قرار الدكتاتور عبدالفتاح السيسي الخميس 11 أغسطس 2022م بتمديد خدمة شوقي علام في منصب مفتي الجمهورية لمدة عام إضافي، يمثل إصرارا من السيسي على إهانة الأزهر كمؤسسة إسلامية كبرى وتقليص صلاحياته وصلاحيات هيئة كبار العلماء التي يناط بها وحدها اختيار المفتي. قرار السيسي هو الثاني من نوعه بعد التجديد للأخير في منصبه لمدة عام، عقب بلوغه سن التقاعد في 12 أغسطس2021.
وكان علام قد انتخب مفتيا لأربع سنوات في فبراير 2013م من جانب هيئة كبار العلماء التي رفعت اسمه إلى الرئيس الشهيد محمد مرسي والذي أشر على النتيجة مباشرة دون إقحام وزارة العدل في الموضوع في برهنة على أن الرئيس كان حريصا على استقال المؤسسة الدينية وعدم تبعيتها لأي جهة أخرى. وفي 2017م تم انتخاب علام للمرة الثانية، وكان يفترض أن تنتهي مدتاه (8 سنوات) في 2021م، لكن السيسي في 11 أغسطس أصدر القرار رقم 338 لسنة 2021م بشأن اعتبار دار الإفتاء من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، ولا تسرى على الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية بها أحكام المادتين "17 و20" من قانون الخدمة المدنية. وتزامن قرار مع انتهاء مدة القرار الجمهورى، رقم 62 لسنة 2021 بتجديد تعيين الدكتور شوقي علام مفتيًا لجمهورية مصر العربية حتى 12/ 08 / 2021 تاريخ بلوغه السن المقررة لترك الخدمة. وهو ما يعني أن السيسي انتزع حق هيئة كبار العلماء في انتخاب المفتي ومنح نفسه سلطة تعيين المفتي منفردا دون اكتراث بنصوص الدستور والقانون.
قرار السيسي بتحويل دار الإفتاء إلى جهة من الجهات ذات الطبيعة الخاصة يتسق مع التوجهات الديكتاتورية لنظام السيسي لأنه يمنح رئيس الجمهورية سلطة اختيار المفتي على غرار ما منحته التعديلات الدستورية التي جرى إقرارها في إبريل 2019م سلطة اختيار رؤساء الهيئات القضائية والنائب العام. وبالتالي فإن النظام مصمم على تقويض جميع أشكال المشاركة الشعبية حيث ألغى فعليا جميع صور الانتخابات التي قررتها مكتسبات ثورة 25 يناير وحتى الانتخابات التي تتم فهي صورية تتحكم الأجهزة الأمنية في جميع مخرجاتها من الألف إلى الياء. كما ألغى انتخابات رؤساء الجامعات وعمداء الكليات؛ فكل ذلك بات بالتعيين، فكيف يبقى اختيار المفتي بالانتخابات؟
وللمرة الثانية يلتزم الأزهر الصمت المطلق؛ رغم أن هذا القرار يمثل افتئاتا على صلاحيات الأزهر ودوره المحدد بالدستور والقانون وبالتالي تفقد هيئة كبار علماء الأزهر أحد أهم صلاحياتها التي حددها القانون، ووفقا لتعديلات قانون الأزهر التي أصدرها المشير حسين طنطاوي في 19 يناير رقم 13 لسنة 2012م. بتعديل بعض أحكام القانون رقم 103 لسنة 1961م بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها. والتي نصت على أن اختيار هيئة كبار العلماء 3 مرشحين للمنصب على أن يختار رئيس الجمهورية واحدا منهم.
بهذا القرار يكرّس قرار السيسي بتجديد ولاية شوقي علام مفتياً للديار المصرية، لمدة عام، عدة ظواهر أصبحت من المكونات الأساسية لبنية النظام الحاكم في مصر في أعقاب انقلاب 3 يوليو 2013م، وهي أعمق من مسألة الصراع مع شيخ الأزهر أحمد الطيب أو تجريده من صلاحياته. ويُعتبر الطيب حالياً المسؤول الوحيد على الساحة الذي لم يعيّنه السيسي. في التطورات الأخيرة، ضرب السيسي بعرض الحائط كل المستجدات التشريعية التي استطاع الطيب تمريرها لصالح الأزهر بعد ثورة 25 يناير 2011، بما يضمن توسيع صلاحيات هيئة كبار العلماء ونقل وظيفة المفتي من المنظور التنفيذي كموظف كبير تابع لوزارة العدل إلى المنظور العلمي المحصن بعضويته في هيئة كبار العلماء والمراقب في الوقت نفسه من قبل أعضاء الهيئة. وهي النقطة التي كانت المحرك الرئيس لقسم مهم من التعديلات التشريعية التي استطاع انتزاعها عام 2012 في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم أكدها بنصوص لائحة هيئة كبار العلماء التي وضعها بالقرار "10 ه" لسنة 2014 قبل أن الانتخاب المسرحي للسيسي بشهر واحد. وبطبيعة الحال لم يكن الطيب ليستطيع إتمام تلك الخطوة في عهد السيسي.
كذلك فإن اتجاه السيسي للاعتماد على نظام تعيين المسؤولين لعام واحد قابل للتجديد، الذي اتّبعه أخيراً مع المفتي، يضمن له تحقيق هدف آخر هو إبقاء المسؤولين تحت الضغط وعلى أعلى درجات الحرص على إرضاء السلطة والأجهزة السيادية والأمنية. وهو ما حدث سابقاً مع رؤساء هيئة قناة السويس والهيئة الاقتصادية لقناة السويس ورئيس أركان القوات المسلحة والقيادات العسكرية الأخرى، بموجب قانون صدر في يوليو 2021.
وكان النظام قد سحب مشروع قانون دار الإفتاء الذي وافق عليه البرلمان في 19 يوليو 2020م ، والذي كان يفضي تلقائيا إلى استبعاد تبعية الدار للأزهر وجعلها تابعة لمجلس الوزراء، واعتبارها كيانا دينيا مستقلا؛ وهي التعديلات التي مثلت في جوهرها عدوانا على الأزهر وتقليصا لصلاحياته التي نص عليها الدستور ومسا باستقلاله ودوره في مجال الدعوة باعتباره المرجعية الأساسية لكل ما يتعلق بالشئون الإسلامية. وقد رفض الأزهر هذا القانون واعتبره -بالإضافة إلى مخالفته للدستور- يعمل على إنشاء كيان مواز للأزهر، وهو ما يتجاوز حدود الخلاف على الاختصاص. فالأزهر طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 7 من الدستور هو "هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساس في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة، ونشر علوم الدين، واللغة العربية في مصر والعالم…". وبالتالي كان قانون دار الإفتاء ينطوي على مخالفةٍ دستورية، ومساسٍ باستقلال الأزهر، وجعْل رسالته مشاعاً لجهات أخرى لا تتبعه".