سبقه «نخنوخ».. دلالات  عفو السيسي عن البلطجي “طارق النهري”

- ‎فيتقارير

العفو الذي أصدره الدكتاتور عبدالفتاح السيسي قبل أيام عن سبعة مسجونين أبرزهم  الممثل طارق النهري يثير كثيرا من التساؤلات؛ ذلك أن النهري ليس  معتقلا سياسيا بل  أدين في قضايا عنف وإحراق المجمع العلمي في أحداث مجلس الوزراء سنة 2011م؛ حيث حكم عليه بالمؤبد ثم خفف لاحقا إلى 15 سنة لم يقض منها سوى سنتين فقط؛ حيث بقي حرا طليقا رغم ثبوت الأدلة عليه وتصويره وهو يشارك في هذه الجرائم وقبض عليه سنة 2020 ليقضي مدة العقوبة!

النهري له سوابق  قبل الثورة؛ فقد سبق أن تم القبض على الفنان، صاحب الـ69 عاماً، عام 2008، بعدما قضت محكمة جنح بولاق بحبسه ثلاث سنوات مع الشغل، وذلك بعد اتهامه في قضية نصب على مجموعة من الشباب، كان قد وعدهم بتسهيل سفرهم إلى بريطانيا وسويسرا، وذلك مقابل مبالغ مالية، حيث لم يقدم للشباب ما وعدهم به؛ ليتم الحكم عليه، ووقتها قام بإجراء استئناف على الحكم ودفع غرامة قدرها 10 آلاف جنيه مصري.

أما دوره في أحداث مجلس الوزراء فالتحقيقات تؤكد أنه  كان جزءا من الطرف الثالث الذي تمسك أجهزة الدولة العميقة الأمنية بخيوطه كلها؛ فالتحقيقات تثبت أن النهري حرَّض بعض الأشخاص ضد ضباط الأمن، حيث ألقت قوات الأمن القبض عليه بعد قيام بعض المتهمين المقبوض عليهم بالاعتراف عليه بأنه وعدهم بمنحهم مبالغ مالية، مقابل جرِّ قوات الأمن لمواجهة مع المتظاهرين.  بمعنى  أن دوره يتلخص في تأجير عدة صبية وأرباب سوابق من أجل الاندساس بين المتظاهرين واستفزاز قوات الأمن لافتعال أزمة وتدبير اشتباكات كجزء من مخططات الفوضى التي تلت الإطاحة بمبارك بهدف عرقلة أي تحول ديمقراطي في البلاد.

 ورغم ثبوت التهمة عليه من خلال التحقيقات؛ بعدها بأيام قليلة قرَّر قاضي التحقيق، المستشار وجدي عبد المنعم، إخلاء سبيل النهري بضمان محل إقامته، وذلك بعد ثبوت أن الأخير يعاني من مرض السكر، حيث نفى النهري وقتها مشاركته في أحداث مجلس الوزراء أو علاقته بها. ومن وقتها لم يأتِ اسم طارق النهري في القضية، أو بمعنى آخر سقط اسمه سهواً إعلامياً، على الرغم من إصدار الحكم ونشره في جميع الصحف والمواقع. بما يعني أن الأجهزة التي تمسك بخيوطه هي التي أسبغت عليه مظلة الحماية والإفلات من العقاب.

يبرهن على ذلك أيضا، أنه في بداية شهر فبراير2015، تم إغلاق قضية مجلس الوزراء وحرق المجمع العلمي، بعد إصدار الحكم بالمؤبد، وعلى الرغم من أن طارق النهري كان ضمن 230 متهماً في القضية حكم عليهم بالمؤبد، فإنه لم يدخل السجن. فقد قضت محكمة جنايات القاهرة المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة بمعاقبة الناشط أحمد دومة، المتهم الرئيسي في القضية، و229 متهماً بالسجن المؤبد، ومعاقبة 39 حدثاً بالسجن 10 سنوات، وألزمت المحكمة دومة بغرامة قدرها 17 مليوناً و684 ألفاً و881 جنيهاً، قيمة التلفيات التي حدثت بالمباني التي خربها، وإلزام باقي المتهمين بدفع قيمة ما تم إتلافه، مشاركة مع دومة. وهو الحكم الذي صدر برئاسة المستشار محمد ناجي شحاتة، وعضوية المستشارين ياسر ياسين وعبد الرحمن صفوت الحسيني، بحضور شريف أشرف، مدير نيابة الحوادث بأمانة سر أحمد صبحي عباس، في القضية رقم 8629 لسنة 2011 جنايات السيدة زينب، والمقيدة برقم 3528 لسنة 2011 كلي جنوب القاهرة، والمعروفة باسم أحداث مجلس الوزراء. وقد صدر الحكم والفنان طارق النهري خارج القفص، الذي كان يقف بداخله أحمد دومة وباقي المتهمين، ولم يتم البحث عنه أو المطالبة بالقبض عليه، على الرغم من وجود اسمه في القائمة التي ضمت 230 متهماً، وجاء باسمه وصفته "طارق النهري حازم حسن، مخرج سينمائي، وظل طارق النهري يقضي حياته بشكل طبيعي.

الدليل الثالث أنه بعد صدور الحكم في القضية لم تسع  وزارة الداخلية مطلقا للقبض عليه لتنفيذ الحكم، لكن النهي ظل تحت حماية هذه الأجهزة التي كان يعمل لحسابها  وقضى حياته بشكل طبيعي. بل العجيب أنه خلال هذه الفترة شارك في 8 مسلسلات على مدار ثلاث سنوات، ففي عام 2015 قدم مسلسلات "شطرنج"، "شطرنج 2" و"الوسواس"، وفي العام التالي قدم مسلسلي "القيصر" و"مملكة يوسف المغربي"، ثم شارك في بطولة مسلسلي "عفاريت عدلي علام" و"كلبش"، وظهر كضيف شرف في "طاقة نور". الطريف في الأمر أنه في اليوم الذي تم القبض عليه في مسلسل "عفاريت عدلي علام"، تم القبض عليه أيضاً على أرض الواقع، وهي واقعة قدرية طريفة أثارت اهتمام متابعي القضية على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يظهر في المسلسل بشخصية لواء فاسد تم القبض عليه للتحقيق معه في قضايا الفساد التي اتُّهم فيها. فلماذا لم يتم القبض عليه طوال هذه الفترة؟ ولماذا لم يهرب بعد صدور الحكم؟ ومن الذي كان يسبغ عليه مظلة الحماية؟ ولماذا تم القبض عليه بعد سنتين من صدور الحكم رغم أن مقر سكنه معلوم ويظهر على الشاشة كممثل؟!

الدليل الرابع، بعد القبض عليه تم الإفراج عنه لاحقا، وعاد إلى منزله في انتظار إعادة المحاكمة. وبعدما نشرت مواقع النظام القبض على النهري في كمين بالسيدة زينب؛ عادت نفس المواقع لتدعي أنه سلم نفسه لإعادة محاكمته! وبعد تسليم نفسه لقسم الشرطة، حسب الرواية الأخيرة، تم عرضه على النيابة العامة للتحقيق معه في هروبه من تنفيذ حكم قضائي صادر ضده بالحكم المؤبد، حيث تم التحقيق معه في محكمة جنوب القاهرة الكلية بمنطقة زينهم، حيث طالب بإعادة إجراءات محاكمته، حيث كان أمام النيابة خياران، إما حبسه أو إخلاء سبيله.

وقررت نيابة جنوب القاهرة الكلية في النهاية إخلاء سبيل طارق النهري، عقب تقديمه معارضة، والمطالبة بإعادة إجراءات محاكمته في القضية المتهم فيها، حيث تم تحديد جلسة لاحقة في  7 أغسطس 2017 لإعادة محاكمته حيث تم تخفيف الحكم من المؤبد إلى 15 سنة، قضى منها سنتان فقط من 2020 إلى 2022، ثم صدر العفو الرئاسي عن النهري في برهان على أن الدولة العميقة تسبغ مظلة حمايتها على البلطجية والمجرمين الذين يتعاملون معها وتستخدمهم  في الأعمال القذرة.

وكان السيسي قد أثار كثيرا من الجدل بالعفو عن  صبري نخنوخ، وهو أكبر بلطجي في مصر، يقود تشكيلات عصابية منظمة تمارس جميع أشكال البلطجة. تم القبض عليه في أغسطس 2012م داخل فيلته بمنطقة كينج مريوط بالإسكندرية، وكان بصحبته عدد كبير من الخارجين عن القانون، وبحوزتهم كمية من الأسلحة، وتمكنت القوات من السيطرة عليهم والقبض عليهم جميعا. وقضت محكمة الجنايات، في 9 مايو 2013 بمعاقبة "نخنوخ"، بالسجن المؤبد وتغريمه 10 آلاف جنيه عن تهم إحراز السلاح الآلي والأسلحة النارية، والسجن المشدد 3 سنوات وتغريمه 10 آلاف جنيه عن حيازة وتعاطي المخدرات، وبرأته من حيازته طبنجة ماركة "سميث". ورفضت محكمة النقض، في 3 نوفمبر 2014، الطعن المقدم منه على حكم محكمة الجنايات الصادر بمعاقبته بالسجن 28 عامًا في اتهامه "بحيازة أسلحة نارية دون ترخيص والبلطجة" وحيازة وتعاطي المخدرات، وبذلك بات حكم النقض نهائي وبات. لكن السيسي عفا عنه ضمن قائمة العفو التي ضمت نحو 330 سجينا في مايو 2018م، رغم أنه محكوم عليه حكما باتا بالمؤبد 28 سنة. وفي سبتمبر 2017م، عفا السيسي عن رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى على رأس قائمة ضمت نحو "500" سجين في قضايا مختلفة، وكان طلعت مصطفى يقضي حكما نهائيا بالسجن 15 سنة بعد إدانته سنة 2008م بقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم بالاشتراك مع ضابط أمن الدولة السابق محسن السكري، الذي تم العفو عن الآخر ضمن قائمة ضمت نحو 3157 سجينا جنائيا في مايو 2020م، رغم أنه كان يقضي حكما نهائبا بالمؤبد 25 سنة في ذات القضية باعتباره المتهم الأول الذي نفذ الجريمة بينما كان هشام مصطفى محرضا وممولا للجريمة. وفي 27 يناير 2019م، أصدر السيسي عفواً عن نحو 7 آلاف سجين بمناسبة ثورة يناير 2011. ومن بين من شملهم العفو السجينة البريطانية، لورا بلامر، البالغة من العمر 34 عاما. والتي ألقي القبض عليها متلبسة بتهريب كميات كبيرة من أقراص ترامادول المخدرة،  وحُكم عليها بالسجن مدة ثلاث سنوات في 26 ديسمبر 2017م.

هذه القوائم التي تحظى بالعفو غالبا ما يكون  معظمها لسجناء جنائيين بعضم أرباب سوابق، ومثل العفو عن صبري نخنوخ برهانا على أنه كان جزءا من الطرف الثالث (الخفي) في مرحلة ثورة يناير وما تلاها من مذابح وفلتان أمني وجرائم سرقة ونهب وقطع طرق، وبالتالي تمت مكافأته على هذا الدور المشبوه رغم أنه يستحق الإعدام هو وكل من يرتبط به وبعصاباته المنشرة في البلاد. وكانت رسالة العفو عنه واضحة في رسالتها ودلالتها؛ فمن يقتل ويسرق ويرتكب أبشع الجرائم يمكن العفو عنه، أما من يعارض النظام ويرفض سياساته والاعتراف به بوصفه اغتصب السلطة بانقلاب عسكري فمثواه القتل أو الاعتقال حتى الموت.