عبر الديون وبيع الأصول .. السيسي يبهر الألمان بإنفاق 31 مليار دولار لإنجاز القطار السريع لـ”العاصمة”

- ‎فيتقارير

على الرغم من الأزمات المالية والاقتصادية التي تضرب مصر، وتقودها نحو إفلاس مقيت وانهيار لقيمة الجنيه والاقتصاد  القومي ، ومن ثم انضمام أكثر من  80 مليون مصري إلى دائرة الفقر المدقع، واضطرار السيسي لبيع أصول الدولة بثمن بخس للمستثمرين الخليجيين والأجانب، إلا أن السيسي يصر على العمل في الاتجاه المعاكس، ضاربا بتحذيرات الخبراء والدوائر الاقتصادية ، بل وتوصيات دوائر استخباراتية وأمنية مصرية بوقف الإنفاق البذخي على المشاريع الكبرى، لتوفير العملات الأجنبية وتوجيه الإنفاق لمشاريع تحرك عجلة الاقتصاد والإنتاج، مصرا على تسريع أضخم المشاريع التي اتفق عليها، ونالت انتقادات الجميع بالداخل والخارج ، حيث  عقد السيسي اجتماعا موسعا، السبت 17  سبتمبر الجاري، لاستعراض الموقف التنفيذي من مشروع القطار الكهربائي السريع بحضور مستشاره للتخطيط العمراني اللواء أمير سيد أحمد، ورئيس الهيئة الهندسية للجيش اللواء هشام السويفي، ورئيس مجلس وزراء الانقلاب مصطفى مدبولي، ووزير النقل بحكومة الانقلاب كامل الوزير.

ونقل بيان رئاسة الانقلاب عن "الوزير" قوله إن  "150 شركة بحجم عمالة يبلغ نحو 100 ألف عامل -في مختلف التخصصات- تعمل على إنجاز الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع، الذي يمتد بطول 660 كيلومترا، من منتجع العين السخنة شرقا، مرورا بالعاصمة الإدارية الجديدة، ومدن السادس من أكتوبر، وبرج العرب في محافظة الإسكندرية، والعلمين الجديدة، وصولا إلى مرسى مطروح غربا".

وعرض الوزير مستجدات التعاون مع المجموعة الألمانية "دويتشه بان" لإدارة وتشغيل القطار الكهربائي السريع بخطوطه الثلاثة، ومنها إنشاء شركة وطنية تحت اسم "دويتشه بان مصر"، ونقل المجموعة الألمانية الخبرات إليها عن طريق تدريب وتأهيل الكوادر المصرية من مهندسين وفنيين في مقار ومراكز المجموعة بألمانيا.

وسبق أن وجه السيسي بتدشين الخط الأول من مشروع القطار الكهربائي السريع، الذي تبلغ تكلفته التقريبية المُعلنة 31 مليار دولار، وهي ممولة بقروض خارجية تُسدد على مدة 15 عاما، في 7 نوفمبر المقبل، وذلك بسرعة تصميمية تبلغ 250 كيلومترا في الساعة، وسرعة تشغيلية هي 230 كيلومترا في الساعة.

ويصر السيسي على استكمال بعض المشروعات المرتبطة بالعاصمة الإدارية الجديدة، التي تقع في قلب الصحراء ، على الرغم من تكلفتها الضخمة على الموازنة العامة للدولة، ممثلة في أقساط وفوائد الديون الممولة بها، في وقت تعاني مصر من أزمة اقتصادية حادة بفعل الحرب الدائرة في أوكرانيا، وما صاحبها من موجة تضخم عالمية ونقص في موارد مصر من النقد الأجنبي.

 

دهشة الألمان

وكان الرئيس التنفيذي لشركة "سيمنز" الألمانية، رولاند بوش، قد وصف الاتفاق، الذي وقعته شركته مع الحكومة المصرية لإنشاء منظومة القطار الكهربائي السريع، بأنه "أكبر طلبية في تاريخ الشركة" موضحا أن حصتها في المشروع تبلغ نحو 8.1 مليارات يورو، ضمن تحالف يضم شركتين مصريتين هما أوراسكوم كونسترأكشون و"المقاولون العرب".

ويرى خبراء أن اهتمام السيسي البالغ بإنجاز القطار الكهربائي السريع يتناقض مع اتخاذ البلاد خطوات صعبة في سبيل توفير النقد الأجنبي، تشمل بيع حصص الحكومة في العديد من الشركات الكبرى بأسعار زهيدة لمستثمرين أغلبهم من الدول الخليجية، والسماح بضعف العملة المحلية بالتدريج مع ما يعنيه ذلك من تراجع مستوى معيشة المصريين، وانخفاض قيمة ثرواتهم، ورفع معدلات الفائدة، ومن ثم زيادة نسبة ما يوجه لسداد فوائد الدين العام من جانب المصروفات في الموازنة المصرية.

 

ديون للركب

وتشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاع الدين الخارجي لمصر إلى 157.8 مليار دولار في نهاية مارس الماضي، من 145.5 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2021، وبنسبة ارتفاع إجمالية بلغت نحو 8.5% خلال ثلاثة أشهر فقط، بعد أن كان إجمالي الدين لا يتجاوز 38.3 مليار دولار في مارس 2013، أي قبل تولي السيسي إدارة البلاد فعلياً بأشهر قليلة، عقب انقلاب الجيش على الرئيس الراحل محمد مرسي.

وتظهر بيانات البنك المركزي المصري تراجع احتياطي النقد الأجنبي، خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، بنحو 7.8 مليارات دولار، ليصل إلى 33.14 مليار دولار في نهاية يوليومقابل 40.93 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي، بانخفاض بلغت نسبته 19%.

و قفزت مخصصات فوائد الدين في موازنة مصر الجارية إلى 690.1 مليار جنيه مقارنة مع 579.9 مليارا مستهدفة في العام 2021-2022، أي بنسبة زيادة تبلغ 19.2%، وبما يعادل نحو 34.4% من الإنفاق الحكومي، و45.5% من إيرادات الدولة في العام المالي، فيما ارتفعت مخصصات سداد القروض المحلية والأجنبية من 593 مليار جنيه إلى 965 مليارا و500 مليون جنيه.

ولعله من المستغرب أن يسير السيسي في نفس المسار الذي ثبت فشله .

في مشروع القطار المكهرب الذي يربط بين الخط الثالث لمترو الأنفاق عند محطة عدلي منصور في مدينة السلام إلى مدينة العاشر من رمضان وإلى العاصمة الجديدة، حيث لم يحقق التشغيل للخط إلا الخسائر، لدرجة وصلت أن يرتاد القطار ثلاثة ركاب فقط في يوم كامل، وهو ما اضطر الحكومة لخفض تسعيرة تذكرة الركوب إلى النصف، مع تخصيص وزارة النقل باصات مخصصة لنقل الركاب إلى محطة القطار المكهرب مجانا، من أجل إيجاد كثافة تشغيلية يبدو أنها ما زالت بعيدة، نظرا لسير القطار المكهرب في مناطق صحراوية غير مأهولة بالسكان، كما أن تسعيرة الركوب في وسائل المواصلات الأخرى أقل من ربع تكلفة القطار، علاوة على أن العاصمة الإدارية معطلة لعدم اكتمال مرافقها وإجراءات نقل الموظفين إليها، بسبب التعثر المالي.

وهو الأمر الذي ينطبق على فكرة القطار السريع، العين السخنة العاصمة الإدارية- العلمين ، إذ يسير في منطقة صحراوية، كما أن المنتجعات التي يمر بها هي للأغنياء، الذين يملكون أحدث أنواع السيارات وبأعداد كبيرة داخل كل أسرة، أي أنهم لن يتركوا سيارتهم ويرتادون وسيلة مواصلات عامة ، وكان خبراء أكدوا أن مسار القطار السريع المقترح كان ينبغي أن يتم زراعته بالمصانع والشركات والأراضي المستصلحة والمباني لنقل السكان إليها وتوسيع الرقعة السكانية والاقتصادية التي يمكنها أن تشغل مثل هذا القطار وإلا سيتحول إلى فنكوش جديد.