العلمانية والثورة المضادة وراء عودة الديكتاتورية في مصر وتونس

- ‎فيتقارير

قالت ورقة بحثية بعنوان "ملامح التحول السلطوي في تونس والموقف الشعبي منه ، مع الإشارة للتجربة المصرية" نشرها موقع "الشارع السياسي" إن "ثمة ملامح مشتركة بين تجارب التحول السلطوي في مصر وتونس؛ هذه التشابهات أملتها وحدة الهدف الذي تسعى له النخبة السلطوية الحاكمة في كلا البلدين؛ يتمثل هذا الهدف في إيقاف مسيرة التحول الديمقراطي، وتبديد كل مكتسبات التحول والثورة التي سبقته، وإقصاء وتصفية القوى المناهضة للحكم السلطوي الذي يمثل استمرار بقائها خطورة على السلطوية الحاكمة، وإخضاع الدولة للنخبة السلطوية الحاكمة وتحويلها إلى مجرد جهاز كبير تابع لرأس السلطة".
وأضافت الورقة أن "محاولات التخلص من الجماعات ذات الشوكة والأحزاب ذات الشعبية، ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، ويكون ذلك من خلال أدوات قانونية، أو من خلال محاولات الشيطنة والوصم بالإرهاب وممارسة العنف، كما حدث مع جماعة الإخوان في مصر وغيرها من القوى الثورية النشطة".
وأشارت إلى تكرار الوضع في تونس؛ حيث حركة النهضة وغيرها من الأحزاب، الذي بدا معهم المسلسل نفسه. ورجحت الورقة أن يبدأ ويطال مستقبلا الاتحاد العام التونسي للشغل في حال استمرار انفراد الرئيس قيس سعيد بالأمر هناك، فالسلطوية لا تطيق وجود مؤسسات أو قوى فاعلة مستقلة".
ولفتت إلى أن "مساعي الحكم السلطوي للتخلص من المؤسسات الوسيطة يجر الجميع إلى دوامة العنف، معتمدا فلسفة أن البقاء للأعنف، ويصبح العنف المتبادل وحالة الاستقطاب التي قد تصل حدود الحرب الأهلية هي الضمانة الوحيدة لبقاء سلطويات ما بعد الربيع العربي".

الصراع الديني العلماني
صحيفة 'نيويورك تايمز الأمريكية قالت إن "الصراع العلماني للدين وراء عودة ديكتاتورية الرجل الواحد في تونس، وأوضحت على لسان عبد اللطيف مكي، وزير الصحة السابق "لا يزال معظم الرأي العام التونسي يدعم الثورة ، و لكنهم يغيرون مواقفهم من حزب سياسي إلى آخر أو لأشخاص مثل سعيد، ويبحثون عن شخص يمكنه تحقيق أهداف الثورة".
وأضاف التقرير أنه "عندما هرب بن علي من البلاد في يناير 2011  سادت الحماسة، مع أن الاقتصاديين حذروا من الوضع المالي للبلاد وضرورة الانتباه إليه، وفي الوقت الذي طالب فيه المتظاهرون والمحتجون بضرورة حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ومشكلة البطالة التي يعاني منها الشباب الذين يمثلون نسبة الثلث من السكان، إلا أن القادة ركزوا على ضبط النظام السياسي وأهملوا القضايا الملحة".
وعن خطوط الصدع الديني- العلماني، أضافت نيويورك تايمز أنه "عندما رفض التونسيون النظام القمعي الذي تسيد النظام السياسي على مدى العقود الستة، انتخبوا في عام 2011، مجلسا تشريعيا انتقاليا هيمن عليه حزب النهضة الإسلامي المعتدل الذي تعرض للقمع والشيطنة من الأنظمة السابقة".
وأوضحت أن مناطق دعم الحزب التقليدية هي الأحياء والأرياف المحافظة والفقيرة، وهي التي غذت الثورة، وبدا حزب النهضة وكأنه يدافع عن الثورة نفسها، وعندما بدأت البلاد بكتابة دستورها بعد عامين، اشتعل النقاش حول دور الإسلام بين العلمانيين والإسلاميين، وقال نقاد النهضة إن "المرأة في ظل حكمه لن تحصل على حقوقها وسيمنع شرب الكحول، وقالت مونيكا ماركس من جامعة نيويورك فرع أبو ظبي إنه لو لم يظهر الحقد تجاه النهضة لكان هناك انتباه أكبر وأسرع إلى عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي".
 

تشابهات التحول السلطوي

وعن هذه الجزئية من الورقة البحثية قالت إن "خارطة التحول السلطوي التي يتبناها قيس سعيد، يتشابه إلى حد كبير مع إجراءات التحول السلطوي الذي شهدته القاهرة قبل سنوات، ويفترض التقرير كذلك أن هذا التشابه ليس مصادفة، ولم ينجم عن تأثر الرئيس التونسي بتجربة مصر في الثالث من يوليو 2013 وما بعدها، إنما هذا التشابه ناتج عن اعتقاد النخب السلطوية في كلا البلدين أن حدوث تحول سلطوي ناجح وإجهاض محاولات التحول الديمقراطي يستلزم عدة شروط، هذه الشروط هي:

  1. الاستناد إلى الشارع مباشرة في تونس وقبلها في مصر عملت قوى الانقلاب على العودة للشارع مباشرة دون وسيط من مؤسسات أو إجراءات قانونية ودستورية متعارف عليها؛ وذلك بهدف شرعنة إجراءاتها الاستبدادية عبر إجراءات شعبوية –التفويض في مصر، والاستشارة الإلكترونية في تونس- ما يمكنها من الحصول على شرعية سريعة ناجزة، ومن تجاهل أي صوت معارض لهذه الإجراءات ومناهض لها قد يظهر صوته لو جرى الاعتماد على إجراءات قانونية.
     
  2. الاستناد لشريعة البقاء للأعنف في مواجهة مناهضي الترتيبات الانقلابية فقد “مُنعت الأحزاب المعارضة من القيام بأي دعاية ضد مشروع الدستور، واقتصرت الحملة التلفزيونية المُبْتسرة والتسجيلات الإذاعية على عدد محدود من الأشخاص والجمعيات والأحزاب المساندة”، وواجهت السلطات جميع التحركات المعارضة؛ المناهضة للاستفتاء، بعنف مفرط، وقبل ذلك كان هناك تزايد مستمر في حدة القمع الأمني تزامن مع أتساع رقعة المعارضين للإجراءات السلطوية للرئيس التونسي، هذا القمع والممارسات غير القانونية طالت الجميع، برلمانيين، ومسئولين سابقين في الحكومة، وقضاة، ونشطاء سياسيين، ومتظاهرين.
    وأضافت أنه "لم يصل الأمر في تونس إلى مستوى ما حدث في مصر، ففي مصر بعد أن فككت الثورة المضادة مكتسبات ثورة يناير، ولجأت إلى إجراء شعبوي لشرعنة قراراتها من خلال اللجوء لـ “التفويض” فإنها استندت إلى عنف غير مسبوق ضد مناهضيها في محاولتها لاستعادة السيطرة على الشارع".
     
  3. من يقف وراء قيس سعيد؟ وانطلقت الورقة من كون قيس سعيد ليس عسكريا سابقا، ولا حتى مسئولا أمنيا، ولم يتولَ أية مناصب في وقت سابق، فهو وصل إلى سدة الحكم على أكتاف الثورة، من ثم هو ليس محسوبا على قوى الدولة العميقة -كما هو حال السيسي في مصر-  بالتالي هو وحيد ومنفرد فكيف له أن يتخذ هذه الإجراءات الانقلابية دون دعم من جهات داخل جهاز الدولة، يبدو هذه الاحتمال مستبعدا، أضف إلى ذلك أنه يصعب القول أن قرار سعيد بتجميد البرلمان وإقالة الحكومة وما تلاها من قرارات هي بنات أفكاره.
    لتخلص إلى أن دعما واضحا من قوى الثورة المضادة في (مصر، الإمارات، السعودية) للقرارات الانقلابية التي اتخذها قيس سعيد، وبتأييد فرنسي منذ البداية، وعن مساندة روسيا وإيران والصين الانقلاب منذ البداية، وإن كان بشكل هادئ وغير ظاهر، إلا أن كواليس عديدة تؤكد أن الدعم الإيراني والروسي والصيني للانقلاب تجاوز مجرد الموقف الرسمي".

 

تداعيات الديكتاتورية

وكما هو الحال في مصر، قال تقرير صحيفة 'نيويورك تايمز' إن  "الإهمال الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي وعجز الرئيس المنتخب عن تحقيق وعوده الانتخابية كانت وراء تداعي التجربة الديمقراطية التونسية".

وأضافت ، التونسيون سئموا من الفساد والقمع وغياب الفرص تدفقوا قبل حوالي 12 عاما إلى الشوارع وأطاحوا وهم يهتفون خبز، حرية، كرامة بديكتاتور، وتردد صدى الهتافات التونسية في كل أنحاء الشرق الأوسط وفتحت الباب أمام سلسلة من الانتفاضات التي عرفت باسم الربيع العربي ، مما أحيا الآمال بازدهار الديمقراطية في تونس وما بعدها".

وأكدت الصحيفة الأمريكية أنه "بعد عقد على نهاية الحكم الديكتاتوري، ظلت تونس التجربة الوحيدة الناجية من ثورات الربيع العربي لكن ديمقراطيتها باتت اليوم ميتة".

ادعاءات على الإسلاميين
وأشار تقرير نيويورك تايمز أن النهضة رفضت ذكر القانون الإسلامي في الدستور وتبنت نهجا معتدلا يتجنب العنف، زاعمة أن مخاوف التونسيين من الإسلام الراديكالي إلى جانب عقد طويل من شيطنة النظام القديم للنهضة أثارت الشكوك حول الحزب.
ومع سياق نجاح الانقلاب في مصر بالإطاحة بالمؤسسات المنتخبة قالت نيويورك تايمز إنه  "في أغسطس 2013  دعا عشرات الآلاف للإطاحة بالنهضة وكان تهديد العنف واضحا، وتم حل الأزمة عندما التقى زعيم النهضة الشيخ راشد الغنوشي وزعيم نداء تونس الباجي قايد السبسي في باريس".
وأضاف التقرير أن مشكلات تونس القيت في حجر البرلمان كما حدث في مصر ، وشعر التونسيون بالقرف من النواب الذين وجهوا لهم الشتائم عبر فيسبوك والشوارع وساء الوضع الاقتصادي في الوقت نفسه وفقد المستهلك التونسي نسبة 40% من قدرته الشرائية، أما العملة فقد انخفضت قيمتها بنسبة 60% من 2020 -2022 وزاد الدين العام بنسبة خمسة أضعاف عما كان عليه في عام 2010".
وأضافت أنه "لم تعد الحكومة قادرة على دفع الرواتب أو شراء الحبوب علاوة على الاستثمار بالبنى التحتية، ووسط هذا قام سعيد بخطواته مستخدما كوفيد-19 وطريقة معالجته، ويقول أول رئيس تونسي بمرحلة ما بعد الثورة منصف المرزوقي يستخدم سعيد الكراهية، التي يكنها جزء كبير من السكان للطبقة السياسية وبخاصة النهضة ليقول "أنا المخلص و بالنسبة للمواطن العادي فقد فقد الثقة بكل شيء".

 

الغارق في الكراهية 

ولكن الورقة البحثية قالت إن "قيس سعيد الغارق في إعلاء نبرة الكراهية كإحدى إستراتيجياته المتشابهة مع الحالة المصرية استخدم إستراتيجيات أخرى وهي أيضا مماثلة لما أداره المنقلب في مصر ومنها:
(1) الاستناد للشارع مباشرة، باعتباره مجموعة من الأفراد المتفرقين الذين لا ينضوون تحت كيانات تمثلهم وتعبر عن مصالحهم وتطلعاتهم، وفي نفس الوقت تسميتهم بالشعب هذا المخلوق الخرافي بدون ملامح الذي تستخدمه السلطة في تبرير وشرعنة كل سلوك غير مبرر أو مشروع.
(2) تفكيك المؤسسات المستقلة داخل جهاز الدولة، في تونس مثلا، هيئة مكافحة الفساد، المجلس الأعلى للقضاء، مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، حتى يصبح جهاز الدولة مجرد جسد ضخم لكنه طيع في يد الحاكم، وتتحول الدولة من خلال هذه الخطوة من خادمة للمجتمع إلى معادية له، وكامتداد لهذه الخطوة يتم تفكيك المؤسسات المنتخبة وفي قلبها البرلمانات كونها أفضل ممثل لإرادة الشارع؛ حتى لا يكون ثمة من ينازع النخبة السلطوية ادعاءها احتكار تمثيل الشعب.
(3) تفكيك المؤسسات الوسيطة التي تقع بين المجتمع باعتباره أفراد، وبين الدولة باعتبارها القوة الوحيدة المؤسسة والمنظمة والمحتكرة لكل أوراق القوة، والخاضعة بشكل مطلق للحكم السلطوي، فتبدأ محاولات التخلص من الجماعات ذات الشوكة والأحزاب ذات الشعبية، ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، ومن خلال أدوات قانونية وإجراءات شرطية.