حبس ثلاثة فتية بتهمة الإرهاب رقصوا وغنوا داخل مسجد.. قراءة هامشية

- ‎فيتقارير

تحول غريب قامت به نيابة أمن الدولة العليا بحق الشباب الثلاثة المتهمين في واقعة «الغناء والرقص في أحد مساجد الأوقاف بالمرج»؛ حيث وجهت لهم النيابة تهما تتعلق بقضايا الإرهاب مثل : «الانضمام لجماعة إرهابية، وتعمد نشر أخبار كاذبة واستخدام حساب على شبكة المعلومات لهذا الهدف»، وأمرت بحبسهم 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية 440 لسنة 2022 أمن دولة عليًا. وينقل موقع مدى مصر عن محامي المتهمين نبيه الجنادي، أن المتهمين، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 19 و21 عامًا قد أُلقي القبض عليهم منتصف شهر يونيو الجاري (2022) وهو نفس يوم تحرير محضر وزارة الأوقاف، وظهروا بعد خمسة أيام قضوها في مقر الأمن الوطني، للمثول للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا. وخلال التحقيقات قال المتهم بنشر الفيديو إنه نشره إثر خلاف بينه والشخص الذي ظهر بالمقطع، بحسب الجنادي.

وانتشر الأسبوع الماضي على وسائل التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو يظهر فيه شخص يغني ويرقص في مسجد مستخدمًا ميكروفون، ما أعقبه بيان من وزارة الأوقاف توضح فيه أن الفيديو قد تم تصويره منذ أكثر من عام أثناء تنفيذ الشخص الظاهر في الفيديو أعمال صيانة و«نقاشة» بالمسجد. كما قالت الأوقاف إنها حررت محضر ضده. وبعدها بيوم أعلنت  وزارة الداخلية إلقاء القبض على الشخص الموجود بالفيديو والقائم بنشر الفيديو.

كانت النيابة العامة قد قالت في بيان مقتضب الثلاثاء 21 يونيو، إنها أمرت بحبس المتهمين على ذمة التحقيقات في الواقعة، دون أن تحدد أسمائهم أو أعمارهم أو التهم الموجهة ضدهم أو مدة الحبس أو تاريخ إلقاء القبض عليهم أو حتى النيابة المختصة التي باشرت التحقيقات، مكتفية بالإشارة إلى تحريات الشرطة التي خلصت إلى أن المتهمين «صور أحدهم غناء الثاني ورقصه ونشره الثالث بمواقع التواصل، قاصدين إثارة حفيظة المواطنين، والإيهام بضعف الأجهزة الأمنية في أداء دورها».  

الملاحظة الأولى على هذه القضية أن هؤلاء الصبية مخطئون ولا ريب، ودسنوا قدسية بيت من بيوت الله، لم يراعوا حرمته وقيمته، لكن هذا السلوك من جانبهم وإن كان مدانا لكن لا يمكن أن يصنف على أنه شكل من أشكال الإرهاب؛ ذلك أن الإرهاب في جوهره هو سلوك عدواني يستهدف إكراه الناس على فعل شيء لا يريدونه باستخدام العنف والبطش؛ وهو عين ما تقوم به السلطة العسكرية حاليا؛ فهي الإرهابي الأول وفقا لمعنى الإرهاب من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية. ومحامي المتهمين أبدى استغرابه من هذه التهم المعلبة متسائلا: «ليه شوية عيال بيهزروا يتحبسوا على ذمة قضية إرهاب؟»!

الملاحظة الثانية، أين هي هذه الجماعة الإرهابية التي انضموا إليها؟ وهل هناك جماعة إرهابية تغني وترقص داخل المساجد؟ وأين الكذب فيما فعلوه؟ تهم النيابة على هذا النحو تثير الأسى والغثيان؛ فهي تهم معلبة لا علاقة لها بالقضية من قريب أو بعيد، ولا أدرى كيف جرى سيناريو التحقيق على هذا النحو الكوميدي. كما أن ذلك يعني أن الدولة تستخدم ما يسمى بقانون الإرهاب كسيف مسلط على رقاب الجميع، تتهم به من تشاء وقتما تشاء في أي قضية حتى لو  كانت أقل من مستوى الجنحة؛ لأن هؤلاء الصبية في هذه الحالة لم يفعلوا شيئا يخالف قواعد الإسلام ومبادئه؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يشاهد الحبشة وهم يلعبون في المسجد ويرقصون في غير وقت الصلاة. وإن كان غناء الصبية خادش بعض الشيء فلا يجب أن يدانوا بتهمة الإرهاب! هذا تضخيم مبالغ فيه لأهداف غير معلومة.

الملاحظة الثالثة، أن النيابة لم يستفزها استخفاف هؤلاء الصبية بحرمة بيت من بيوت الله  بقدر ما استفزها المس بصورة وزارة الداخلية بعد نشر الفيديو وتداوله على مواقع التواصل الاجتماعي وأن ذلك من شأنه أن يشوه صورة الشرطة ويوحي بضعف الأجهزة الأمنية في أداء دورها بحسب تحريات الشرطة التي تبنها النيابة في التحقيقات، لكن هذه المؤسسات (الشرطة ــ النيابة) وحتى الإعلام، لم ينظروا إلى القضية نظرة أكثر عمقا وشمولا؛ إذ كيف وصل هؤلاء الصبية إلى هذا الحد من الاستهانة والاستخفاف بحرمة بيوت الله؟ ومن الذي أوصلهم إلى هذا المستوى المخيف من الانحطاط؟ في هذه الحالة فإن الجزء الهين من المسئولية يقع على هؤلاء الفتية الصغر الذين يتعين إخلاء سبيلهم فورا بغرامة ميسرة على تزيد على ألف جنيه تأديبا لهم ولعدم تكرار ذلك، أما المسئولية الكبرى في  هذا الموقف إنما تقع على السلطة والمجتمع؛ فمن الذي حول هؤلاء الفتية إلى مسوخ بلا روح أو فهم للدرجة التي يستهينون فيه بحرمة بيت من بيوت الله؟

الملاحظة الرابعة، هذا المشهد يحيلنا إلى الدور المشبوه الذي تمارسه سلطات الانقلاب منذ سنوات؛ حيث تبث عبر آلتها الإعلامية الجبارة خطابا عنصريا يمتلئ بكل مفردات  الكراهية ضد كل من يلتزم بالإسلام، وهو الحرب المشنونة منذ عقود، وقبل حتى ظهور مصطلحات الإرهاب التي أريد بها التغطية على هذه الحرب القذرة؛ فمعظم الأفلام القديمة كانت تسخر من الشيوخ والزي الرسمي للأزهر الشريف وظهر ذلك في مئات الأفلام بخلاف إظهار الشيوخ في صورة مشوهة خفيفي العقل منحرفي السلوك متقعرين في الكلام. كما أن ذلك يحيلنا إلى الحرب التي يشنها السيسي ونظامه على الهوية الإسلامية والتي تجلت بوضوع شديد في  المذابح التي يتعرض لها الإسلاميون ظلما واضطهادا لمجرد أنهم يعملون على تكوين  نظام حكم إسلامي ديمقراطي يستند إلى إرادة الشعب الحرة. كما تجلت في هدم عشرات المساجد بدعوى أنها بنيت بالمخالفة للقانون في الوقت الذي سن قانونا خاصا لتقنين الكنائس التي بينت بالمخالفة للقانون.

الخلاصة، أن المتهم الأول في هذه القضية هو السلطة نفسها؛ بسياستها وقوانينها وعنصريتها وإصرارها على هدم الشخصية المصرية وتحويلها إلى مسوخ بلا فكر أو إدراك أو وجدان؛ تفشت الجريمة وانتشرت الرذيلة وتفكك المجتمع على نحو مرعب ينذر بمخاطر شديدة في مستقبل الأيام ما لم يتم وقف هذا النزيف في القيم والأخلاق، وترميم ما يعانيه المجتمع من تمزق وتفكك لم يحدث من قبل، فإن مصر مقبلة على المزيد من التفكك والتحلل والتمزق، وهذا عين ما يرجوه الأعداء؛ والسيسي يقوم به على أكمل وجه!