على الرغم من تشدق المنقلب السفيه السيسي ونظامه بتحسن الأوضاع الاقتصادية في مصر، وتحقيق إصلاحاته الاقتصادية نتائج إيجابية، وعلى الرغم من تثبيت سعر الدولار في البنوك المصرية ومحاربة السوق السوداء، إلا أن الواقع المرير بات معلوما للجميع، من أصغر المواطنين إلى المصنعين وكبار التجار، إذ بات الدولار شحيحا بالأسواق المصرية، ويتسبب غيابه في رفع أسعار كل شيء بمصر بصورة غير مسبوقة.
ورغم انخفاض الأسعار العالمية لحبوب الذرة والصويا لأقل مستوى لها منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن الأسعار محليا تواصل الصعود، ما يهدد برفع أسعار الزيوت النباتية، التي تعتمد على فول الصويا والذرة لصناعتها، وذلك على إثر شح الدولار.
وارتفعت أسعار الأعلاف الحيوانية لتسجل نحو 13 ألف جنيه، بزيادة تتجاوز ألفي جنيه مقارنة بالأسبوع الماضي، وذلك بسبب ارتفاع أسعار مكونات الأعلاف الأساسية محليا، مثل الذرة الصفراء وكُسب الصويا، ما يهدد برفع أسعار البروتين الحيواني والداجني فضلا عن الزيوت النباتية.
وارتفع سعر الذرة الصفراء إلى 9500 جنيه، فيما بلغ سعر كُسب الصويا (أحد منتجات فول الصويا) 13 ألف جنيه، وتستورد مصر 90% من مستلزمات إنتاج الأعلاف في ظل ضآلة الإنتاج المحلي منها، ورغم ذلك، تعود الأزمة الحالية إلى سبب داخلي وليس خارجي، إذ أن ارتفاع سعر مستلزمات إنتاج الأعلاف مرتبط بضعف توفير الدولار من البنوك للإفراج عن الشحنات المحتجزة في الموانئ المصرية، ما صعد بأسعار الأعلاف إلى مستويات قياسية لم تُسجَل من قبل.
وبدأت الأزمة تتفاقم مع الإجازة الطويلة للبنوك خلال عيد الأضحى الماضي، ما أخر الإفراجات عن البضائع.
كما أن البنوك العاملة في مصر رفعت قيمة عمولاتها اللازمة لفتح الاعتمادات المستندية للاستيراد بعد قرار البنك المركزي مارس الماضي بقصر الاستيراد على الاعتمادات المستندية والاستغناء عن مستندات التحصيل التي توفر تكلفة أقل للمستوردين المصريين. وبعد موجة من غضب المُصنعين المصريين وتدخل رئاسي، استثنى البنك المركزي المصري بعض القطاعات من شرط الاعتمادات المستندية، لكنه لم يستثن الواردات الزراعية أو المواد الخام اللازمة للزراعة.
بالتزامن مع ذلك، واجه المستوردون صعوبات في تدبير العملة الصعبة، إذ توفرها أغلب البنوك للسلع الاستراتيجية فقط، وبشروط صعبة كما أنها تستغرق أسابيع.
ولأن الذرة على عكس القمح، رغم أهميتها، فلا تعد الذرة سلعة تموينية؛ لا تستوردها الحكومة أو تحتفظ بمخزون استراتيجي منها. ولكن هذه المهمة تقع بالكامل على القطاع الخاص، وحتى احتياجات مصانع الأعلاف الحكومية من الذرة يوفرها القطاع الخاص، وهو ما يعمق الأزمة ، فالقطاع الخاص هو المسؤول عن استيراد مستلزمات الأعلاف، ومن ثم يكاد يكون من المستحيل تمرير السلع المستوردة، نظر لغياب الدولار.
ولعل صناعة الإنتاج الداجني واللحوم والاأبان من الصناعات التي لا يستطيع المصنعون إيقافها أو تعطيلها، لارتباطها بأرواح قد تموت وتكون الخسائر كبيرة.
وهو ما يؤكد أن شركات الألبان ومصنعي الدواجن والمواشي سيشترون بأي سعر، ومن ثم سيبيعون بأعلى الأسعار لتعويض الخسائر.
ويقول المربون والمستوردون، ، في تصريحات صحفية إنهم "يواجهون صعوبة في توفير الأعلاف في الوقت الحالي، لكنهم سيشترون بأي ثمن لأن الامتناع عن شرائها يعني خراب البيوت.
ومع أن الطلب على الدواجن والبيض منخفض في ظل ارتفاع الأسعار الأخير، لكن المنتجين لا بد أن يستمروا في بيع الدواجن والكتاكيت لأن لها دورة إنتاج محددة.
كما أن معظم منتجي الدواجن يتعرضون لخسارة منذ ثلاثة أشهر، إذ يبيعون الدجاج والبيض بأقل من سعر التكلفة، إذ يبلغ سعر كيلو الفراخ البيضاء تكلفته 33 جنيها، فيما يبيعه المنتجون بـ 28 جنيها، تفاديا لخسارة أكبر.
من جانبه، أرسل اتحاد مُنتجي الدواجن خطاب استغاثة إلى رئاسة الجمهورية، ومجلس الوزراء والبنك المركزي ووزارة الزراعة يطالب بالتدخل لحل الأزمة عبر توجيهات للبنوك بتسهيل الإتاحات الدولارية، والموافقة على الاعتمادات المستندية، والإفراج عن الشحنات المتراكمة في الموانئ منذ عيد الأضحى الماضي،
إلا أن شيئا لم يحدث ، وهو ما يفاقم أزمات المربين والمنتجين ومن ثم التجار والمستهلكين أيضا، ويدفع السوق المصري نحو الخراب..
لعل أزمة الدولار التي تسببت فيها سياسات الإنفاق البذخي للسيسي في مشاريع فنكوشية لا أهمية لها، كالعاصمة الاجارية والعلمين الجديدة والمدن الجديدة التي لا يسكنها سوى البوم والفئران لغلو ثمنها، قد أهدر الاحتياطي النقدي، والذي بات بالسالب حاليا، وهو ما يفاقم أزمة الديون وفوائدها التي تبتلع نحو 102% من الدخل القومي المصري، وتنعكس على حياة المواطن بتدني الإنفاق الاجتماعي على قطاعات الصحة والسكان والتعليم والغذاء، ويفاقم أيضا ارتفاع أسعار جميع السلع في السوق المصري، ما يزيد في نسب الفقر والعوز الاقتصادي، ويحرم ملايين المصريين من تحصيل لقمة العيش أساسا.