.
وذكّر هيثم بما حدث سابقا بعد أحداث فض اعتصام رابعة داخل أحد سيارات الترحيلات عندما قام المحتجزون بطرق جوانب السيارة فأطلقت عليهم قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع ، مما أدى المجزرة الشهيرة ومقتل 38 شخصا بداخلها.
بدوره طالب المحامي محمود عطية المؤيد للانقلاب وزارة الداخلية ، بتركيب مكيفات داخل سيارات الترحيلات خاصة في هذا الجو شديد الحرارة في مصر.
وكتبت الناشطة لبنى درويش “نفس السيناريو المرعب، نحن في بيوتنا وأشغالنا ومش عارفين نستحمل الحر رغم أن بعضنا عنده تكييف أو مروحة ولا حتى قادر يقوم يأخذ دوش ويشرب مية، تخيل الحر ده في عربية حديد من غير شبابيك ساعة ولا أحد يسمع استغاثتك”.
وغردت دينا مصطفى “أنا قلبي وجعني من بس تخيل المنظر، تعذيب ولا إنسانية مهما كانت جريمتك فأنت إنسان لك حقوق وأبسطها عدم تعرضك للموت والتعذيب ويتم محاكمتك، وحتى لو حُكم عليك تظل إنسانا، لازم تعيش في مكان يضمن لك عيشة آدمية، عقوبة الحبس معناها فقدان حريتك وليس فقدان آدميتك”.