جريمة جديدة للداخلية والانقلاب .. قضية صحافيي الإسماعلية وأزمة التحريات الأمنية

- ‎فيتقارير

في كل القضايا التي أدين فيها الإخوان والسياسيون منذ انقلاب 03 يوليو 2013م، اعتمد القضاة الفسدة على تحريات الأمن في التدليل على الإدانة رغم أن التحريات الأمنية وحدها لا يعتد بها كدليل إدانة، ولا بد من وجود أدلة وقرائن مادية تثبت التهمة على المتهمين.  ولكي نفهم خطورة الأمر على نحو صحيح؛  نشير إلى هذه الحادثة؛ التي جرت وقائعها في 2015م؛ فرغم مزاعم نظام الدكتاتور عبدالفتاح السيسي عن استقلالية القضاء ونزاهته وشموخه إلا  أن الآلة الإعلامية للنظام راحت تنتقد بعض أحكام محكمة النقض ببطلان الأحكام الصادرة عن دوائر الإرهاب. وفي منتصف يوليو 2015م نشر موقع "دوت مصر" المقرب من الدوائر الأمنية تقريرا تحت عنوان «كيف انتصرت محكمة النقض "للإخوان" على حساب "دوائر الإرهاب"؟»؛ فالموقع الإعلامي المحسوب على أجهزة الأمن ـ بحسب الكاتب الكبير فهمي هويدي في مقاله رد اعتبار القضاء المنشور على جريدة الشروق في 21 يوليو 2015م ـ  لم ير في أحكام  النقض ببطلان أحكام دوائر الإرهاب انتصارا للعدالة بل انتصار للإخوان. ما يعني أن السلطة تبعث برسالة تهديد لمحكمة النقض وقضاتها باعتبارهم يصدرون أحكاما تصادم توجهات السلطة وسياستها. وخلص التقرير إلى أن محكمة النقض فى أغلب قضايا الإرهاب التى نظرتها انتقدت اعتماد محاكم الجنايات على تحريات جهاز الأمن الوطنى كدليل رئيسى. وفى بعض الوقائع دليلا وحيدا على ارتكاب المتهمين لجرائمهم، وقررت فى ذلك «أنها لا يمكنها التعويل فى تكوين عقيدتها على تحريات جهاز الأمن الوطنى، ولا تصلح التحريات أن تكون وحدها دليلا بذاته أو قرينة بعينها على الوقائع المراد إثباتها ضد المتهمين».. وهذا المبدأ الذى أشارت إليه المحكمة متواتر فى أحكام المحكمة الدستورية العليا، التى رفضت اعتبار تحريات الأمن دليلا ووصفها بأنها لا تعدو أن تكون رأيا لقائلها.

لم تفلح عمليات ترويض وتوريط محكمة النقض بهذه الدعاية المضادة؛ ووصفت النقض قرار النيابة العامة في مارس 2015م بإدراج 18 من قيادات الإخوان على قوائم الإرهاب ضمن قضية "أحدث مكتب الإرشاد" أنه "لغو ﻻ أثر له ومنعدم من الأساس ولا يعتد به ولا يجوز نظره من الأساس لبطلانه" مما يسم تصرفها باﻻنعدام والسقوط، ما يحرر قيادات اﻹخوان رسمياً من وصفهم قانونياً باﻹرهاب، ويلغي جميع اﻵثار المترتبة على إدراجهم، ومنها منعهم من التصرف في أموالهم ومغادرة البلاد في حالة خروجهم من السجون. لكن السلطة العسكرية نسجت مؤامرتها للهيمنة على ما تبقى من مواطن الاستقلال داخل مؤسسة العدالة؛ وتمكنت من فرض وصياتها بتعديل قانون السلطة القضائية الذي بسط وصاية السلطة على محكمة النقض ذاتها التي كانت صرح العدالة ورمز قوتها ونزاهتها.

تذكرت هذا المحطات الفاصلة في تاريخ العدالة الموءودة في مصر، بعد نشر وزارة الداخلية عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك مقطع فيديو للصحفيين (محمد جمعة مبارك مراسل الوفد بالإسماعيلية وهاني عبد الرحمن، مدير مكتب المصري اليوم بالمحافظة)، يدعيان فيه بفبركة فيديو ضمن حملة إعلامية لصالح رجل أعماليستأجر المسرح الروماني في الإسماعيلية، يدعى وديع فلتاؤس مقابل مبالغ مالية؛ الأمر الذي استفز الحقوقي ناصر أمين؛ مؤكدا أن ما  فعلته الوزارة من نشر الاعترافات على صفحتها جريمة يعاقب فاعلها؛ فلماذا لم نسمع هذا الرأي لأمين عندما كانت الداخلية تبث اعترافات السياسيين من الإخوان قبل أي محاكمة؟ ولماذا لم  نسمع له حينها صوتا يصدع بالحق؟

وقال المحامي ناصر أمين ــ وفقا لـ«مدى مصر» ـ  إن ما فعلته وزارة الداخلية من نشر الاعترافات على صفحتها جريمة يعاقب فاعلها وفقًا لأحكام قانوني الإجراءات الجنائية والعقوبات، وهذه الواقعة يجب أن يُحقق فيها مع الضابط الذي نشر هذا الفيديو، مشيرًا إلى أن الوزارة تعدت على عمل النيابة، وانتزعت جبرًا أقوال من شخص مشتبه به قبل أن يُعرض على النيابة العامة التي تتولى سلطة التحقيق مع المتهم وفقًا للقانون. وأضاف أمين إلى أن المشتبه بهما تم تصويرهما من جانب الشرطة التي يفترض أن ليس لها صلاحية في اتخاذ أي إجراءات سوى الضبط وجمع الأدلة، موضحًا أن محضر الشرطة هو للضبط وجمع الاستدلالات فقط، ويكون سرى، ويكتب في خلال 24 ساعة وليس من حق أحد نشره.

وأشار إلى أن الاعترافات التي أدلى بها الصحفيان باطلة، لأن الاعتراف الوحيد الذي يؤخذ به أمام القاضي، وليس حتى النيابة العامة فما بالك بالشرطة، بجانب ذلك فإن الصحفيين في الفيديو ذكرا اسم شخص تم التشهير به الآن، وكان من الأولى أن تركز الشرطة في إثبات هذه الادعاءات بدلائل مادية. وينتقد أحد العاملين مع فلتاؤوس اتهام «الداخلية» له. وأضاف أنه حتى لو أن الصحفيين ادعيا أنهما نشرا الفيديوهات بمقابل مادي؛ فإن دور الوزارة التأكد من أقوالهما عن طريق البحث عن أدلة مادية قبل النشر والتشهير بمستأجر المسرح.

وقال عضو بمجلس نقابة الصحفيين بعدما طلب عدم ذكر اسمه، إن النقابة لم ترسل محامي للصحفيين إذ أنهما متهمان بنشر فيديو على صفحتيهما الشخصية، وليس في إحدى الوسائل الإعلامية، وبالتالي فإنهما مثل أي مواطن ينشر على صفحته شيء، ويتعرض للحبس أو الغرامة، مضيفًا أن تلك النقطة أصبحت مشكلة يواجهها الصحفيون والنقابة لأن قانون النقابة عندما وضع عام 1971، لم يكن هناك أي وسائل اتصالات حديثة.

الخلاصة مصر باتت في عهد السيسي بلا حرية ولا عدالة؛ وأجهزة السيسي الأمنية تبسط سلطتها على النيابة والقضاء دون خشية من أحد أو اكتراث لأحد.