بحسب تقرير أعدته منصة العدالة الاجتماعية في سبتمبر 2022 تحت عنوان «الأجور في مصر.. ماذا تبقى للعمال»، خلص إلى أن المصريين فقدوا نحو 28.4% من أجورهم حتى سنة 2017 من حكم الدكتاتور عبدالفتاح السيسي؛ فماذا عن وضع المصريين اليوم وقد اشتعلت الأسعار والتهبت السلع، وغابت الرقابة وتآكلت الأجور والمرتبات بفعل فشل السيسي ونظامه في إدارة موارد الدولة على نحو صحيح وهو الذي كان قد تعهد بعد انقلابه المشئوم في يوليو 2013م بأن مصر ستصبح دولة عظمى "بكرة تشوفوا مصر"؟!
لا شك أن تفشي جائحة كورونا من جهة والغزو الروسي لأوكرانيا من جهة ثانية ساهما في تفاقم الأمور، لكن أساس المشكلة هو الفشل في إدارة موارد الدولة على نحو صحيح؛ فقد أهدر السيسي سيولة الدولة على مشروعات فاشلة فأهدر نحو 10 مليارات دولار على مشروع تفريعة قناة السويس دون أي جدوى اقتصادية؛ والغريب أنه يهدر حاليا ــ وفي صمت ـ نحو 14 مليار دولار على مشروعة توسعة القناة وهو مشروع غامض سوف ينتهي خلال سنة من الآن. كما أهدر ولا يزال يهدر أكثر من 450 مليار دولار على عاصمته الإدارية التي لن يستفيد نها المصريون شيئا؛ فهي حصن لرجال السلط ونخبة الحكم وأثرياء النظام.
الجنيه فقد نحو 25% من قيمته منذ مارس 2022 حتى سبتمبر 2022؛ فقد ارتفع سعر الدولار من 15.7جنيها إلى 19.40 جنيها، ويتوقع خبراء ومحللون أن يتجه نظام السيسي إلى المزيد من خفض قيمة الجنيه للحصول على قرض رابع من صندوق النقد الدولي بعدما اقترض نحو 20 مليار على مدار السنوات الست الماضية دون أن يسهم ذلك إلا في المزيد من الديون وإرباك المشهد الاقتصادي والمالي للبلاد. ومع التعويم المرتقب الذي يتم حاليا في هدوء وبالتدريج سوف يتفاجأ المصريون بأن سعر الدولار وصل إلى 25 جنيها وهو ما يعني زيادة أسعار السلع بنحو 35% على الأقل عما هي عليه اليوم. وهو ما يعني أن المصريين ذوي الدخل الثابت (كالموظفين والعمال) مرشحون لتآكل أجورهم ومرتباتهم بذات القيمة! معنى ذلك أن مستويات التضخم سوف ترتفع إلى مستويات أكثر جنونية عما هي عليه اليوم.
فما هو التضخم وما هي مخاطره؟
التضخم هو تراجع القوة الشرائية للعملة؛ فقبل سبع سنوات كان المواطن يشتري (2 كيلو) من اللحوم بــ"150" جنيها، لكنه اليوم يحتاج إلى 350 جنيها لكي يشتري نفس الكمية من اللحوم (2 كيلو)، وبالتالي فإن التضخم هو العدو الأول لأصحاب الدخول الثابتة من الموظفين في القطاعين العام والخاص وكذلك أصحاب المعاشات. لأن أصحاب المهن الحرة والتجار سوف يُحمِّلون المستهلكين قيمة أي زيادة تحدث وبالتالي يستطيعون التحكم في مستويات دخولهم وفقا لمعدلات التضخم؛ الطبيب مثلا يستطيع أن يرفع سعر الكشف من 100 جنيه إلى 150 جنيها أو أكثر، وكذلك المهندس والمدرس (الدروس الخصوصية)، والنجار والكهربائي والسباك، وكذلك تاجر الملابس أو أي سلعة أخرى يستطيع أن يرفع نسبة أرباحه بناء على حجم تراجع القوة الشرائية في العملة؛ فإذا كان يربح نحو 40% مثلا يمكن أن يرفعها إلى 50 أو 60% لتعويض تراجع القوة الشرائية للعملة؛ لكن الموظفين وأصحاب المعاشات لا يستطيعون فعل ذلك؛ وحتى الزيادات التي تقررها الحكومة لموظفيها وأصحاب المعاشات دائما ما تكون طفيفة وأقل بكثير من حجم ومستوى ارتفاع التضخم؛ وبالتالي يسقط ملايين المواطنين تحت خط الفقر، لأن دخولهم لم تعد تكفي لتوفير احتياجاتهم الأساسية من الطعام والملبس والمأوى وغيرها من الخدمات الصحية والتعليمية، وكلما ارتفعت الأسعار تزداد معدلات التضخم على نحو يسحق الفقراء والفئات الدنيا في الطبقة المتوسطة على نحو عنيف.
نسب التضخم الحقيقية أكبر بكثير مما تعلنه أجهزة الحكومة؛ لأن الدولة تتلاعب بذه النسب على نحو يقلل من خطورة الأزمة للحد من الغضب الشعبي ضد سياسات النظام. فالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وهو الجهة الرسمية المنوط بها قياس التضخم يستخدم منهجية مضللة في حساب نسب التضخم؛ حيث يستبعد من مجموعات السلع التي يتم قياس التضخم على أساسها السلع الأكثر تقلبا وهي السلع الأساسية والتموينية التي يستكهلكها عموم المصريين وبكميات كبيرة. وبسبب فساد منهجية جهاز الإحصاء المصري كما جرى سنة 2017م، اتهم خبير الاقتصاد الأميركي ستيف هانك، أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة "جونز هوبكينز" ومدير مشروع العملات المضطربة بمعهد كاتو الأميركي، الأجهزة الرسمية في مصر بالكذب بشأن معدلات التضخم في مصر، مؤكدا أن معدل التضخم الحقيقي في مصر في منتصف 2017م يساوي 146.6% وليس 32% كما أعلنت الحكومة؛ مشككا في صحة الإحصائيات الحكومية الرسمية، علما أن المعهد الذي يعمل به هانك يحتل الترتيب 16 بين أفضل معاهد دراسات السياسات في العالم.
أسباب التضخم متعددة أبرزها فشل السياسات المالية والاقتصادية كما يفعل نظام السيسي تماما، وكذلك هناك أسباب خارجية كمراحل تفشي الأوبئة والحروب كما يحدث حاليا حيث تتفشي جائحة كورنا منذ سنتين دون توقف ما صاحب ذلك من عمليات إغلاق واسعة لآلاف المصانع والشركات والمحال، ثم جاء الغزو الروسي لأوكرانيا ليرفع أسعار الحبوب والطاقة إلى مستويات غير مسبوقة ما يرفع نسب التضخم على نحو لا يطاق.
في هذه الأثناء يقف نظام السيسي عاجزا وهو الذي تعهد أن يرى المصريون مصر أخرى جديدة في منتصف 2020، وتحت شعار الجمهورية الجديدة يدشن النظام بروباجندا مستفزة لعموم المصريين؛ لأن هذه الجمهورية هي جمهورية الفقر والديون والفشل والقمع وتكريس الطبقية وانتشار الانتهازية والاحتكار وتفشي معدلات الجريمة والانتحار والطلاق؛ مصر تتفكك، وشعبها يسحق، تزداد فقرا وتخلفا، ويزداد حكامها غنى وثراء واستكبارا، ولا تزال الآلة الإعلامية للنظام ــ رغم كل ما يعانيه الشعب ــ زاعقة ومستفزة بحجم الأكاذيب التي تروجها حتى كفر الشعب بالنظام وبكل ما يمت له بصلة. فهل تشهد مصر انفجارا عظيما يوازي حجم الألم والمعاناة التي يعيش فيها المصريون؟