تمثل "الجامعات الأهلية" التي يروج لها نظام الانقلاب، الخطوة الأخيرة لإلغاء مجانية التعليم خضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولي.
ولا تتوقف الكارثة عند هذا الحد؛ بل إن هذه الجامعات تقود التعليم المصري إلى الانهيار ، لأنها تخدم فقط أصحاب الأموال وبأقل المجاميع في الثانوية العامة وتمنحهم ما يريدون من شهادات دون توافر أي إمكانات لتأهيل وتعليم الطلاب ، بجانب ابتزاز الجامعات الحكومية وإلزامها بتوجيه ميزانياتها لإنشاء الجامعات الأهلية ، وهو ما يهدد بانهيار الجامعات الحكومية ، وهذا ما يخطط له السيسي للقضاء على مجانية التعليم تماما ودون رجعة .
يشار إلى أن الجامعات الأهلية الجديدة التي أُنفق على تمويلها 40 مليار جنيه حتى الآن التزمت بالحد الأدنى للقبول بالجامعات الخاصة، كما أن مصروفاتها تتجاوز مصروفات عدد من الجامعات الخاصة .
وتبدأ الدراسة في أكتوبر المقبل في 12 جامعة جديدة العام الدراسي المقبل ، وتزعم أنها غير هادفة للربح، لكن مصروفاتها الكبيرة تشير لكونها أحد المشروعات الاستثمارية التي تهيل التراب على التعليم الجامعي الحكومي المجاني.
الجامعات الحكومية
وكشف مصدر مطلع بوزارة التعليم العالي بحكومة الانقلاب أن هناك توجها من نظام الانقلاب نحو اقتطاع جزء من ميزانيات الجامعات الحكومية وتوجيهها نحو إنشاء الجامعات الأهلية، وهو ما انعكس بشكل مباشر على تردي أوضاعها، مؤكدا أن الخطة بدأت منذ ما يقرب من أربع سنوات، لكن دون الإفصاح عنها .
وقال المصدر إن "الخطة تنص على أن توفر الجامعات الحكومية أراضي لإنشاء أخرى أهلية تابعة لها، على أن تتحمل دولة العسكر تكاليف البناء التي تقوم بها الهيئة الهندسية التابعة للجيش".
وأوضح أن الجامعات الأربع التي دخلت الخدمة قبل عامين، وهي (جامعة الملك سلمان الدولية بجنوب سيناء، وجامعة العلمين الدولية ، وجامعة الجلالة والمنصورة الجديدة) بلغت تكلفتها الإجمالية 20 مليار جنيه، ومن المقرر صرف أموال مماثلة لحين الانتهاء من استكمال المعامل والمستشفيات الجامعية التابعة لها.
وحول مصادر تمويل تلك الجامعات أكد المصدر أنه يتم استقطاع جزء من ميزانيات الجامعات الحكومية التي سيحصل الطلاب على شهادات معادلة منها، إلى جانب مشاركة جهات خليجية كما هو الحال بالنسبة لجامعة الملك سلمان بمنحة سعودية إلى جانب القوات المسلحة التي شاركت بالمليارات لإنشاء الجامعات الأربع الأولى.
وأشار إلى أن الجامعات الجديدة التي ستدخل الخدمة مع بداية العام الدراسي الجديد وتتبع بشكل مباشر جامعات حكومية في المحافظات التي تقع فيها ، وتختلف وضعيتها إلى حد ما عن الجامعات الأربع السابقة التي شاركت في تمويلها جهات خارجية، فيما يقتصر تمويل الجديدة على الجامعات الحكومية وعدد من هيئات الجيش بينها الهيئة الهندسية التي تشرف على عملية البناء.
أرباح مالية
وتساءل عضو هيئة تدريس بأحد الجامعات الحكومية منتدب لجامعة أهلية عن الدوافع التي تجعل حكومة الانقلاب تنفق مليارات الجنيهات على الجامعات الأهلية الجديدة، في حين أنها تستقطع من الميزانيات البحثية بضعة ملايين بحجة توفير النفقات .
وأكد عضو هيئة التدريس الذى رفض الكشف عن اسمه أن ما يحدث في قطاع التعليم الجامعي يقطع الطريق على أي محاولات للتطوير؛ لأن هدف حكومة الانقلاب الأساسي تحقيق أرباح مالية وليس الارتقاء بالبحث العلمي.
وأشار إلى أن حكومة الانقلاب صدقت قبل نهاية العام الماضي على قرار يقضي بتخفيض وترشيد الإنفاق الحكومي للجهات الداخلة في الموازنة العامة لدولة العسكر، وتقليص إنفاق الجامعات الحكومية والإنفاق على المؤتمرات العلمية أو المساهمة في تكاليف سفر أعضاء هيئات التدريس للمشاركة في مؤتمرات دولية.
وكشف العضو أن البناء الشكلي للجامعات الأهلية الجديدة يؤشر على كونها مشاريع لا تولي اهتماما بجودة العملية التعليمية بقدر اهتمامها بسرعة الحصول على أموال تعوض فيها المليارات التي صرفتها، لافتا إلى أن جامعة الجلالة على سبيل المثال بدأت الدراسة في كليات الطب دون أن تكون مجهزة، وواجه الطلاب خلال عامهم الأول صعوبات عديدة نتيجة عدم تجهيز المعامل، واضطروا للذهاب إلى جامعات حكومية أخرى لتلقي تدريباتهم العملية .
وأعرب عن أسفه لأن العمل في إنشائها يسير بمنطق الطرق والكباري الذي يتطلب إنجازها توفير الموارد المالية للهيئة الهندسية، سواء من القوات المسلحة أو الجامعات أو المخصصات الحكومية الأخرى ليكون الانتهاء من بنائها في فترة وجيزة، لكنها تبقى بلا خدمات داخلية، وتقوم الخطة على إلحاق الطلاب بالجامعات أولا، ثم البحث عن استكمال تجهيزاتها، وهو ما أثر سلبا على جذب الطلاب إليها.
وأكد عضو هيئة التدريس أن الجامعات الحكومية تئن في الوقت الحالي من ضخامة التكلفة التي تتكبدها دون أن تتأكد من أنها ستجني ثمار ما تدفعه من عدمه؛ لأن البعض منها لا تتوفر لديه الأراضي لإقامة الجامعات الجديدة، وتبحث عن مصادر تمويل ويتطلب الأمر توفير مبالغ تصل إلى 10 مليارات جنيه، وهي مبالغ طائلة لا تستطيع الجامعات تحملها .
مجانية التعليم
وقال خبير تعليمي إن "حكومة الانقلاب تلجأ إلى تسمية الجامعات الجديدة بـالأهلية وتنص عليها في دستور الانقلاب ، لكي تهرب من مواجهة المجتمع الذي يعترض على تحويل التعليم الجامعي من مجاني إلى مدفوع ، موضحا أن الوصف الدقيق للجامعات الجديدة أنها جامعات حكومية بمصروفات وتستهدف تحقيق الربح".
وحذر الخبير الذي رفض الكشف عن هويته من أن عددا من الكليات المجانية في طريقها للإغلاق خلال السنوات المقبلة واستبدالها بنظام البرامج المدفوعة بالجامعات وكذلك الجامعات الأهلية.
وأكد أن دولة العسكر تقضي بتلك التجربة على أي عدالة اجتماعية لأنها تعمل على بيع الشهادات للطلاب الذين لديهم القدرات المالية للحصول عليها ممن حصلوا على مجاميع منخفضة في مرحلة الثانوية العامة، في مقابل أن الفقراء لن يكون لديهم الفرصة ذاتها، ما يعني أنها تحولت إلى وسيط أو سمسار وتحقق أهداف الجامعات الخاصة التي تستهدف الربح فقط.
وكشف الخبير أن حكومة الانقلاب بدلا من أن تمارس رقابتها على الجامعات الخاصة وتدفعها نحو الاهتمام بالبرامج التي يتطلبها سوق العمل، تسعى لتقليدها دون أي رقابة عليها من خلال التوسع في إنشاء ما يسمى بـكليات القمة أو كليات المجموعة الطبية، في حين أن كلية الصيدلة على سبيل المثال لم تعد بحاجة إلى خريجين جدد، وبدلا من تخريج 20 ألف طالب سنويا لا يحتاجهم سوق العمل، سيتم مضاعفة الرقم مع إنشاء الجامعات الأهلية لتتفاقم الأزمة.
وأشار إلى أن حكومة الانقلاب تتوسع في إنشاء برامج وكليات بمسميات مختلفة ذات ارتباط مباشر بكلية التجارة التي تستقبل فيها الجامعات الحكومية سنويا أكثر من 50 ألف طالب دون أن يكون لديهم مكان في سوق العمل، ويعملون في مهن ليست لها علاقة بمجال دراستهم، وكان من الممكن توجيه المليارات لإنشاء معامل وكليات متطورة في الأقسام التكنولوجية الحديثة في حين أنها قامت بتعديل المسميات لتربطها بمصطلح الذكاء الاصطناعي ؛ لكنها لن تقود في النهاية لتخريج أجيال قادرة على الابتكار في هذا المجال وستتحول أيضا إلى شهادات تمنحها للطلاب.