يعتبر الأرز من المحاصيل الأساسية في مصر بعد القمح. وعلى الدوام كانت مصر تحقق الاكتفاء الذاتي من الأرز، لكن العجيب أن هذا المحصول الحيوي الذي يتم زراعته بالكامل في مصر ولا يتم استيراده ارتفعت أسعار بشكل جنوني خلال الشهور التي تلت الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022م؛ حيث ارتفع من 5 أو 6 جنيهات إلى نحو 16 و18 جنيها في الوقت الراهن. وفي بعض الأماكن وصل إلى نحو 20 جنيها، رغم أن الشركات المحتكرة للسوق اشترت المحصول في اغسطس وسبتمبر 2021م بأسعار متدنية للغاية لا تزيد عن أربعة آلاف جنيه للطن الواحد. بمعنى أن سعر الكيلو يقف على الشركة بأربعة جنيهات فقط؛ فكيف يرتفع سعره إلى هذه الأرقام المفزعة؟ وأين دور الحكومة وجهاز حماية المستهلك في مواجهة الاحتكار؟
وكان وزير التموين بحكومة الانقلاب قد أصدر قرارًا الخميس 29 سبتمبر 2022، ينص على أن الهيئة العامة للسلع التموينية، فقط، هي المختصة بتسويق محصول الأرز المنتج محليًا موسم 2022، من خلال شركة المضارب التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية، والشركة القابضة للصوامع والتخزين، والبنك الزراعي المصري، وكذلك الجهات التي يتم اعتمادها من الوزارة بالتنسيق مع الهيئة القومية لسلامة الغذاء. وحظر القرار نقل الأرز الشعير إلًا بتصريح معتمد من مديرية التموين والتجارة الداخلية بكل محافظة، مع تقديم ما يفيد بقيام المصرح له بتوريد الكميات المحددة إلى مخازن الحكومة (طن عن كل فدان). وكانت الحكومة تستهدف توريد مليون ونصف المليون طن من الأرز بسعر 6600 جنيها للحبة الرفيعة و6850 جنيها للعريضة خلال موسم الحصاد (منتصف أغسطس حتى منتصف سبتمبر). تضمن القرار أيضا بمعاقبة من يمتنع عن التوريد بعدم السماح له بزراعة الأرز في العام التالي، إضافة إلى عدم صرف الأسمدة والمبيدات الزراعية، بخلاف توقيع غرامة تقدر بـ10 آلاف جنيه عن كل طن لا يتم تسليمه. ويتوقع أن يصل حجم الإنتاج هذا الموسم إلى حوالي 7 ملايين طن أرز شعير، من زراعة 1.8 مليون فدان، بزيادة 550 ألف فدان عن الموسم الماضي، تعطي 3.6 ملايين طن أرز أبيض، فيما يبلغ حجم الاستهلاك السنوي 3 ملايين طن.
قرار الوزارة يعني فعليا إغلاق مضارب الأرز الخاصة، ومنعها من القيام بضرب (تقشير) وتسويق الأرز، ومصادرة أي كميات يجرى توريدها لغير مضارب ومخازن الحكومة؛ الأمر الذي يؤدي تلقائيا إلى ارتفاع أسعار الأرز رغم أنها ارتفعت بشكل جنوني في الشهور الماضية. لكن الحكومة أصدرت قرارا جديدا تسمح فيه بمضارب الأرز بالعمل بشرط استلام الكميات تحت إشراف لجنة حكومية.
القرار الجديد لم يعجب شعبة الأرز بغرفة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية، والتي طالبت بتحرير سعر سوق الأرز وعدم تحديد أسعار بيعة من المزارعين، وذلك في مذكرة إلى مجلس النواب. وشرحت الشعبة في مذكرتها سوء الوضع الذي وصل إليه سوق الأرز بسبب قرارات وزارة التموين منذ بداية موسم الحصاد، في ما يتعلق بالتسعير ومنع القطاع الخاص وشركات المضارب من جمع أي كميات من المحصول، بحسب عضو الشعبة، مصطفى السلطيسي. ويحذر من أن قرار الكومة سوف يؤدي تلقائيا إلى ظهور سوق سوداء في الأرز، خاصةً لو السعر العادل للسلعة أعلى من السعر المفروض من الدولة.
ويشرح رئيس شركة مضرب الإخلاص، ياسر اختيار، هذا الوضع الغربي بقوله إن وزارة التموين «ستُعين لجنة لكل مضرب تتسلم الأرز بالأسعار الحكومية التي حددتها وزارة التموين بداية الموسم عند 6600 للأصناف الرفيعة و6850 جنيهًا للأصناف العريضة، وهذا خطأ»، مضيفًا أن السوق السوداء هي من تُسيطر حاليًا على عمليات تسويق محصول الأرز، وأن الأسعار تتفاوت بصورة كبيرة من منطقة لأخرى، حتى بلغ سعر طن الأرز الأبيض رتبة أولى غير معبأ في أسواق الجملة 14.5 ألف جنيه، وتجاوز 15 ألف في بعض المناطق.
ويرى قطاع عريض من المراقبين أن الحكومة وضعت قرارات قفلت على سوق الأرز الشعير عند الفلاحين، فلا هو راضي يورّد لهيئة السلع التموينية بالأسعار الرسمية لأنها أقل بكثير من سعر السوق الحر، ولا هو عارف يبيع للقطاع الخاص. والتجار أيضا خائفون من جمع أي كميات لأن مباحث التموين تلاحقهم بالمحاضر لأي كمية مخزنة ولو كانت بسيطة. وقال السلطيسي إن أغلب المضارب متوقفة عن العمل حاليًا، ومَن يعمل منها يكون عبر التهريب، وذلك بعد وصول أسعار شعير الأرز في السوق السوداء إلى 9300 جنيه للأصناف العريضة، و9100 جنيه للأصناف الرفيعة.
لكل هذه الأسباب فإن وزارة التموين تحاول السيطرة على السوق بآليات خاطئة، لأن الهدف من السماح للمضارب بجمع المحصول بشرط وجود لجان استلام في كل مضرب، هو محاولة إيقاف حصول بعض المضارب على كميات مهربة. لكن "مدى مصر" ينقل عن مصدرين أن أغلب كميات اﻷرز الموجودة لدى الوزارة من المحصول الجديد هي من الكميات المهربة المضبوطة، في ظل عزوف الفلاحين عن التوريد.
فحكومة الانقلاب تريد من المضارب أن تشتري اﻷرز الشعير من الفلاحين بـ 6600 و6850 جنيهًا للطن، ثم تبيعه لوزارة التموين بـ12 جنيهًا للكيلو الأبيض سائب، أو 15 جنيهًا للكيلو الأبيض معبأ. لكن الحكومة نفسها «ما أخدتش شعير بالتسعيرة بتاعتها، ولو حددت الأسعار عند مستوى عادل فوق ثمانية آلاف و8500 جنيها للطن من الرفيع والعريض على الترتيب، ستحقق مستهدفاتها من التوريد عند 1.5 مليون طن». بدوره، اعتبر السلطيسي أن قرار تسعير الأرز الأبيض كان غير مدروس، وليس له أساس، وأن السعر المفروض غير واقعي، وكان يجب تحديده على أساس سعر السوق الحر، وأكد أن وزارة التموين «لازم تُدرك أننا بنحصد الأرز في شهرين فقط خلال سبتمبر وأغسطس، ثم نعود لنستهلكه في عام كامل، لذا لا بد من وجود مخزون عند أكثر من طرف لخلق منظومة متكاملة، وليس طرف واحد فقط».