مصر تغرق في الجوع والديون والسيسي يهدر 250 مليونا على (مؤتمر شبابي عالمي!)

- ‎فيتقارير

في الوقت الذي تغرق فيه مصر في مستنقع الجوع والديون؛ يصر الدكتاتور  المنقلب عبدالفتاح السيسي على إهدار الأموال في أشياء سخيفة وبلا أي معنى أو جدوى؛ وكان آخر هذه السخافات إهدار نحو 250 مليون جنيه على ما يسمى بــ"المؤتمر العالمي للبرلمانيين الشباب"، الذي استضافته مدينة شرم الشيخ يومي الأربعاء والخميس (15 و16 يونيو 2022).

وتنقل صحيفة "العربي الجديد" اللندنية عن مصادر برلمانية في الأمانة العامة أن التكلفة  المقدرة للمؤتمر الذي جرى تنظيمه تحت رعاية السيسي تصل إلى 250 مليون جنيه(نحو 13.3 مليون دولار)؛ نظرا لاستضافة وفود من 60 دولة حول العالم؛ حيث تتحمل مصر الفقيرة الجائعة كافة النفقات للمدعوين من تذاكر الطيران والانتقالات والبدلات والإقامة في الفنادق الفخمة ذات الخمسة نجوم.

وبحسب التقرير فقد استقبل مطار شرم الشيخ نحو 1500 مدعو من الوفود العبية والأجنبية المشاركة في المؤتمر، بخلاف قرابة 500 مدعو من البرلمانيين والإعلاميين والصحافيين المصريين، تحت ذريعة أنها المرة الأولى التي تنظم فيها دولة مثل مصر مؤتمراً برلمانياً منفصلاً حول قضية المناخ، قبيل استضافتها مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ من 7 إلى 18 نوفمبر المقبل. وعقد المؤتمر على مدار يومين، بواقع 4 جلسات تفاعلية بين البرلمانيين الشباب وممثلي منظمات المجتمع المدني والخبراء، للحديث عن "تغير المناخ" بوصفها القضية الأبرز عالمياً، مع تأثيرها على موضوعات مثل حقوق الإنسان، والعمل البرلماني، والشراكة بين المجتمع المدني والبرلمانيين.

ويأتي إهدار السيسي لملايين الجنيهات بعد أيام قليلة من دعوته الشعب إلى التقشف والصبر على الجوع؛ ففي 21 مايو2022 ، دعا السيسي المواطنين إلى التقشف في مواجهة الأزمة الاقتصادية، قائلاً: "النبي محمد (ص) وأصحابه حوصروا في شعب أبي طالب (حصار أهل مكة الجائر للنبي ومن معه) لمدة ثلاث سنوات، وقطع عنهم الطعام والشراب، إلى درجة أنهم كانوا يأكلون من أوراق الشجر؛ ولم يعترض أحد من الصحابة!". فرد عليه مصريون بأن  النبي كان يعاني من الجوع مثل الصحافة تماما وكان يوزع بالعدل ما يأتيهم من طعام، ولم يكن ينفرد وحده بالمتع والملذات بينما يعاني أصحابه من الجوع كما يفعل السيسي حاليا.

وكان السيسي قد أهدر نحو مليار جنيه على فعاليات منتدى الشباب الرابع الذي أقيم في الفترة بين 10 إلى 13 يناير 2022م بمدينة شرم الشيخ تحت رعاية الدكتاتور، حيث استضاف السيسي 15 ألف شاب وفتاة من 160 دولة؛  وبدأت وفود الضيوف بداية من 7 حتى 15 يناير على نفقة الدولة المصرية الفقيرة باعتراف السيسي نفسه، حيث أقاموا في فنادق 5 نجوم بخلاف خدمات السفر والتنقل عبر مصر للطيران علاوة على الخدمات الأمنية واللوجستية لحماية المنتدى.

ويأتي إهدار السيسي لأموال الدولة بالتزامن مع رفع أسعار الغذاء والسلع وتقليص مخصصات الدعم لعشرات الملايين من الفقراء  ومحدودي الدخل، كما يتجه نحو اتفاق جديد رابع مع صندوق النقد الدولي. فلماذا يصر السيسي على تبذير المليارات على فعاليات وأنشطة بالغة السفاهة وليس لها أي مردود إيجابي على اقتصاد البلاد، ولا تسهم مطلقا في تحسين مستويات المعيشة المتدنية؟!.. ولماذا يصر السيسي على مثل هذه المنتديات رغم أن جميع توصيات النسخ الماضية لم يتحقق منها شيء على الإطلاق؟!

بحسب مراقبين فإن نظام السيسي يستهدف عدة أهداف، أولها، إظهار مصر كواحة أمن واستقرار وسط إقليم مصطرب. كما يستهدف النظام أن يتحول المنتدى إلى منصة دعاية تلقائية لقطاع السياحة الذي يعاني بشدة منذ تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء في 31 أكتوبر 2015م خصوصا  سياحة المؤتمرات. وتفاقمت أزمته مع تفشي جائحة كورونا مع بدايات سنة 20م.2 وكذلك محاولة رسم صورة مغايرة عن سيناء؛ حيث لا يعرف العالم سوى أخبار المواجهات المسلحة في شمال سيناء برفح والعريش وغيرها. .. لكن هذه الأهداف لا يتحقق لأن هذه المنتديات لا تحظى بأي متابعة من الإعلام الدولي

الهدف الثالث للنظام هو هدف شخصي يتعلق بالسيسي نفسه؛ لأن هذه المؤتمرات والمنتديات التي يشرف عليها جهاز المخابرات العامة إنما تشبع رغبات دفينة عند السيسي نفسه، وتلبي رغباته الجامحة وولعه بحب الظهور والاستعراض والتركيز على اللقطة دون اهتمام بالجوهر والحقائق حتى لو كانت شديدة المرارة، فمنذ اغتصاب الجنرال للسلطة منتصف 2013، ثم إقامة مسرحيتين لما تسمى مجازا بانتخابات رئاسية أبدى السيسي ولعه الشديد بهذه النوعية من المؤتمرات حيث عقد «المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ 2015» الذي قيل إن عوائده تتجاوز 180 مليار دولار، واحتفالات افتتاح «قناة السويس الجديدة 2015» التي قيل إنها ستدر 100 مليار دولار، ثم عقد أكثر من 10 مؤتمرات شبابية بدأت بالمؤتمر الأول في يناير 2016م. فالسيسي محب للاستعراضات والخطابة في الجموع الصامتة والظهور بمظهر صاحب الفلسفة والرؤية العالمية.

من جهة رابعة، فإن هذه المؤتمرات والمنتديات تمثل حالة هروب من الأزمات وقفز على حقائق الواقع المؤلم الذي يئن فيه عشرات الملايين من المصريين تحت خط الفقر في ظل  تآكل الأجور والمرتبات والمدخرات بعد قرارات التعويم سنة 2016م، وتبني النظام لجميع شروط صندوق النقد الدولي بشكل بالغ  الخضوع والإذعان. وبالتالي يستهدف النظام بهذه المنتديات العالمية صناعة بروباجندا تستحوذ على خطاب الإعلام الموالي للسلطة من فضائيات وصحف ومواقع وذلك للتغطية  على تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لكن ذلك يؤكد حجم السفه الذي يتصف به نظام العسكر؛ إذ كيف لدولة شديدة الفقر بحسب اعتراف الجنرال نفسه، وتعاني من حجم ديون رهيب وصل إلى أكثر من 6 تريليونات جنيه وبلغت فوائد الديون وأقساطها أكثر من تريليون جنيه بحسب أرقام الموازنة العامة للدولة؛ ما يعني أن الحكومة تدفع كل يوم حوالي نحو 3 مليارات جنيه كفوائد وأقساط ديون فقط!! كيف لهذه الدولة أن تهدر حوالي "ملياري جنيه" على مثل هذا المنتدى؛  فلماذا  رغم الفقر والديون، يتم بعزقة الأموال بهذه السفه على «مكلمة» لا جدوى منها سوى تلبية رغبه الجنرال المعتوه؟!

يرد النظام على ذلك بأن أموال المنتدى ليست من الخزانة العامة؛ لكنها أموال رعاية لعدد من الشركات متجاهلا أمرين: الأول أن معظم الرعاة هي شركات حكومية أو للحكومة نصيب الأغلبية بها، والثاني أن الشركات الخاصة لا تقدم أموالها هباء؛ إلا إذا تم خصم هذه الأموال من مستحقات الضرائب عليها أو تم تعويضها بمزايا أخرى تحقق لها أضعاف مع أنفقته؛ لأن القطاع الخاص لا يرمي أمواله عبثا كما تفعل حكومة العسكر!.

من جهة خامسة، يحاول النظام بهذه المؤتمرات التغطية على أزمته مع الشباب، الذين يعتقل عشرات الآلاف منهم في سجونه ويخفي المئات منهم قسريًا، ويمارس بحقهم بشع صور التعذيب والاغتيال خارج إطار القانون. فشباب مصر ليسوا أبناء الجنرال ونواب البرلمان وكبار رجال الحكم، لكن شباب مصر يعاني بشدة في ظل أوضاع مزرية ويغامر حتى بروحه للفرار من هذه الدولة الظالم أهلها.

من جهة سادسة، فإن نظام العسكر يستهدف بهذه المؤتمرات والمنتديات صناعة طبقة موالية له من شباب الأثرياء والمقربين من النظام،  أو أولئك الشباب المنتمين لأحزاب علمانية موالية للسلطة مثل مستقبل وطن والمصريين الأحرار والوفد وغيرها. ويتولى تنظيم هذه المؤتمرات والمنتديات غالبا  مكتب السيسي بالتنسيق مع المخابرات العامة التي يقودها اللواء عباس كامل الذراع الأيمن للسيسي ويعاونه عدد من ضباط المخابرات؛ وأعضاء «البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة» الذي أطلقه السيسي قبل سنوات. ويكون في طليعة الحضور عادة شباب هذا البرنامج، الذين تم اختيارهم بعناية شديدة وفق معايير أمنية عالية.  ويستفيد المشاركون في هذه المؤتمرات من عدة جوانب، أغلبها مادية، فعلى سبيل المثال يُوفَّر للمشاركين في هذه المؤتمرات حافلات خاصة تابعة لنقلهم إلى مقر انعقاد المؤتمر، ويقيمون بشكل مجاني في فنادق -أغلبها تابع للقوات المسلحة- طوال فترة انعقاد المؤتمر. كما يحظى المشاركون بفرصة للاقتراب من دوائر الوزراء والمسؤولين بشكل قد يخدم مصلحتهم الشخصية، كما هو الحال مع شباب «البرنامج الرئاسي» الذين عُين بعضهم، بسبب الانتماء إلى البرنامج والمشاركة في المؤتمرات، كمعاونين ومساعدين للوزراء، برواتب تبدأ من 10 آلاف جنيه لمساعد الوزير، و5 آلاف جنيه لمعاون الوزير، بالإضافة إلى حوافز ومزايا أخرى. معنى ذلك أن السيسي عندما يكلم هؤلاء إنما يكلم نفسه؛ أما شباب ومصر شعبها فقد ولى وجه عن السلطة ويبحث عن لقمة عيش شريفة في ظل أوضاع بالغة البؤس والشقاء.