أسباب الانقلاب الإماراتي على مصر والسعودية وآثاره على الإخوان وتركيا والمنطقة

- ‎فيلن ننسى

 

 

 

قبيل زيارة ولي عهد السعودية محمد بن سلمان مؤخرا لمصر، في إطار جولة له بالمنطقة، تستهدف مصر وتركيا والأردن، وقبيل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية، ترددت إشاعات وأقاويل حول أهداف الزيارة وتداعياتها إلى مصر، شابتها إشاعات بأن محمد بن سلمان سيطرح مبادرة على السيسي للتصالح مع الإخوان المسلمين وتسريع المصالحة بين مصر وتركيا ، وهو  ما لم تدعمه مؤشرات على أرض الواقع ، إذ ما زال نظام السيسي يواصل نهجه الانتقامي من الجماعة وأفرادها، مستبعدا أي أحد له علاقة بها من قريب أو بعيد من الحوار الوطني وما يعرف بالعفو الرئاسي عن المساجين، وتوالي الاتهامات والأحكام الجائرة بحق قيادتهم المسجونين.

 

وكانت زيارة محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية إلى مصر مقررة خلال مايو الماضي، لكنها تأجلت إلى يونيو وأصبحت جولة ستأخذه إلى الأردن ثم تركيا، فيما يوصف بأنها جهود سعودية لتعزيز دورها الإقليمي قبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط في يوليو المقبل.

 

وفي ظل التحولات الكبيرة في تحالفات المنطقة منذ مطلع العام الماضي، تأتي جولة ولي العهد السعودي هذه كمقدمة لتحولات أخرى على الأرجح ستخرج إلى العلن خلال الأشهر وربما الأسابيع القليلة المقبلة، وفي القلب منها ما يمكن وصفه بتغييرات في محور التحالف السعودي الإماراتي المصري على وجه الخصوص.

 

ووفق تقديرات استراتيجية، فإن ولي العهد السعودي يسعى الآن إلى إعادة تقديم نفسه كزعيم إقليمي قادر على المساعدة في إحداث التوازن في العلاقات بين دول منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في ملفاتها الشائكة والمضطربة، في الوقت الذي تتجه الولايات المتحدة إلى الانسحاب من منطقة نفوذها التقليدية لأسباب تخص أروقة السياسة هناك في واشنطن.

 

ولا شك أن التحالف بين السعودية ومصر والإمارات، منذ انقلاب السيسي، كان يمثل المحور الإقليمي الذي يحظى بدعم الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب، لكن منذ فوز جو بايدن بالرئاسة، وقبل أن يتولى منصبه رسميا، اختلفت الأمور بشكل جذري، وجرى بالفعل إعادة ضبط لتحالفات المنطقة، كانت هناك عوامل ومتغيرات كثيرة تدفعه، حتى جاء التغيير في البيت الأبيض ليعجل به.

 

لكن هذه التحولات شهدت أحيانا تضاربا في المصالح بين ما يسعى إليه ولي العهد السعودي وبين ما يريده الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد، وقد يكون أبرز هذا التضارب ما حدث ويحدث في ملف الحرب في اليمن؛ فالسعودية والإمارات قادتا تحالف دعم الشرعية في اليمن منذ مارس 2015، لكن مع مرور الوقت بدا واضحا أن لكل منهما أهدافه الخاصة.

 

إذ أن دعم الإمارات للمجلس الانتقالي الجنوبي، الساعي لانفصال جنوب اليمن عن شماله، ثم إعلان الإمارات انسحابها من الحرب من طرف واحد، بعد أن ضمنت مصالحها هناك عن طريق القوات التي مولتها ودربتها وباتت تسيطر على كثير من أراضي الجنوب، قد أصاب جهود التحالف في القضاء على الحوثيين في مقتل، وعلى الرغم من التطورات الأخيرة، وتعرض الإمارات لقصف صواريخ الحوثي، إلا أن دعم أبوظبي للمجلس الانتقالي الجنوبي لا شك يغضب الرياض، التي كانت تريد القضاء على فرص تولي الحوثيين المدعومين من طهران، السلطة على حدود المملكة، لكن يبدو أن تلك باتت الآن مهمة شبه مستحيلة.

 

وهناك أيضا ملف العلاقات مع إيران، الذي يبدو واضحا تماما أن الإمارات تتبع فيه نهجا مختلفا تماما عن النهج السعودي؛ ففي الوقت الذي تتعثر فيه المفاوضات الخاصة بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، واتهام طهران بأنها أصبحت على وشك الاقتراب بالفعل من إنتاج سلاح نووي، قررت الإمارات فتح صفحة جديدة من العلاقات مع إيران، وتم تبادل الزيارات على أعلى المستويات.

 

وبالإضافة إلى ذلك، هناك أيضا ملف النفط وسعي الإمارات إلى مزاحمة السعودية على قيادة منظمة أوبك، وهو الخلاف الذي كان قد ظهر للعلن العام الماضي، في حادثة نادرة تعكس مدى عمق ما وصف بأنه "شرخ" في العلاقات بين الرياض وأبوظبي.

وبشكل عام، ليس سرا أن سعي ولي العهد السعودي إلى تنويع اقتصاد المملكة وجذب الاستثمارات غير النفطية أشعل المنافسة الاقتصادية مع الإمارات أيضا.

 

مصر في المرمى الإماراتي

أما على الصعيد المصري، فمنذ انقلاب  السيسي كان هناك تطابق في المواقف بين القاهرة وأبوظبي في جميع الملفات الإقليمية، سواء في ليبيا أم تونس أم حصار قطر أم العلاقات مع تركيا، وفي القلب من ذلك العداء السافر للإسلاميين عامة، ولجماعة الإخوان المسلمين بصفة خاصة، في إطار أوسع يهدف إلى قمع أية مسارات ديمقراطية في دول المنطقة.

 

لكن مع مرور الوقت، وتداخل الملفات وتشابكها، بدأت تظهر تباينات في المصالح بين القاهرة وأبوظبي.

 ففي ليبيا، كانت مصر والإمارات تدعمان خليفة حفتر المتمركز في الشرق الليبي ضد حكومة الوفاق ومقرها الغرب والعاصمة طرابلس، وفي هذا السياق، قدمت القاهرة وأبوظبي الدعم لميليشيات حفتر عندما شن هجومه على طرابلس مطلع أبريل 2019.

 

لكن بعد فشل حفتر الذريع، وتقهقره مرة أخرى إلى الشرق، وبداية وقف إطلاق النار، ومعه استعادة المسار السياسي في منذ أكتوبر 2020، بدأت القاهرة في إعادة النظر في سياستها الخارجية تجاه ليبيا بشكل جذري، وذلك لعدد من الأسباب تتعلق بالأوضاع الاقتصادية من جهة، والتركيز على التهديد الوجودي المتمثل في سد النهضة الإثيوبي من جهة أخرى، إضافة إلى سياقات أخرى تتعلق بالأوضاع الداخلية.

 

وفي هذا السياق، فتحت القاهرة باب الحوار مع حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا منذ اللحظة الأولى للإعلان عنها، وأرسلت وفدا إلى طرابلس، ووقعت اتفاقيات تتعلق بإعادة الإعمار مع السلطة الموحدة الجديدة، كما فتحت القاهرة نوافذها على المرشحين للرئاسة، مع تفضيل حفتر بطبيعة الحال، لكن انهيار الأوضاع، وعدم إجراء الانتخابات، وعودة شبح اندلاع الصراع المسلح مرة أخرى؛ سبب إزعاجا كبيرا للقاهرة، التي لم تسارع إلى العودة لمسارها القديم، المتمثل في دعم عملية عسكرية أخرى قد يشنها حفتر.

 

 

وفي ظل تقلبات الوضع في ليبيا، بدأت مصر أيضا حوارا مع تركيا يهدف إلى إعادة تطبيع العلاقات بعد قطيعة بدأت منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي عام 2013، وهو ما رفضه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وجاء الحوار بين القاهرة وأنقرة في سياق تغيير مصر لسياستها الخارجية في ليبيا، كون تركيا لاعبا أساسيا في هذا الملف، وتدعم الحكومة المعترف بها، سواء الحالية أم حكومة الوفاق السابقة.

 

هذا التغيير في سياسة مصر الخارجية نحو ليبيا، بدافع مما يمثله الاضطراب هناك من مخاطر على الأمن القومي للبلاد، هو ما فرض حتمية اتباع سياسة أكثر برجماتية، لم يقابله تغيير في سياسة الإمارات هناك، حيث واصلت أبوظبي دعم حفتر، وتوصيل مزيد من الأسلحة والمرتزقة الروس "فاغنر" إليه، وهو ما بات يسبب إزعاجا للقاهرة بطبيعة الحال.

 

الملف الآخر الذي أصاب مصر بالإحباط وخيبة الأمل من الإمارات يتعلق بموقف أبوظبي من قضية سد النهضة الإثيوبي، ففي الوقت الذي انتظرت فيه القاهرة دعما إماراتيا في هذا الملف الوجودي، فوجئ المصريون يوم 31 مارس 2021، بعد يوم من تهديد السيسي لإثيوبيا بشأن السد، وصدور بيان تأييد مباشر من السعودية ودول عربية أخرى للموقف المصري، ببيان إماراتي يدعو إلى مواصلة الحوار بين الأطراف، وهو ما أكد على أن القاهرة لا يمكنها التعويل على أبوظبي كحليف حقيقي في ذلك الملف الوجودي.

 

وهناك أيضا التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، والذي يمثل في أغلب جوانبه، وخاصة الاقتصادية منها، إضرارا واضحا بالمصالح المصرية، وما خط أنابيب إيلات – عسقلان إلا مثال واحد على هذا الضرر، حيث إن الهدف الرئيسي منه هو نقل النفط والغاز من الخليج إلى إسرائيل ثم أوروبا عبر طريق لا يمر بقناة السويس، وهو ما يحرم مصر من ثلث عائدات القناة تقريبا.

 

 

وإلى جانب ذلك، فإن رغبة واشنطن في صياغة تحالف إقليمي أمني يضم إسرائيل إلى الدول العربية، جاءت زيارة محمد بن سلمان إلى القاهرة، ثم إلى عمان وأنقرة على التوالي، لوضع الأساس لمحاولة السعودية ترسيخ مكانتها كشريك أبرز من الشركاء الإقليميين الآخرين، فيما يتعلق بمبادرة التعاون الأوسع التي طرحتها واشنطن.

 

حيث يأمل ولي العهد السعودي أن يقدم نفسه للأمريكيين من خلال إرساء الأساس للتحالف الإقليمي للولايات المتحدة على أنه "صانع التوازن" في المنطقة والقادر على توجيه دفة التحالفات الاستراتيجية الإقليمية.

ومن ثم فإن إنجاز التقارب المتعسر بين القاهرة وأنقرة، وهما من أكثر القوى الإسلامية السنية نفوذا، سيخدم هذه الغاية.

 

ولذا جاءت الوعود السعودية الضخمة بضخ استثمارات تفوق 20 مليار دولار بمصر ، لتشجيع السيسي على الانصياع للأجندة السعودية.

وعلى الرغم من أن التحسن التدريجي في العلاقات بين تركيا من جهة، والسعودية والإمارات ومصر من جهة أخرى، قد بدأ في النصف الثاني من 2021، وتبادلت الرياض وأبوظبي الزيارات الرسمية مع أنقرة، إلا أن محادثات القاهرة وأنقرة تسير بوتيرة بطيئة مقارنة بالتقارب التركي الخليجي.

ومن ثم فأن إلحاح السعوديين على التقارب المصري التركي، والتنسيق الأوسع مع جماعة الإخوان، مرده القلق بشأن محاولة الإمارات الموازية لتحقيق تقدم مع واشنطن في خطتها الخاصة بأُسس سياسة إقليمية جديدة.

 

وتبادلت السعودية ومصر مخاوفهما بشأن التحركات الإقليمية الأحادية للإماراتيين في السنوات الأخيرة، وكان أبرزها التطبيع الرسمي للعلاقات مع إسرائيل، وتسهيل انضمام العديد من الدول إلى ما يسمى بـ"اتفاقيات إبراهيم".

 

 

كما أن القلق الذي تشعر به كل من القاهرة والرياض بشأن الخيارات السياسية لحاكم الإمارات المُعيّن حديثا، محمد بن زايد، قد ساعد في التقارب بين مصر والسعودية، على الرغم من بعض خيبات الأمل، التي لا يمكن تجاهلها لدى الجانبين.

 

وتأتي مُغازلة ولي العهد السعودي للنفوذ الأمريكي متزامنة مع سعيه حاليا لنقل السلطة بسلاسة قبل وفاة الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي تسببت مشكلاته الصحية في تكهنات واسعة النطاق.

وإجمالا، فإن سعي ولي العهد السعودي لصياغة تحالف إقليمي يعجب الإدارة الأمريكية وتطمئن إليه في الشرق الأوسط، أكثر مما تقدمه الإمارات من نموذج، يبقى الهدف الأساس لبن سلمان ، والسبيل الوحيد لإرضاء واشنطن وكسب ثقة بايدن وإدارته، وهو ما قد يدفع نحو بعض التغيرات على المستوى الإقليمي، من تسريع مصالحة مع تركيا ومصر، أو تخيفيف الضغوط على جماعة الإخوان المسلمين.